العنوان رسائل الإخاء.. قول على قول
الكاتب الشيخ نادر النوري
تاريخ النشر الثلاثاء 08-ديسمبر-1987
مشاهدات 32
نشر في العدد 846
نشر في الصفحة 34
الثلاثاء 08-ديسمبر-1987
تعليق على ملاحظات حول التحالف لعبدالخالق
مسعود
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « أنا
زعيمٌ ببيتٍ في ربَضِ الجنَّةِ لمن تركَ المِراءَ وإنْ كان مُحقًّا» (أبو داود:4800)
لقد كان مقال التحالف تعليقًا على ما دار في ندوة «المجتمع» عن التحالف في العدد 737 أريد به تبیان
المواقف المبدئية التي التزمها النبي صلى الله عليه وسلم مع أوليائه وأعدائه، فكان
العنوان تذكيرًا للقارئ بارتباط القضايا بما سبق طرحه، والحلف لغة: العهد بين القوم(1)
كما في القاموس ص 1035، وهناك ألفاظ مقاربة كالموادعة والصلح والسلم والهدنة وإن اختلفت
ببعض الأحكام، لكن الجامع بينها أنها بين طرفين الجماعة المسلمة وغيرها، وربما هذا
الغير يكون مسلمًا أو غير ذلك.. وما ذكرته من أحكام ووقائع تبين كيفية جهاد الكفار
وأوضاعه و مراحل سيره، وأنه ربما يمر بفترة ضعف أو قوة ففي مرحلة يؤمر فيها بالصبر
والكف وإقامة الصلاة وضبط النفس والصبر والثبات أمام ما يلاقي المؤمنون من الأذى والفتنة
﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾
(الروم:٦٠)، والنهي عن مقابلة العدوان بمثله، والصفح والإعراض عن المشركين، والتميز
عن الكفار بالعقيدة والأخلاق والأفكار، ومجاهدتهم بالقرآن جهادًا كبيرًا بالحجة والبرهان
والحق والفرقان، وتفنيد لما هم عليه من العقائد الباطلة والقيم الهابطة، وهذه المعارك
أشد في حقيقتها من معارك السيوف والرماح؛ لأنها أساس الانطلاق الصحيح قبل التميز المادي
بالهجرة التي أذن فيها أولًا باستعمال القوة المادية في رد العدوان بمقداره لا زيادة
عليه.
وكانت الهجرة تحيزًا إلى فئات كافرة، ولكن
لا يظلم عندها أحد، كالنجاشي قبل إسلامه وهو يمثل دولة، أو الدخول في جوار أفراد لهم
نفوذ اجتماعي وسياسي كما فصلته في المقال موجزًا، فالقتال كان محرمًا ثم مأذونًا به
ثم مأمورًا به لمن بدأهم القتال ثم مأمورًا به لجميع المشركين كافة حتى لا تكون فتنة
ويكون الدين كله لله.. تلك هي الخطة الربانية الموحى بها إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم، والتي هي البداية التي ينبغي أن ينطلق منها الدعاة إلى الله حيث كانوا.
فالذي لا يحتمل الصبر والمثابرة، وأن يخطو
خطواته بحساب وبحكمة وتبصر فإن استعماله غير مأمون العاقبة.. إن الذي يريد لدعوته السلامة
من العثرات ولمسيرته الاستمرار، ولإسلامه الامتداد والانتشار، لا يخضع لضغط الواقع
الذي يعيشه وتحدى السلطات له بحيث يحمله فقدان صوابه إلى المواجهة الخاسرة متجاوزًا
طبيعة المرحلة التي نحن بها شرعًا ملزمون، فيدمر دعوته ويعرضها للمحاربة والاضطهاد
المتلاحق بل إلى حرب الإبادة ومحنة التنكيل التي مرت بها بعض أقطار المسلمين بالأمس،
لقد اختلطت على الناس المفاهيم اليوم فلا ينبغي أن يقال عن الدعاة كما قيل بالأمس «إن
محمدًا يقتل أصحابه» حينما هم الصحابة بقتل المنافقين.
بل لابد من التوعية والإعداد والتكوين والتربية،
وتكثير سواد المسلمين الملتزمين بدون لجوء إلى استخدام القوة في مرحلة الضعف والإعداد
أو سلوك سبيل التحدي والمجابهة قبل أن يقوى عودهم، وتمتد قاعدتهم، وتصل ثمرة سعيهم
وتوعيتهم كل بيت، وكل حي، وكل بلد، ويكون لهم من القواعد الشعبية المؤمنة التي يعتمد
عليها ومن الأرض المحررة التي ينطلق منها.
إن الموقف يختلف في مواجهة الكفار الأصليين
كاليهود والشيوعيين في فلسطین وأفغانستان. إن الصفوف هنا متميزة والعداء واضح والكفر
صريح لا يحتمل التأويل ولا يلبس على أحد، فحمل السلاح في هذا الوضع عين الصواب، يرجى
منه للمسلمين نصر حين يخوضون غمار الحرب، ويركبون صهوة الجهاد وفي هذه الحالة تحلو
الفدائية ويطيب الاستشهاد.
والله أعلم.. وأرجو من إخواني ألا يحملوا
كلامي ما لا يحتمل، وألا يعتبروا المقالة جسمًا واحدًا أوله وآخره. وآخر دعوانا أن
الحمد لله رب العالمين.
____________
(1) القاموس ص ١٠٣٥
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل