; حلف جديد يجمع بين المافيا وقادة الجيش.. عصابات الإجرام والسرقة في كل مكان.. روسيا على طريق الانهيار | مجلة المجتمع

العنوان حلف جديد يجمع بين المافيا وقادة الجيش.. عصابات الإجرام والسرقة في كل مكان.. روسيا على طريق الانهيار

الكاتب د. حمدي عبد الحافظ

تاريخ النشر الثلاثاء 01-يوليو-1997

مشاهدات 14

نشر في العدد 1256

نشر في الصفحة 18

الثلاثاء 01-يوليو-1997

الجيش والشرطة

قائد الأسطول في المحيط الهادي تلقى عمولات مقابل بيع ٦٤ سفينة حربية للهند وكوريا الجنوبية بأسعار زهيدة

عشرات الجنرالات داخل السجن بتهمة الرشوة واستغلال النفوذ

عزل ٢٣ ألفًا من رجال الشرطة خلال عام ١٩٩٦م لتورطهم مع عصابات المافيا

قضاة في قفص الاتهام

وزراء لصوص

محاكمة وزيري دفاع سابقين لتقاضي رشاوى في صفقات إمداد الجيش بالمواد الغذائية وبيع الدبابات وأطنان الوقود والذخيرة

النيابة تحقق مع رئيس مجلس الأمن القومي الأسبق لحصوله على رشاوى من منظمة «أوم»، اليابانية المتطرفة!

ثلاثة ملايين روسي من أصحاب الثروات الخيالية بينهم مدراء شركات وبنوك وبورصات وموظفون مرتشون وزعماء مافيا

ثروة رئيس الوزراء صارت 5 مليارات دولار.. ونائبه الأول متهم بالشراء الفاحش من التلاعب في عمليات الخصخصة.. ومقر الحكومة أصبح وكرًا لتجارة الدولارات المزيفة

روسيا إلى أين؟.. سؤال مخيف يضع علامة استفهامه الكبرى سرطان الفساد الذي صار ينخر في كل شيء بدءًا من المؤسسات الإستراتيجية السيادية حتى المؤسسات الصغيرة، الفساد لم يترك احداً، والاتهامات موجهة للجميع، بدءًا من رئيس الحكومة، فالوزراء، ثم السادة الجنرالات قادة الجيش.. حلف الشيطان يضم رجال السلطة مع المافيا وعصابات نهب المال العام في الداخل والخارج.. فثروة رئيس الحكومة تضخمت حتى صارت خمسة مليارات من الدولارات.. النائب الأول لرئيس الحكومة متهم بالتلاعب في عمليات الخصخصة، ومقر الحكومة نفسه صار وكرًا لتجار الدولارات المزيفة، النيابة تحقق مع رئيس مجلس الأمن القومي الروسي بينما تواصل تحقيقاتهامع عصابات أخرى من اللصوص، لكن ما العمل إذا كان النائب العام نفسه متهمًا؟.

هكذا أصيب رأس روسيا بالعفن فصارت بقية المؤسسات تتخبط وتتهاوى، وأصبحت

الجريمة وتجار الممنوع هي العملة الرائجة التي تتداولها مئات العصابات المنظمة.

المجتمع تفتح هذا الملف، وتتجول في تفاصيل الشان الروسي عبر المشاهدات والوثائق والتقارير الرسمية وشهود العيان حتى تتبين معالم الانهيار.

وقبل ذلك نقول إن ما يحدث في روسيا هو نتيجة حتمية للنظام الشيوعي الذي سلب المجتمع الروسي مقومات المناعة الدينية والأخلاقية التي تحميه من الأمراض حتى إذا وجد نفسه حرًا من بطش النظام الشيوعي المستبد عاث في الأرض فسادًا.

الفساد واندماج الجريمة مع أجهزة الحكم وانتشار تجارة المخدرات، وتزايد جرائم القتل المأجور، واحدة من أهم القضايا الكبرى التي تهدد المجتمع الروسي وتؤرق أمن المواطن وتدفعه إلى التصويت لصالح أكثر القوى السياسية تطرفًا.

استحدثت القيادة الروسية العديد من الهيئات. الأمنية المتخصصة لمكافحة الظواهر الخطيرة التي برزت على السطح واسد الفراغ الذي تركته حملات التطهير المتلاحقة للأجهزة الأمنية الموروثة عن العهد السوفييتي خاصة جهاز «الكي جي بي» الجبار وطبقًا لما ذكره رئيس دائرة مكافحة الجرائم الاقتصادية التابعة للمخابرات الروسية الجنرال فلاديمير سيخانوف فإن مسألة الأمن الاقتصادي والحيلولة دون تزاوج المافيا مع أجهزة السلطة تحتل مكانة الصدارة خاصة في المرحلة الثانية من عملية الخصخصة التي أعلنتها الحكومة الروسية مؤخرًا، والتي تسمح بمشاركة الأجانب في مزادات بيع مؤسسات الدولة. وقد ألقت الدائرة المذكورة القبض على عصابات ضخمة في مدينة كاترينبورج الروسية مؤخرًا ضمت في صفوفها زهاء ١٥٠ شخصا بعد أن أقامت علاقات واسعة مع عالم الإجرام داخل البلاد وخارجها وامتلكت الشركات الضخمة للتصدير والاستيراد وعددًا من البنوك والشركات المساهمة الروسية والأجنبية، وتواجه دائرة الجريمة الاقتصادية قضايا حديثة العهد على المجتمع الروسي مثل حالات الإفلاس المتعمد، أو سرقة الأموال عن طريق إبداعها في أرصدة ما من باب الخطاء أو سرقة الحسابات بواسطة الكمبيوتر وبطاقات الاقتراض المزيفة

غسل الأموال

وفي المقابل تعترف الشرطة الروسية بأن غسل الأموال القذرة لا يشكل صعوبة على الإطلاق في روسيا الاتحادية حيث تتيح القوانين والأنظمة البنكية فرصًا لا مثيل لها للنصب والاحتيال، وطبقًا لما ذكرته مصادر الأمن فإنه قد تم خلال العامين المنصرمين تداول أكثر من ۱۰ تريليون روبل أي ما يعادل 3 مليارات دولار، ومن الأموال القذرة لغسلها، وإعادة تحويلها في صورة عملة صعبة إلى الخارج. وتحذر أجهزة الأمن من انتشار الضمانات البنكية بغية الحصول على القروض مما يهدد بإفلاس العديد من البنوك الخاصة بسبب تراكم الديون، وتنتشر بصورة أوسع عملية تزييف النقود، حيث تم خلال العام الماضي وحده مصادرة ما يزيد على المليون دولار من مختلف الأوراق النقدية المزيفة. لقد أسفر التحقيق في قضية كرتونة الدولارات الشهيرة التي تم ضبطها مع اثنين من كبار معاوني النائب الأول لرئيس الحكومة أناتولي تشويايتس داخل مقر مجلس الوزراء أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية في الصيف الماضي عن مفاجأة مذهلة تمثلت في كون الدولارات المضبوطة مزيفة، ولم تستبعد مصادر إعلامية روسية أن يكون البيت الأبيض الروسي مقر الحكومة». والذي لا يبعد سوى أمتار قليلة عن مبنى السفارة الأمريكية في موسكو هو مكان طباعة الدولارات المزيفة، مما قد يفجر أزمة سياسية وفضيحة مدوية في العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة.

وقد كان لتصريح الرئيس الروسي يلتسين - بأنه والنائب الأول لرئيس الحكومة بوريس نعتسوف الوحيدان داخل الفريق الحاكم اللذان لم يتورطا في قضايا الفساد - وقع الصاعقة على المواطنين الروس، فأثناء انعقاد اجتماع لجنة مكافحة الجريمة التابعة لمجلس الأمن القومي لبحث خطة مكافحة الجريمة المنظمة والقضاء على الفساد في أوساط كبار المسؤولين الروس، فأجأ الرئيس الروسي الجميع بتصريحه السابق وأضاف بأنه عازم على تطهير جهاز الحكم من الفاسدين والمرتشين وفضح كل من يقف خلفهم. وكانت صحيفة الأزفستياء قد نشرت تحقيقاً حول نشاطات رئيس الحكومة فيكتور تشیر نو میردن و قدرت ثروته بخمسة مليارات من الدولارات، وذلك بعد شرائه لعدد كبير من أسهم شركة جاز بروم، التي ترأس مجلس إدارتها قبل توليه لمنصبه الأخير، وكثيرًا ما طالبت المعارضة البرلمانية بالتحقيق مع النائب الأول لرئيس الحكومة أناتولي تشويايتس بتهمة التهرب الضريبي والثراء الفاحش من جراء تلاعبه بعمليات الخصخصة وتصفية ممتلكات الدولة.

رشوة النائب العام ومستشار الرئيس

ويقبع اثنان من كبار المسؤولين الروسيين السابقين، هما النائب العام الكسندر إيليشينكو ومستشار الرئيس الروسي ديميتري ياكوبوفسكي في السجون تمهيدًا لمحاكمتهما بتهمة الفساد والرشوة، ويحاكم ياكوبوفسكي الذي سبق للرئيس الروسي أن منحه رتبة الجنرال في الجيش دون أن يؤدي الخدمة العسكرية تقديرًا لجهوده في خدمة روسيا، بتهمة سرقة وتهريب عشرات اللوحات الفنية والتحف النادرة من متحف الأرميتاج في سانت بطرسبورج التاريخي وبيعها في الخارج بملايين الدولارات، أما النائب العام الأسبق ايليوشنكو فيؤدي فترة الحبس الاحتياطي في سجن ليفورتوفو، بضواحي موسكو (نفسالسجن الذي استضاف قادة انقلابي أغسطس عام ۱۹۹۱م، وأحداث أكتوبر (۱۹۹۳م) بتهمة الحصول على رشاوى كبيرة مقابل إتلاف العديد من القضايا المهمة المتعلقة بصفقات الخصخصة وبنشاط المافيا وتجارة المخدرات. كما حققت النيابة مع رئيس مجلس الأمن القومي الروسي الأسبق والممثل الخاص للرئيس الروسي في الشيشان فترة الحرب، أوليج لوبوف، بتهمة الحصول على مبالغ مالية طائلة على سبيل الرشوة من منظمة أوم سينسريكيو، اليابانية المتطرفة التسهيل مهمتها في شراء ونقل الغازات الكيميائية التي استخدمتها في حوادث مترو طوكيو الشهيرة. وكان أعضاء المنظمة قد أدلوا أثناء محاكمتهم باعترافات مثيرة حول علاقاتهم بكبار المسؤولين الروس الذين سهلوا لهم شراء ونقل الغازات السامة مقابل مبالغ مالية، وأشار أحد أعضاء المنظمة في اعترافاته أمام جهات التحقيق اليابانية إلى أنه التقى شخصيًا بسكرتير مجلس الأمن القومي الروسي أوليج لوبوف في باريس، وسلمه عشرة ملايين ين ياباني (ما يعادل ١٠٠ ألف دولار) تقديرًا من المنظمة على خدماته في شراء المواد السامة والأسلحة المتطورة الأخرى التي استخدمتها في عملياتها الإرهابية.

وطبقًا لما ذكره رئيس قسم القضايا الخاصة في النيابة القاضي بوريس أفاروف فإنه ربما اضطر لاستدعاء النائب الأسبق للرئيس الروسي الكسندر روتسكوي، ورئيس البرلمان الأسبق رسلان حسب الله توف للإدلاء بأقوالهما في قضية السكرتير الأسبق لمجلس الأمن القومي أوليج لوبوف

يذكر أن لوبوف شغل بعد إبعاده عن رئاسة مجلس الأمن القومي في يونيو عام ١٩٩٦م بسبب فشل الحملة الروسية في الشيشان منصب النائب الأول لرئيس الحكومة إلى أن تمت الإطاحة به في التعديل الوزاري الأخير في مارس الماضي. ولم يكن أوليج لوبوف الوحيد بين كبار المسؤولين الروس الذين حامت حولهم الشبهات باستغلال النفوذ ويحاكمون حالياً بتهمة الفساد والرشوة، فقد طلبت أجهزة الأمن الروسية من الإنتربول الدولي مساعدتها في إلقاء القبض على المستشار الأسبق للرئيس الروسي وعضو البرلمان السابق سيرجي استانكيفتش وإعادته من الخارج المحاكمته بتهمة الفساد واستغلال النفوذ، وبالفعل تمكن الإنتربول من اعتقال المسؤول الروسي الأسبق في بولندا وإبداعه أحد السجون في وراسو تمهيدا لتسليمه لأجهزةالأمن الروسية لمحاكمته.

ساد الاعتقاد لحظة القبض على المستشار الأسبق الرئيس الروسي ديميتري ياكوبوفسكي بأن التحقيق معه لن يسفر عن شيء، نظرا لنفوذه الواسع وعلاقاته الوطيدة مع كبار المسؤولين في الدولة، أما أجهزة الأمن فواصلت نشاطها في تعقب ياكوبوفسكي داخل زنزانته واهتمت المعرفة الوسيلة التي يمكن أن يقع عليها الاختيار للإفراج عنه، وبالفعل قام أحد الوسطاء بزيارة السجين موضوع رسالة الدكتوراه التي ينوي تقديمها من وراء القضبان، واتضح فيما بعد أن السجين والوسيط تحاورا بشأن أتعاب القاضي فيدور خولودوف الذي ينظر القضية مقابل إتلاف ملف الاتهام وعندما شرع الوسيط بتسليم القاضي المرتشي خولودوف مبلغ مائة الف دولار، مقدم الاتعاب نظير إتلاف ملف القضية القت أجهزة الأمن القبض عليهما تمهيدًا لمحاكمتهما، وعشية القبض على القاضي المرتشي خولودوف في سانت بطرسبورج تناقلت الصحف الروسية تفاصيل الفضيحة المدوية وبطلها الجنرال في المكي جي بي، وأحد كبار قادة الوكالة الاتحادية للاتصال الحكومي الملحقة برئيس الدولة فاليري موناسيترتسكي بتهمة الثراء غيرالمشروع واستغلال النفوذ.

وعلى ذكر الثراء غير المشروع، ذكرت إحصاءات وزارة العمل أن في روسيا حوالي ثلاثة ملايين من أصحاب الثروات الخيالية 4من تعداد السكان يعيش حوالي ٣٠٠ ألف منهم في موسكو و ١٥٠ ألفًا في سانت بطرسبورج وأوضحت الإحصاءات أنه من بين المليونيرات الجدد، مدراء شركات السمسرة والبنوك التجارية والبورصات وأصحاب الدخول غير المشروعة من الموظفين المرتشين وزعماء المافيا، ولا تمثل الطبقة الوسطى في روسيا سوى نسبة ١٠٪ من إجمالي عدد السكان، بينما تتراوح نسبة الفقراء من ٣٠إلى ٣٥ والمعدومين من ٤٠ إلى ٥٠.

الفساد يطول الجيش والشرطة

أشار رئيس دائرة الأمن الخاص في وزارةالداخلية الروسية الجنرال سيفا توسلاف جولتسين في مؤتمر صحفي عقده مؤخرًا، إلى استمرار انتشار ظاهرة الرشوة والتورط في الأعمال المشبوهة والتعاون مع عصابات المافيا وعالم الإجرام من قبل العاملين في وزارة الداخلية رغم العقوبات الصارمة بحق من تثبت إدانتهم من حراس الأمن، وذكر الجنرال جولتسين أن أكثر من ٢٣ ألفا من رجال الشرطة جرى عزلهم من مناصبهم وطردهم من صفوف وزارة الداخلية خلال العام المنصرم عام ١٩٩٦م وحده، بعد إدانتهم بالتورط مع عصابات المافيا واستغلال النفوذ وتلقي الرشاوى.

وأشار الجنرال جولتسين أن من بين المطرودين من صفوف وزارة الداخلية عدد كبيرمن كبار المسؤولين فيها من بينهم رئيس دائرة تنفيذ العقوبات الجنرال يوري كالينين ورئيس دائرة البحث والتحري في سانت بطرسبورج الجنرال لوسكوتوف ومدير الأمن في مقاطعة سخالين الجنرال زادينين ورئيس دائرة التحقيقات في مديرية أمن سانت بطرسبورج الجنرال ميخائيل ونائب مدير أمن العاصمة الجنرال سالداتوف وكانت صحيفة نيزافيسياء قد أشارت في وقت سابق إلى اعتقال مجموعة واسعة من كبار الضباط في وزارة الداخلية بتهمة التعاون مع المافيا وعصابات الإجرام وارتكاب العشرات من جرائم الابتزاز والسطو المسلح ومن بينهم نائب رئيس المباحث الجنائية الفيدرالية الجنرال إيجور شيلوف، ولم تستبعد نيزا فيسياء تورط عدد من كبار ضباط الشرطة في حوادث الاغتيالات التي ترتكبها العصابات الإجرامية بحق كبار رجال الأعمال في روسيا، يضاف إلى كل هذا الاتهامات التي وجهها سكرتير مجلس الأمن القومي الأسبق الجنرال ليبيد بحق وزير الداخلية ذاته الجنرال أناتولي كوليكوف بالتعاون مع المافيا والحصول

على مبالغ مالية طائلة منها، على سبيل الرشوة مقابل التغاضي عن أنشطتها الإجرامية. الجدير بالذكر أن إحدى المحاكم الفرعية في موسكو قضت برفض دعوى رد الاعتبار التي أقامها كوليكوف ضد الجنرال ليبيد والزمت الأول وزير الداخلية بدفع نفقات الدفاع الخصمه، غير أن الجنرال ليبيد رفض استلام التعويض، مشيرًا إلى أنه لا يرغب في الأموال التي جمعها الوزير من الرشوة والتعاون مع المافيا. ولم يكن الحال في الجيش بأحسن من نظيره في الشرطة، حيث دوت في الأونة الأخيرة الأنباء عن تورط عدد كبير من قادة وزارة الداخلية في قضايا الفساد واستغلال النفوذ.

وزير الدفاع... فساد التعاقدات

أكد المراقبون وجود علاقة قوية بين إقالة وزير الدفاع الأسبق إيجور رديونوف في الرابع والعشرين من مايو الماضي، وبين القرارات التي اتخذها الوزير المعزول لتعزيز الرقابة على الإنفاق العسكري وعلى الصفقات العسكرية في الداخل. والخارج، وأيضًا على نظام التعاقدات المعمول به التمويل الجيش بالمواد الغذائية والاحتياجات الأخرى والتي صارت مرتعًا خصبا للفساد وأدت إلى تلويث سمعة القيادة العسكرية وأوصلتعشرات الجنرالات إلى السجن أو النيابة بتهمة الرشوة واستغلال النفوذ.

وتحت ضغوط وسائل الإعلام والرأي العام اضطر الرئيس الروسي إلى عزل نائب وزير الدفاع الجنرال قسطنطين كويتس من منصبه بعد الاتهامات التي وجهتها له النيابة العسكرية بالحصول على مبالغ مالية ضخمة على سبيل الرشوة لتمرير بعض الصفقات العسكرية الخاصة بالجيش الروسي وبصادرات الأسلحة الروسية للخارج، وبعد ساعات قليلة على إقالته في أواخر الشهر الماضي، سارعت أجهزة التحقيق بإلقاء القبض عليه وإبداعه السجن تمهيدًا لمحاكمته بتهمة الرشوة.

كما شرعت النيابة العسكرية في إجراء التحقيق مع عدد كبير من كبار القادة العسكريين الحاليين والسابقين، وفي مقدمتهم وزير الدفاع السابق باقيل جراتشوف وقائد قوات المشاة الجنرال فيكتور سيميونوف ورئيس دائرة التموين والإسكان العسكري الجنرال نيكولاي كوتليف بعد أن حامت حولهم شبهة استغلال النفوذ والاستيلاء على كميات كبيرة من الأموال المخصصة للأغراض العسكرية دون وجه حق. كما وجهت النيابة العسكرية في مطلع الشهر الجاري، تهمة الثراء غير المشروع وتلقي العمولات من جهات أجنبية لقائد قوات المشاة الأسبق، وقائد أسطول المحيط الهادي الجنرال فعلتوف مقابل بيع ٦٤ سفينة حربية للهند وكوريا الجنوبية بأسعار بخسة بما فيها حاملات الطائرات مينسك وه نوفي روسيك، على أنها خردة، مما أضاع على ميزانية الدولة ملايين الدولارات كما تتواصل المحاكمة العسكرية لعدد كبير من قادة القوات الروسية التي عادت من ألمانيا والمعروفة بالمجموعة الغربية وعلى رأسهم قائد هذه القوات ونائب وزير الدفاع الأسبق الجنرال بور لا تكوف بتهمة التورط في قضايا الفساد والإضرار بالمال العام وبالمصالح الروسية في الخارج، وبيع مئات الدبابات وأطنان من الوقود والذخيرة لتجار السلاح العالميين بدلًا من إعادتها إلى الأرض الروسية وكانت صحيفة مسكوفسكي كومسمولتس، قد نشرت مجموعة من التحقيقات المثيرة بقلم الصحفي الشاب ديميتري خولودوف في حينه، عن الفساد داخل المجموعة الغربية من القوات الروسية اتهم فيها وزير الدفاع جر الشوف بالتورط في الفساد، ولم تمض أسابيع قليلة على نشر التحقيقات حتى لقي الصحفي المذكور خولودوف مصرعه يطرد ناسف انفجر فيه وأودى بحياته على الفور.

نواب البرلمان.. إجرام

بعد أكثر من عامين من التحقيقات المتواصلة تمكنت النيابة الروسية من كشف غموض حادث اغتيال عضو البرلمان عن الحزب الليبرالي الديمقراطي المعروف بحزب «جير نوفسكي»، النائب سيرجي سكور وتشكين الذي اغتيل في فبراير عام ١٩٩٥م، لم يكن صحية فحسب، بل وقاتلًا أيضًا. بحكم علاقته الوطيدة مع عصابات المافيا ومشاركته في تدبير حوادث اغتيال مشابهة استهدفت التخلص من منافسيه على النفوذ داخل عالم الإجرام، وطبقا لاعترافات الجناة السنة الذين شاركوا في اغتيال نائب البرلمان سكوروتشكين فإن للقتيل ضلعًا كبيرًا في عمليات التصفية الجسدية التي شهدتها بلدة «زار ايسك» بضواحي موسكو، مسقط رأسه بين عصابات المافيا التي أودت بحياة العديد من رعمائها المحليين.

وكان سكور وتشكين قد عاد من بريطانيا في نفس اليوم الذي لقي حتفه فيه، في الأول من فبراير عام ١٩٩٥م، وبصحبته اثنان من رجال الأعمال الإنجليز لعقد بعض الصفقات التجارية الضخمة وأثناء جلوسه وضيوفه في إحدى البارات الليلية في بلدته زار ايسك اقتحم مجهول في زي رجال الشرطة المكان واقتاد النائب سكوروتشكين ومن بصحبته إلى مكان مجهول، ليعثر المواطنون على جثته في اليوم التالي مباشرة في أحراش إحدى الغابات القريبة من البلدة. الجدير بالذكر أن مجموعة كبيرة من مستشاري نواب البرلمان عن حزب جيرنوفسكي وقعوا ضحية العمليات اغتيال مشابهة، نظرًا لتورطهم في نشاط مشبوه مع عالم الإجرام والمافيا. وأشارت الأزفستياء إلى تضخم ثروة جير نوفسكي بصورة كبيرة وإلى اتساع نشاطه التجاري في مجال السمسرة في العقارات لقد أودت الجريمة بحياة نائبين آخرين في البرلمان الروسي، كما لقي العضو القيادي في الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي ومساعد الزعيم القومي فلاديمير جيرنوفسكي، جينادي ادرين البالغ من العمر ٣٥ عامًا مصرعه بعد انفجار عبوة ناسفة على بعد خطوات من قسم الشرطة رقم ٤٣ في قلب العاصمة موسكو.

أربعة آلاف عصابة إجرامية

وقد أكدت وزارة الداخلية الروسية أنها اكتشفت أربعة آلاف وثلاثمائة عصابة إجرامية تضم ٤٠ ألف شخص منها ٦٠٠ عصابة تم تشكيلها على أساس العرق العصابات الإثنية، وارتكبت العصابات الإثنية غالبية الجرائم الخطيرة ٤٢٨ ألف جريمة خلال ثمانية شهور من عام ١٩٩٤م

وتفيد إحصاءات وزارة الداخلية روسيا عدة آلاف من أنه توجد الجماعات المجرمة تضم كل منها ١٥ شخصا في المتوسط وهناك اتجاه نحو اندماج الجماعات الصغيرة في تشكيلات كبيرة إقليمية بعضها على اتصال بالتشكيلات المماثلة في الأقاليم الأخرى، وتضم كل منها ما بين ١٠٠ و ١٥٠ شخصًا ويقدر عدد هذه التشكيلات بـ ١٥٠ تشكيلة.

والحقيقة أن العصابات الكبيرة الـ ١٥٠ هذه قسمت البلاد إلى مجالات نفوذ ودخلت في منافسة مع السلطات في المجال الاقتصادي وحتى المجال السياسي، محققة النجاح في هذا المضمار، ويبقى العنف والابتزاز باعتبارهما أسلوب عملهم الرئيسي، وفرضت عصابات الإجرام سيطرتها على ٣٥ ألف مؤسسة منها ٤٠٠ مصرف و ٤٧ بورصة وألف وخمسمائةمن مؤسسات القطاع العام ولئن كان يجري تشكيل العصابات الإثنية منذ وقت غير بعيد على أيدي رموز عالم الإجرام في الغالب، فإنه صار يتم الآن تشكيل عصابة ثالثة على أيدي أصحاب مؤسسات التجارة وبالنسبة لموسكو التي تتصدر قائمة المناطق المزدحمة بعصابات الإجرام يشكل الأذربيجانيون غالبية العصابات الإثنية.ويليهم الشيشان والداغستانيون والأرمن والجورجيون والأنغوش والتتار، وارتفع عدد الجنايات التي يرتكبها أبناء القوقاز في العاصمة الروسية ٣.٥ مرات خلال السنوات السبع الأخيرة، ويرتكب الضيوف خمس الجرائم، وأبلغ أيضا عن جرائم اقترفها جماعات من الطاجيك والأوزيك والمولدافيين والفجر والليتوانيين والإستونيين والأبخاز والأديغيين، وظهرت عصابات مجرمة تتألف من الفيتناميين والصينيين والكوريين والمنغوليين.

وتبين أن العصابات الإثنية تتخصص في أنواع محددة من الجنايات فالجماعات الشيشانية، مثلًا، تقوم بتصدير النفط ومنتجاته والمعادن النادرة بطريقة غير شرعية، وتبيع السيارات المسروقة وتقوم بعمليات احتيال مصرفية، وتتخصص الجماعات الأذربيجانية في تجارة المخدرات والأشياء الأخرى والقمار، ومن اختصاصات الجماعات الأرمينية سرقة السيارات والنصب والغش والرشوة ويتخصص الجورجيون بسرقة الشقق والاعتداء على الناس وممتلكاتهم وخطفهم واحتجازهم كرهائن، ويفضل الأنفوش استخراج الذهب بطريقة غير شرعية وشراء وبيع الأسلحة، ويفضل الداغستانيون ممارسة السرقة وبطبيعة الحال لا يمكن أن تكون اختصاصات جماعات المجرمين ثابتة، فهي تنتقل من مجال إلى آخر راكضة وراء الربح وليس لاعتبارات إثنية، ومع ذلك لوحظ إن بعض الجماعات يتخصص في مجال باستخدام العنف.

وبطبيعة الحال لا يمكن أن تكون «اختصاصات» جماعات المجرمين ثابتة، فهي تنتقل من مجال إلى آخر راكضة وراء الربح وليس لاعتبارات إثنية، ومع ذلك لوحظ إن بعض الجماعات يتخصص في مجال معين، وبطبيعة الحال نادرًا ما لا تتعامل العصابات الإثنية مع أبناء الشعوب الأخرى، ورصد اتجاه نحو نوع من التدويل، واكتشفت عصابات إثنية في كل المناطق عمليًا وفي أكثر من ۲۰ مدينة كبيرة، وتضم هذه العصابات أكثر من ستة آلاف وخمسمائة عنصر نشيط. ويشير التحليل إلى أن هناك عصابات إقليمية تجاري العصابات الإثنية من حيث حسن التنظيم مثل عصابة «سولنتسيفو» في موسكو، التي استقطبت أكبر عدد من العصابات الإثنية، يقول مسؤول الجهاز الأمني في موسكو العقيد سيرجي دونتسوف: فتحت ملفات جنائية ضد ستة آلاف وخمسمائة شخص من غير سكان موسكو خلال ستة شهور من العام الحالي، بزيادة نسبتها ٣٤ عن الفترة المماثلة من العام الماضي، وارتكب هؤلاء ٦٧٠٧ جرائم بزيادة نسبتها ٥١ ٪ عن الفترة المماثلة من العام الماضي، وتزايد عدد الجرائم الخطيرة بنسبة ٣٩٪، وغالبية الجرائم ارتكبها أبناء القوقاز « الدول الكائنة فيما وراء القوقاز وجمهوريات شمال القوقاز المنظمة إلى روسيا»، وتزايد عدد الجرائم التي ارتكبها أبناء هذه المناطق في موسكو بنسبة٣٠ ٪ بالمقارنة مع النصف الأول من العام الماضي، وفي رأي خبراء مركز التحليل التابع لصحيفة «أزفستيا» أن الوضع الاجتماعي لهذه الجماعة الإثنية أو تلك هو الذي يجعل أبناءها يقدمون على اتكاب الجرائم، وليس طبيعتهم البيولوجية، وسوف تبقى الجاليات الشيشانية والجورجية والأرمينية في موسكو أردنا ذلك أم لم نرد بصفتها جاليات ذات وضع شرعي تحترم القانون، ومن جهة أخرى قد تظهر جانبها أو في داخلها جماعات تخالف القانون.

جريمة قتل كل ١٨ دقيقة

وتتوقع دوائر الأمن الروسية زيادة جرائم القتل الفترة المقبلة، نظراً للصراع المأجور «الاغتيال» في الدائر بين العصابات الإجرامية، والبطالة وتدهور مستوى المعيشة واحتدام التناقضات الاجتماعية. وذكرت إحصائيات جهات الأمن الروسية أن أكثر من ٢٠ ألف جريمة قتل قد ارتكبت في روسيا خلال الشهور الستة الأولى من العام الجاري بمعدل جريمة واحدة كل ١٨ دقيقة. وأشار المدعي العام الروسي يوري سكوراتوف في اجتماع مع مسؤولي الأمن الروسي، إلى زيادة عدد الجرائم التي يروح ضحيتها رجال الأعمال. كما تتوقع الجهات الأمنية الروسية« انتعاش» تجارة المخدرات في السوق الروسية، وبالتالي زيادة الجرائم المرتبطة بها وطبقًا لتقديرات الخبراء، يصل عدد المتعاطين للمخدرات في روسيا ما يقرب من مليوني شخص، وارتبطت بتجارة «السموم» أكثر من ٤٠ ألف جريمة مختلفة منذ بداية العام الجاري وسجلت زيادة قدرها ۲۰۰ ٪ من معدلات الفترة المناظرة في عام ۱۹۹۲م، وصادرت أجهزة الأمن الروسية ما يزيد على ٣٥ طنًا من المخدرات، بلغت قيمتها ما بين ۳۰ و ٣٥ مليار روبل، وتتوقع الدوائر الأمنية أن يتضاعف حجم تجارة «السموم» إلى ۲۰۰ مليار روبل مع نهاية العام. وبرأي مدير إدارة مكافحة المخدرات الجنرال - الكسندر سيرجييف أن عصابات المخدرات الروسية نجحت في إقامة العلاقات الوطيدة مع المافيا الدولية التي تمدها بالمخدرات، ليس من جورجيا وأوكرانيا وكازاخستان وأذربيجان فحسب بل ومن كولومبيا والهند.

وعلى صعيد «الأرقام القياسية» التي تسجلها معدلات الجريمة الروسية، أفادت بيانات وزارة الداخلية الروسية أنه يجري في الليلة الواحدة سرقة ١٥٠ سيارة.

ويعترف موظفو أجهزة الأمن أن هناك أكثر من ۳۰ مجموعة إجرامية تحترف سرقة السيارات، خاصة المستوردة، ولا تستبعد الدوائر الأمنية وجود تنسيق، على مستوى عال، بين عصابات سرقة السيارات والتجار من أصحاب معارض السيارات الأجنبية.

مقتل عشرة من أعضاء مجلس إدارة جمعية رجال الأعمال الروس خلال عام هزت حادث مقتل رجل الأعمال الروسي الشهير ورئيس جمعية رجال الأعمال الروس ورئيس بنك «بيزموسبنك» إيفان كيفيليدا «بدس السم له» أوساط البزنس الروسي وفي بلدان رابطة الكومونولث. ويذكر أن عشرة من أعضاء مجلس إدارة جمعية رجال الأعمال الروس «30عضوًا » لقوا مصرعهم على أيدي العصابات الإجرامية خلال عام واحد كما تعرض ما يزيد على مائة من كبار رجال الأعمال الروس للاعتداءات المسلحة عليهم. مما أدى إلى مقتل ٥١ منهم وإصابة الباقين بإصابات بالغة خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة.

الإجرام يتطلع لقيادة روسيا

وكان نائب الرئيس الروسي الأسبق الكسندر روتسكوي أول من تحدث عن المافيا بصوت «مسموع»، بعد أن وضع يده، من خلال رئاسته للجنة الحكومة لمكافحة الفساد، على وقائع نهب لم يسبق لها مثيل للثروة الوطنية شارك ويشارك فيها كبار المسؤولين في جهاز الدولة.

وكثيرًا ما اتهم روتسكوي شخصيات سياسية رفيعة المستوى بالتورط في قضايا الفساد واستغلال النفوذ بعد أن ضاقت حقائبه «الأربع عشرة » بوقائعها .ويربط المراقبون بين انتشار الفساد في أروقة الحكم وبين انفلات تيار الجريمة «ومنها المنظمة والمأجورة» لتبلغ في العام الماضي مليونين وثمانمائة ألف جريمة، وتأكيدًا على ذلك يأتي تحليل الجريمة في الربع الأول من العام الجاري، حيث زاد معدلها بنحو 9 أكثر مما كانت عليه في الفترة الزمنية المقابلة من العام الماضي، ومن بين هذا العدد الهائل من الجرائم، بلغت نسبة الجرائم الكبيرة ٤١ منها وجرائم القتل العمد ٥٣ ، وتكاد تصبح عمليات إطلاق الرصاص والتفجيرات في العديد من المدن الروسية أمرا عاديًا..

فضيحة أخلاقية لوزير العدل

في الأسبوع الماضي.. عاشت موسكو أصداء فضيحة أخلاقية جديدة بطلها وزير العدل فالنتين كوفاليوف بعد انتشار شريط فيديو بث التليفزيون الروسي لقطات منه ظهر فيه وزير العدل في وضع مخل في حمام بخار بين مجموعة من النساء، وقد أعلنت الصحفية «لاريسا كيسلينسكايا » المحررة بوكالة« إيتار تاس» والتي تقف وراء هذه الفضيحة أنها حصلت على شريط الفيديو الذي تم تصويره في سبتمبر عام ١٩٩٥م من مصدر في وزارة الداخلية، وأن ما نشر هو قطرة من بحر، وأنها تملك في حوزتها من الوقائع ما هو أكثر بكثير مما يخص وزير العدل وغيره ..

المغامرة العسكرية في الشيشان ضاعفت من حدة الأزمة داخل المجتمع الروسي

قبل غزو القوات الروسية للأراضي الشيشانية بأيام قليلة وعد وزير الدفاع الروسي حينذاك بافيل جراتشوف بالاستيلاء على جروزني وإلقاء القبض على الرئيس الشيشاني الراحل جوهر دوداييف خلال ساعتين لا أكثر. وفي الأسبوع قبل الماضي اعترف وزير العدل الروسي فالنتين كافاليوف بأن معركة «جروزني»، كلفت الشعبين الروسي والشيشاني أكثر من 15 ألف قتيل، إلى جانب الآلاف من الجرحى والمشردين. ولم تتمكن القوات الروسية من دخول جروزني والاستيلاء على قصر الرئاسة سوى بعد خمسة أشهر من غزوها للأراضي الشيشانية وليس خلال ساعتين كما وعد جراتشوف القيادة الروسية، وأجبرت المقاومة الشيشانية الشرسة قائد هيئة الأركان الموحدة للقوات الروسية المشاركة في العمليات العسكرية الجنرال أناتولي كوليكوف «يشغل حاليًا منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية» إلى الاعتراف بانخفاض الروح المعنوية بين جنوده. وفي محاولة للتخفيف من حدة الانتقادات الموجهة للقوات الروسية على «أدائها السلبي» في الحرب القوقازية والهزائم الساحقة التي منيت بها في عشرات المعارك التي دارت أثناء العمليات الحربية طالبت وزارة الدفاع من الحكومة تسديد ديونها المستحقة للمجمع الصناعي الحربي والتي تخطت ۱۲ تريليون روبل« ما يقرب من 3 مليارات دولار»، مما حال دون تزويد الجيش بالمعدات والأسلحة المتطورة وأدى إلى تدهور قدرته القتالية بصورة كبيرة، وذكر بيان وزارة الدفاع بهذا الشأن أن القوات المسلحة لم تحصل من الاعتمادات المخصصة لها في ميزانية العام الماضي سوى على ۲۱٫۸ تريليون روبل، من مجموع ۳۷٫۳ تريليون روبل. وفي تعليقها على بيان الاحتجاج الصادر عن وزارة الدفاع ذكرت صحيفة «كراستايا زفيوزدا »«النجم الأحمر» الناطقة بلسان الجيش، أن العجز في النفقات العسكرية ترك أثاره المباشرة على أداء الجندي الروسي في الشيشان، واختتمت «النجم الأحمر» تعليقها على الأوضاع المتردية داخل الجيش وتأخير دفع رواتب العسكريين لعدة شهور متوالية بالقول: إن الجندي الجائع لا يجيد الحرب. كما أحدثت الحرب الروسية في الشيشان شرخًا عميقًا في المجتمع الروسي وأخلاقيات المواطنين وضاعفت من معدلات الجريمة والأمراض النفسية والعصبية، وليس هناك أبلغ مما كتبه الكاتب الروسي الكسندر تسيبكو في «صحيفة «ينزا فيسيما»، بتاريخ (3١/١/ ١٩٩٥م) عن الحرب في الشيشان بأنها حكم بالإعدام على الجنود الروس الذين شاركوا فيها، بعد أن اختلطت مفاهيم الوطنية والشرف، وأضاف تسيبكو القول بأن الحرب في الشيشان كشفت عن الوجه القبيح لروسيا ونحن على اعتاب القرن الحادي والعشرين واعتبر الناخب الروسي هو الجاني الحقيقي فيها لاختياره ليلتسين وسكونه على ظلمه.

تصدع الزمرة الحاكمة

ورغم مرور أكثر من عام على توقف العمليات الحربية في القوقاز، مازالت انعكاساتها السلبية واضحة على المجتمع والاقتصاد الروسيين بعد أن أحدثت صدعًا كبيرًا داخل الزمرة الحاكمة وفي صفوف الأحزاب السياسية، وألقت الطريقة التي عالج بها الكرملين نزاعه مع الشعب الشيشاني بالشكوك على مستقبل الكيان الاتحادي الروسي، وضاعفت هوة الشقاق بين المركز والأطراف. كما تأثر المجمع الصناعي الحربي كثيرًا بالحرب الروسية في الشيشان لتكتمل صورة الانهيار الشامل في روسيا الاتحادية مع انقضاء العام الأول من الولاية الثانية والأخيرة للرئيس الروسي يلتسين، والمعروف أن قطاع بناء الآلات والماكينات يخدم حاجات الدفاع بنسبة ٦٠٪ من طاقته الإجمالية، ورغم أن روسيا ورثت عن الاتحاد السوفييتي السابق مجموعة الصناعات العسكرية والتي تشمل زهاء ۲۰۰۰ مؤسسة صناعية، و ٧٠٠ معهد للأبحاث، إلا أن إنتاجها قد انخفض بأكثر من ٧٠٪، لقد انخفض إنتاج الدبابات والطائرات والصواريخ بأكثر من عشر مرات مما كان عليه عام ١٩٩١م. وخلال السنوات الخمس المنصرمة لم ينتج المجمع الصناعي الحربي غواصة واحدة من تلك المخصصة لحمل الصواريخ العابرة للقارات، كما تم تجميد أكثر من ٧٠ قطعة بحرية حربية أخرى وهي في الأحواض بعد الشروع في تشييدها قبل انهيار الاتحاد السوفييتي السابق. وتسبب الانهيار الاقتصادي ونقص الاعتمادات المخصصة للأغراض الدفاعية في انهيار القدرة الدفاعية للجيش الروسي، فعلى سبيل المثال، انقضى العمر الافتراضي لما يزيد على نصف قطع الغيار العاملة في الصواريخ البالستية العابرة للقارات، ويحذر الخبراء العسكريون من انهيار القوة النووية الإستراتيجية الروسية مع حلول عام ٢٠١٠م ما لم تتخذ الإجراءات العاجلة لنشر المزيد من الصواريخ البالستية العابرة للقارات من طراز (توبول -م) بدلًا من نظيرتها التي انقضى عمرها الافتراضي، ولم تعد هناك منظومة دفاع جوي موحدة في روسيا، حيث وقعت أقوى وأحدث وحدات الهندسة اللاسلكية وبطاريات الدفاع الجوي خارج الحدود الروسية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ولم تتمكن روسيا من تشييد الجديد منها على أراضيها بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة.

وفي المحصلة توجد أكثر من٤٠ ٪من الأراضي الروسية دون تغطية جادة من وسائل الدفاع الجوي، ولا يتعدى عدد القطع الجاهزة للقتال من الأسطول البحري الروسي نسبة 5٪وسينخفض إلى ٤٠ ٪مع حلول عام ٢٠٠٠ مما كان عليه مطلع عام ۱۹۹۱م

صحيفة« النجم الأحمر» الناطقة باسم الجيش: الجندي الجانع لا يعرف الحرب

«المصدر: صحيفة« ينزا فسيما» الروسية 21/٦/1997م). لقد تسلمت روسيا الاتحادية لحظة انهيار الاتحاد السوفييتي زهاء ٦٢ ٪ من الطيران الحربي السوفييتي، والآن تشكل الأطرزة القديمة زهاء ٥٠٪ من الطائرات، كما نقل المطارات التابعة لسلاح الجو الروسي عن نظيرتها التي كانت بحوذة الاتحاد السوفييتي مرتين وأن ٤٠٪ منها يحتاج إلى التجديد. ويبدو الوضع أكثر سوءًا في القوات البرية، والتي تشكلت حتى عام ١٩٩١م من ١٨٦ فرقة، لتتقلص بحلول عام ١٩٩٦م لأكثر من ست مرات، وهناك عشر فرق فقط تعتبر قادرة على القتال بصورة فعلية، ويعترف الخبراء الروس بانخفاض القدرة القتالية للقوات النووية بصورة كبيرة، خاصة إذا ما تم تنفيذ معاهدة ستارت الثانية والتي قضت بامتلاك روسيا لثلاثة الاف عبوة نووية مع حلول عام ۲۰۰۰م مقابل ٣٥٠٠ عبوة للولايات المتحدة الأمريكية، ويعتبر تعديل قوام القوات النووية الروسية طبقًا لمعاهدة ستارت الثانية حساسًا للغاية، إذ تقضي المعاهدة بتوزيع العدد الإجمالي المسموح به من العبوات بنسبة ١٥٪ على منصات الإطلاق البرية و ٥٥٪ على الغواصات، و ٣٥٪ على الطائرات، ولما كانت روسيا تملك أكثر من ٦٠٪ من العبوات النووية المنصوبة على قواعد الإطلاق البرية و 30٪على الغواصات و ١٠ ٪على الطائرات، فإنه يتوجب عليها إتلاف عدد كبير من النوع الأول، وتصنيع أعداد إضافية من النوعين الثاني والثالث، إذا ما أرادت امتلاك العدد الإجمالي ۳۰۰۰ عبوة التي حددته لها المعاهدة.

25 ٪من ضباط القوات المسلحة الروسية من غير الروس

كشفت إحصائية أعدتها إدارة شؤون الأفراد في القوات المسلحة الروسية وجود نسبة ٢٥٪ من ضباطها ونسبة ٢٧٪ من ضباط الصف من غير الروس الذين ينتمون إلى بلدان رابطة الكومنولث والقوميات الأخرى التي تقطن روسيا الاتحادية ولا تدخل في قوام الكيان الفيدرالي الروسي. ويعاني هؤلاء الضباط - مثل غيرهم من الضباط وضباط الصف الروس الذين تركوا عائلاتهم وأقاربهم خارج الحدود الروسية - مشكلة اجتماعية حادة تتمثل في صعوبة التواصل والاتصال بذويهم إذ تقدر قيمة تذكرة السفر ذهابًا وإيابًا بين موسكو وألماتا - على سبيل المثال - بأكثر من مليون و ٣٠٠ ألف رويل، وهو ما يعادل راتب ضابط صغير لعدة أشهر كاملة، وضاعف من معاناة هؤلاء الزيادات المتلاحقة في أسعار الخدمات البريدية والاتصالات الهاتفية، ناهيك عن أن بعض بلدان الرابطة يتطلب دخولها الحصول على تأشيرة دخول ودفع رسوم باهظة، تصل في أحيان كثيرة إلى أكثر من ٧٠دولارًا عن التأشيرة الواحدة. منذ عام ۱۹۹۲م وأكثرية أسر العسكريين تنزلق نحو وهدة الفقر، فراتب الضابط هو المورد الوحيد لرزق أسرته، وحسب إحصاءات مركز الدراسات الاجتماعية والنفسية والقانونية التابع لوزارة الدفاع الروسية فإن ٤٢ في المائة من زوجات الضباط لا يعملن، ولا تملك ٧٥ في المائة من الأسر ادخارات تذكر، ويعادل راتب الضابط في منطقتي الشرق الأقصى وما وراء بايكال العسكريتين ٢٥-٣٠ في المائة من تكاليف الحد الأدنى المعيشة الفرد في هاتين المنطقتين. ويضاف لوضع الضباط المادي المتزعزع مشكلة نقص المساكن، ولكن الأخطر هو اشتداد حالة الاستقطاب في المجتمع العسكري، ذلك أن منح السلطات مزايا تفضيلية لنخبة مختارة من الوحدات العسكرية يؤدي إلى تقسيم العسكريين إلى قسمين: من الدرجة الأولى والدرجة الثانية، الأمر الذي يثير احتجاج العسكريين الذين اعتادوا على أنهم سواسية أمام العدالة الاجتماعية. ولا تصب في خانة استقرار الجيش حالة التمايز بين الضباط، وثمة عدة فئات متباينة من الضباط الفئة الأولى: ضباط الصف برتبة ملازم إلى نقيب، همهم الأول هو التهرب من الخدمة في منطقة من مناطق النزاعات، وهمهم الثاني هو ادخار مبلغ من المال والاستقالة من الجيش، حيث إن الملازم الشاب لم يعد يهتم بالوصول إلى مواقع رفيعة في الخدمة العسكرية، والفئة الثانية: ضباط برتبة رائد إلى لواء، إنهم حريصون على النظام والتقاليد، ويتشبثون بالجيش لأنهم لا يجدون مكانًا لهم في المجتمع المدني، وزهاء ٥٠ ٪ منهم ضد الخصخصة، و ٦٠ ٪ ضد إطلاق حرية الأسعار، وحوالي ٤٠٪ دعاة الإيمان بالوطن، والفئة الثالثة: منتسبو الجهاز المركزي في وزارة الدفاع وهيئة الأركان العامة، ومركزهم جيد، وهمهم هو متابعة مؤشر التوتر الاجتماعي السياسي والتصرف حسب وضع هذا المؤشر. وتبلورت فئة أخرى من الضباط والجنرالات وخصوصًا في المجموعة الغربية من القوات الروسية، تحمل طابعًا إجراميًا لأن ممثليها وضعوا أيديهم على أملاك الجيش، وجرى تشكيل هذه الفئة عن طريق:

- إنشاء شركات مساهمة لتصريف أشياء الجيش التي في غنى عنها. بيع البضائع المعفاة من الرسوم الجمركية والضرائب، كونها ملكًا للجيش من خلال قنوات خاصة.

- الدخول في تعاون مع شركات ألمانية لا تفرض عليها أيضًا الضرائب بموجب القانون الألماني، وكثيرًا ما ابتلعت هذه المافيا معونات قدمها الاتحاد الأوروبي للمحتاجين، وحتى إمدادات الإغاثة.

ومن هنا بدأ يتبلور في المجموعة الغربية كيان جديد في الجيش الروسي يسمى المؤسسة التجارية العسكرية، ويمكن القول إن المؤسسة التجارية العسكرية مدت نفوذها إلى كل وحدات الجيش الروسي بدرجات متفاوتة، ويساعدها في ذلك عاملان على أقل تقدير، هما اقتحام روح التجارة العقلية الضباط، وإمكان اندماج المؤسسة التجارية العسكرية في النخبة العسكرية العليا، ولكن لا يجوز أن يغيب عن الأذهان أن هناك غنيًا برتبة عالية من جهة وفقيرًا يرتدي لباسًا عسكريًا مهترنًا يعيش وأولاده على راتب متواضع، ويكاد ليس هناك من مفر من النزاع بين هذا وذاك. ومن جهة أخرى هناك مجندون أكثرهم ذوو بنيان جسدي ضعيف وغير مؤهلين للخدمة العسكرية، بل وينفرون منها، وبينت نتائج استطلاعات الرأي أن ۷۲ ٪ من الضباط لا يرضون بالمجندين الجدد، وأن أكثر من ٥٠٪ من المجندين لا يرغبون في تأدية الخدمة العسكرية، فيما لا يبالي نفس النسبة من المجندين بهموم المجتمع العسكري. وبالنسبة للفرار من الجيش لا يستنكره ٦٤٪ أو يستحسنون ذلك، ومن المستبعد أن تسلم هذه الفئة من الجنود بالخنوع المذل للمتعاقدين، وغالب الظن أنه لا مناص من صراع عنيف بين هؤلاء وأولئك. والتوتر الاجتماعي المتصاعد في الجيش يعكسه امتعاض الضباط وعدم اكتراثهم بالخدمة، وفي معلومات علماء الاجتماع العسكريين فإن ٤٢٪ من الضباط لا يرون مستقبلًا مشرقًا في الجيش فيما نفس العدد منهم يبدي استعداده للاستقالة من الجيش ما لم يتحسن الوضع، أما ٣٢٪ من الضباط و ٥٠٪ من طلاب الكليات العسكرية فلا يثقون بالغد، وهكذا فإن تدهور وضع الضباط المادي وعدم تهيؤ الظروف لتحسين وضعهم في المستقبل القريب، واشتداد حالة الاستقطاب في المجتمع العسكري تنذر بتفاقم التوتر في الجيش وصولًا إلى انفجار اجتماعي فيه يهدد أمن

المجتمع الروسي عامة. وفي معلومات القيادة العامة للقوات البرية فإن ٧٠ إلى ۸۰ ٪ من المدرعات ستكون في السنوات القريبة القادمة أشياء عفا عليها الزمن، وهو أمر تؤكده أكثرية الاختصاصيين (5٥٪)، وأشار 13٪ ممن وجهت إليهم الأسئلة المناسبة إلى وجود مصاعب تتعلق بصيانة العتاد والسلاح، وتناقض بين ما هو مطلوب ليكون عتاد القوات جاهزًا للقتال وحالته الواقعية. ولابد من الإشارة إلى أن الضباط والجنود ألغوا السلاح النووي الذي لم يعد غولًا كان يرهبهم منذ عشرات السنين، ولكن ما هو الضمان في أن لا يؤدي موقفهم هذا وخاصة في وقت ينهار فيه الانضباط والتنظيم إلى كارثة يسببها التقصير في المحافظة على أسلحة الدمار الشامل أو نقلها؟ وجاءت الانفجارات الشديدة التي حصلت في المستودعات العسكرية في فلاديفوستوك ووضع الاختصاصيون آخرها في مرتبة انفجار قنبلة نووية صغيرة، لتذكر المجتمع مرة أخرى بأن الجيش يمكن أن يكون مصدر كارثة تقنية في وقت السلم. وقد لا يبالغ من يقارن بين الجو في ثكنات الجيش والجو السائد في الإصلاحية، ففي عام ۱۹۹۳م ارتكبت عناصر قوات الأمن الداخلي أكثر من ألفي جريمة «وقد ارتكبوا ٦٠٠ جريمة خلال الشهور الأربعة الأولى من عام ١٩٩٤م» بينما احتووا أو حالوا دون وقوع ۳۰۰ جريمة، والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل يحتاج البلد إلى قوات تحرص على الأمن بهذه الطريقة؟

وكذلك الحال في الجيش، فقد نظرت المحاكم العسكرية خلال تسعة أشهر من عام ١٩٩٦م في عشرة آلاف قضية جنائية، ولوحظ اتجاه نحو تزايد عدد جنايات يرتكبها جماعات وعدد جنايات قتل عن عمد، أما عدد جنايات السرقة فارتفع مرتين ونصفًا. وإذ يتحول الجيش إلى أداة لإفساد وعي الشباب لجهة ارتكاب الجنايات، يحمل في طياته خطرًا آخر على أمن المجتمع الروسي، وفوق ذلك، ففي وقت تتفشى فيه في البلد الجريمة المنظمة، لا يستبعد أن تعمل عصابات الإجرام المنظم على توطيد العلاقات مع العناصر المجرمة المتواجدة في الجيش.

ويمكن أن يؤدي تفاقم التوتر وتفشي الجريمة في الجيش إن لم يكن إلى انفجار اجتماعي في البلد فعلى الأقل إلى انتفاضة قسم من سكان البلد، وخصوصًا أولياء أمور المجندين، الذين يخافون على سلامة أرواح أولادهم، إذ إن حوالي ١.٥ ألف شخص من عسكريي الجيش الروسي يلقون مصرعهم سنويًا «بلغ عدد حالات الموت في الجيش السوفييتي 5 آلاف في السنة». وانخرط العديد من الجنرالات والضباط وضباط الصف في العمل التجاري غير المشروع على حساب أداء مسؤولياتهم، حيث الاستهتار بالصلاحيات والاستفادة من ممتلكات ومواد الجيش من أجل الثراء الشخصي، بإيحاء وبمشاركة القيادة بما فيها القيادات الرفيعة المستوى. وعلى سبيل المثال قام رئيس قسم الشؤون الإدارية ونائب قائد وحدة ٣٣٥٣٢ العميد أفدوشيني بعقد صفقة مع «شركة الإسكان والبناء». الروسية وأرسل تجهيزات تصنيع زيت عباد الشمس من ألمانيا إلى مدينة ستافروبول في جنوب روسيا على حساب وزارة الدفاع تحت اسم الشحن العسكري وتقاضي من الشركة جزاء هذه الخدمة فيلا ذات طابقين بدون أي مقابل. وساعد قائد سلاح الطيران بقوام القوات البرية الفريق بافلوف إحدى الشركات الخاصة على نقل طائرات الهليكوبتر التي اشترتها مستخدماً صلاحياته الوظيفية وتقاضي من الشركة سيارة ركوب فارهة. ومن الجدير بالذكر أن عددًا من الضباط يمارسون التجارة في أماكن إقامتهم بالوحدة العسكرية في وقت تعلم القيادة ذلك جيدًا ولا تتخذ التدابير اللازمة، وعلى سبيل المثال فتح أحد ضباط أمن الوحدة ۹۸۵۳۱ لقوات الصواريخ الإستراتيجية كشكًا تجاريًا في شقته داخل الوحدة ليبيع فيه المواد الغذائية والسجائر بأسعار أعلى منها خارج الوحدة. وفي منطقة شمال القوقاز العسكرية أسس مدیر نادي الضباط المدينة فولفا غراد المقدم شابانوف، بالتعاون مع الشركات التجارية شركة« نادي الضباط» المساهمة، وفتح في مبنى النادي مطعمًا خاصًا تحت اسم «عندشان بلوط». وكشف محققو هيئة الادعاء العسكرية أحداثًا عدة للتعامل غير المشروع بين مسؤولي الجيش والشركات الخاصة التابعة لأقاربهم وأهلهم. وحدث أن ساعد العسكريون الجهات والشركات الخاصة على شراء السلاح بالطرق غير المشروعة، وعلى سبيل المثال حصل نائب مدير الدائرة العامة للتخطيط والشؤون المالية العميد «فاي»، في منطقة أورال العسكرية وبمساعدة الضباط المرؤوسين على ۲۲ مسدسًا وبنادق آلية وباع هذه الأسلحة لعدد من الزبائن. ومن جهة أخرى استلم رئيس قسم السلاح للوحدة ٣٤٠٠٦ «منطقة سيبريا العسكرية» من مسؤول الوحدة وبموجب طلب مزيف ٨٥ رشاشًا كلاشينكوف و قواذف صاروخية محمولة و ١9مسدسًا، وباعها الممثل شركة «كونتينانت» المساهمة مقابل مليون روبل نقدًا وسيارة ركوب واحدة.

وتم كشف أمثلة أخرى لتورط العسكريين في الأعمال التجارية غير المشروعة في منطقة موسكو العسكرية ومنطقة بايكال، ومنطقة فولفا، ومنطقة القوقاز الشمالي، ومنطقة الشرق الأقصى، وفي أسطولي البلطيق والمحيط الهادي وكذلك داخل قوات الصواريخ الاستراتيجية والدفاع الجوي. ولا يقل الوضع خطورة في أسطول المحيط الهادئ أو قوات الصواريخ الاستراتيجية حيث تحول المليارات من أرصدة الوحدات إلى أرصدة البنوك الخاصة والشركات التجارية بصورة غير مشروعة، وعلى سبيل المثال أقر مدير الشؤون المالية لقوات الصواريخ الإستراتيجية العميد كاريف، تحويل ملياري روبل إلى أرصدة الشركات الخاصة بالطرق غير المشروعة خلال عامي ١٩٩٣ - ١٩٩٤م، وحدث مثل ذلك في منطقة موسكو العسكرية وأسطول البلطيق وفي المناطق والأصناف الأخرى. وينبع هذا الوضع المؤلم من الحالات عن تقاعس وضعف هيئات الرقابة والتفتيش، حيث يهمل بعض المفتشين كشف المخالفات ويعقد البعض صفقة مع المتورطين في الجريمة، كما تجلى أن عددًا من المفتشين شاركوا في بيع الأملاك العسكرية وتبذير الأموال ومارسوا التجارة. وتم العثور في منطقة سانت بطرسبرج العسكرية، خلال التحقيق المشترك مع مصلحة الضرائب على زهاء ثلاثمائة ضابط عامل بين مساهمي وموظفي الشركات الخاصة، ولا يختلف الوضع في موسكو والأماكن الأخرى عما انكشف في بطرسبرج. وانتشرت على نطاق واسع جدًا حالات خرق القانون والقواعد في الوحدات التابعة لمؤسسة وزارة الدفاع للإسكان والتعمير، حيث وصلت الخسائر من جراء خرق الشرعية إلى ٩.٣ مليارات روبل على مدار عامي ١٩٩٣ م و ١٩٩٤ م وعلى سبيل المثال أصدر مدير قسم الإسكان والتعمير المنطقة بايكال العسكرية العميد سيزوف ونائيه العقيد سايفرمان أمًرا غير مشروع كلف قائد وحدة الإمداد المرقمة ۱۷۰۱ المقدم إيلكونين بعقد صفقة مع شركة مساهمة تابعة لابنة العميد سيزوف وزوجة العقيد سابفرمان بشأن إيجار مستودعات الوحدة ومعداتها للشركة مع اشتراط إمكانية شرائها لاحقًا، مما كبد الوحدة ١٧٥١خسائر جسيمة. وقد كثرت في الآونة الأخيرة حالات سرقة الأموال من قبل المسؤولين عن الشؤون المالية، مثلما حدث في الفوج ٣٥ لطيران الأسطول الشمالي حيث حول رئيس الشؤون المالية النقيب كايوكوف مبلغ ۲۷ مليونًا من الرويلات من رصيد الوحدة إلى رصيد شركة «التسليف العقاري»، بموسكو لتسديد ثمن شفته، ويمكن القول إن الوضع في مجال الشؤون المالية وصل إلى حد الأزمة في الأسطول الشمالي، وأن بعض الوحدات والسفن القتالية باتت وكرًا للتجارة غير المشروعة.

انتحار رئيس مركز الأبحاث النووية في روسيا «والعسكريون»يحاصرون مبنى الحكومة احتجاجًا على تأخير صرف رواتبهم.

  أقدم رئيس مركز الأبحاث النووية المعروف باسم «شليابن ٧٦» الروسي العالم فلاديمير نشاييف على الانتحار في غرفة مكتبه بالمركز احتجاجًا على الأحوال المتردية داخل مراكز الأبحاث العلمية والنووية الأمر الذي ينذر بحدوث كارثة نووية نظرًا لانعدام الصيانة الدورية بسبب قلة الاعتمادات المالية. وقد عثر على جثة العالم الروسي الكبير ورئيس مركز «شليابن76» للأبحاث النووية داخل مكتبه وبجانبها رسالة تفضح التقصير الحكومي والإهمال الشديد الذي تعاملت به الدولة الروسية مع نخبة من العلماء في مجال الأبحاث النووية والذي وصل إلى حد التوقف عن صرف رواتب أكثر من ثلاثة آلاف عالم نووي يعملون في المراكز لعدة شهور مضت. وكان علماء الذرة الروس والعاملون في المجالات النووية «العسكرية منها والمدنية» قد نظموا أكثر من مظاهرة خلال الشهور العشرة المنصرمة من العام الجاري، وحاولوا لفت نظر المسؤولين لأحوالهم المتردية، إلى جانب التوقف الشامل عن إجراء الأبحاث العلمية في مؤسساتهم ومختبراتهم، كما أقدم العسكريون على حصار مقر الحكومة أكثر من مرة مطالبين بدفع الرواتب المتاخرة ولم يعرف بعد ما إذا كان لحادث الانتحار علاقة بالفضيحة النووية التي كشفت عنها الصحافة العالمية مؤخرًا « صحيفة « واشنطن بوست» حول قيام مجموعة من كبار علماء الذرة الروس بإعداد دراسة شاملة وسرية من ٢٠٠٠ صفحة عن تاريخ وأسرار تجارب السلاح النووي «٧١٥ تجربة نووية» للاتحاد السوفييتي وروسيا وبيعها للولايات المتحدة مقابل ۲۹۰ ألف دولار. وأشار تقرير «واشنطن بوست» إلى أن الفريق الروسي الذي تولى هذه المهمة ضم نحو مائتي عالم بقيادة العالم الفيزيائي الكسندر شير نيشيف «من معهد «أرزاماس – ١٦» النووي الروسي» بناء على عقد تم توقيعه مع وكالة الدفاع الأمريكية. وفي تصريح لصحيفة «الأزفستياء» لم ينف نائب عميد المعهد الفيدرالي للأبحاث النووية« ازاماس- ١٦»، الدكتور تروتنيف علمه «بالصفقة العلمية» إلا أنه لم يؤكد إتمامها بالفعل وحصول الأمريكيين على أسرار أكثر من ۷۱٥ تجربة نووية أجراها العلماء الروس على امتداد ٤٥ عامًا. أما الأكاديمي الكسندر بالدين، الذي يعمل في مؤسسة دوبنا للأبحاث النووية أكد في تصريحه لـ « الأزفستيا» حدوث تسرب الأسرار النووية الروسية للولايات المتحدة وغيرها من دول العالم والقى بالمسؤولية على الكرملين» الذي ترك آلاف العلماء المصيرهم المجهول وجعلهم يعانون الموت جوعًا وضرب الأكاديمي بالدين مثالًا بالوضع في مركز «شليابن - ٧٦ » للأبحاث النووية والذي بلغت ديونه لدى الحكومة أكثر من ١٥٠ مليار روبل .

الرابط المختصر :