الثلاثاء 01-يونيو-1971
سوق حراج السيارات
تحقيق أبو هالة
ضرورة فحص السيارات وتثمنيها في كراج يخضع لإشراف دقيق من الدولة
بضاعته.. الغش والتزييف!
معاملته.. الاستغلال والتغرير!
وفن دعايته.. الخداع!
· قصص كثيرة سمعتها هنا وهناك؛ جعلتني استعجل الوقت لتدق ساعتي الرابعة مساءً.
· وعلى طريق «الدائري الرابع» ما بين مستشفى العظام وشارع المطار، رأيتني أنزل إلى أكبر ساحة تجارية في الكويت تتم فيها أكبر عمليات النصب، وأخطر صفقات بالاحتيال والخديعة تحت سمع القانون وحمايته!! وتُنصَب في هذه الساحة كل يوم وفي خلال ساعتين ونصف أعواد المشانق للفضائل والمروءة والأخلاق!!
- وتتم عمليات حقن لكثير من الناس بجراثيم أمراض القلب وسكتاته!! وتبدأ كذلك مراحل الطرق العنيفة على الأعصاب المشدودة؛ لتودي بالكثيرين إلى مستشفى الأمراض العصبية!!
- ولعل وزارات الصحة والأوقاف والشئون الاجتماعية والتجارة والصناعة، ووزارة العدل لا تعلم شيئًا عما يدور في «سوق حراج السيارات».. إذن لقامت كل وزارة بواجبها!!
صبيان الدلّالين
· وعلى الشارع وأمام السوق وقبل أن تنعرج إلى ساحته يلفت نظرك لأول وهلة لفيف متباعد ومتقارب من الشباب يشير إليك بالتوقف؛ ليصحبك إلى الداخل ويسلمك إلى رئيسه أو «معزبه» باللغة الدارجة إنه «الدلَّال».
· وتشعر من أول اجتماع للصبيان حولك كلٌّ يريدك «زبونًا له»، إنك فريسة، تتسابق الصقور إليها!! حيث لا يحكم هذا اللقاء الأوَّليّ أية قاعدة، اللهم إلا نجاح أحدهم في التقاطك!!
هروب!!
وأحسست بأني أفلت من بين أنياب كاسرة، أو هارب من غربان خاطفة، وأنا أمرق بسيارتي من بينهم إلى الساحة الكبرى التي تعج بمئات السيارات من مختلف الماركات والموديلات والأنواع صالون -نقل- تناكر... إلخ، والأصوات التي تتعالى بأبواقها كلٌّ يدلل على «ليلاه» لعله يجد لها «قيسًا» مجنونًا «وليلاه» السيارة المعروضة «وقيس المشتري» المجنون الذي يقع في الفخاخ المنصوبة.
وجه في الزحام
ومن بين الأمواج البشرية المتزاحمة المنسابة من بين السيارات الكثيرة، وفي مشية متثاقلة منفردة رأيته ينظر من بعيد دون اقتراب، ويلاحظ ويراقب دون اندفاع هنا أو هناك!! فدنوت منه، وقلت: لماذا لا تتقدم للفحص والرؤية والشراء أو التفرج عن قرب؟
صعد نظره وخفضه، ثم قال:
لم أفق من الصدمة! لا أكاد أصدق نفسي وأنا الخبير بالسيارات بائعًا وشاريًا طوال أربع سنوات!! تحويشة «المهر» ضاعت في لحظة، فرصة الزواج تأجلت! الله أعلم متى توافيني مرة ثانية!!
قلت له: إذن لماذا أنت هنا الآن؟
قال: أتمثل بالبكاء على أطلال «المهر»، ولعلي أجد فرصة أخرى أسترد فيها ما ضاع، لازم تعرف أن هذا المكان تدور فيه لعبة الحظ نوع من القمار!!
- ووجدتها فرصتي السانحة لإنسان غير مسرع أو مشغول وزبون كثير التردد على هذا السوق أن أسأله:
- اسمك؟ ومهنتك؟
- عادل شعبان المهدي، أمين مخازن.
ما هو الحادث الأخير الذي ضيع مهرك أو مهرها؟
- بينما كنت أدور في السوق وألقي نظرة على السيارات المعروضة؛ لفت نظري المظهر العام لسيارة «فيات» موديل ١٩٦٧، وكان مزادها متوقفًا على ٣٥٠ دينارًا، فتقدمت وحاولت الاستفادة بخبرة أربع سنوات، وكشفت على السيارة وفحصت ماكينتها، ثم ركبتها وشعلتها، ودعست بنزين بقوة حتى أسمع صوت الماكينة فأشعر بأي خلل فيه، فوجدته طبيعيًّا وممتازًا، وركبتها حوالي مائة متر، ورفعت السعر إلى ٣٥٥ دينارًا فزاد على بعض الواقفين، وكانت السيارة قد أعجبتني، فاستمر المزاد حتى وصلت إلى ٣٨٠ دينارًا فاشتريتها، ولكن فرحتي بها لم تدم طويلًا، فما أن اقتربت من بيتنا حتى حدث انفجار مدوٍّ، وتوقفت السيارة عن الحركة، فنزلت وحاولت تشغيلها، ولما يئست استعنت ببعض المارة الذين شاركوني كل واحد بخبرته، فلم نهتدِ، فتركتها لتنام ليلتها على الطريق، وجئتها في الصباح بالكهربائي ليحركها ففشل، وأخيرًا جاءها الميكانيكي الذي
كشف العيب وأظهر لي عملية النصب، إذ وجد أول الغيث عامود «الكرانك» بالماكينة مكسورًا، وأن البائع غشني بوضع سوستة قوية «لدعسة» البنزين، وانتهت الحكاية في سوق «السكراب أي الخردة» المقابل «للحراج» بمبلغ ٤٠ دينارًا مع الإكرام والخدمة.
قلت له: ما هي معلوماتك عن أنواع الغش في هذا السوق؟
قال:
أولًا: يضع البائع زيتًا ثقيلًا غير مخصص لقوة الماكينة؛ حتى لا تظهر عيوبها من صوت أو دخان حين تشغيلها، وهذا يخفي خللًا بالماكينة في صبابات البنزين أو الموتور أو استهلاك الزيت.
ثانيًا: وضع سوستة قوية حتى لا تأخذ «دعسة» البنزين آخرها فيظهر العيب كما حدث هذه المرة.
ثالثًا: كسور تخفيها لحامات مؤقتة فنية لا يكتشفها إلا الخبراء من الميكانيكيين.
مهمة الدلال!!
والتقيت بأحد الدلّالين واسمه «حربي علي السعدي»، فسألته: كيف أصبحت دلّالًا؟
قال: ترخص وزارة التجارة والصناعة لحرفة الدلّالة في بيع العقارات والنخل والسيارات أي «السمسرة»، وبالتالي يحصل كل واحد منا على دفتر، يقوم فيه:
أولًا: بتسجيل نوع السيارة المباعة وماركتها، وموديلها، وماكينتها، ومحركها وقيمتها... إلخ
ثانيًا: اسم وعنوان كل من البائع والمشتري.
قلت له: ما هو دورك في عملية البيع والشراء؟
الإغراء!!
قال: دور المعلن «المنادي»، ثم الوسيط الذي يجمع بين البائع والمشتري.
قلت له: ما رأيك في الفريق الذي يدخل المزاد لرفع السعر وإغراء المشتري دون أن تكون لديهم رغبة حقيقية في الشراء؟
قال: هؤلاء يكونون عادة من طرف البائع، ونسميهم نحن «المجهزين».
قلت له: هل تقوم بفحص السيارة قبل عرضها للمزاد؟
قال: لا!
قلت له: هل هناك فنيون لفحص السيارة قبل التقدير المبدئي؟
قال: لا!
الربا الفاحش
وتركت الدلّال لألتقي بأحد المواطنين «فريح نزال فدعوس»، وبدأت الحديث معه عما يراه في «حراج السيارات»، فقال: أعلم صورة بشعة من صور الاستغلال، وأخذ يحكي:
- رجل محتاج.. في أزمة.. يذهب لآخر يطلب قرضًا، فيقول له ليس معي نقود، إنما أبيعك هذه السيارة بمبلغ ٨٠٠ دينار على أقساط شهرية ٢٠ دينارًا مثلًا تتصرف فيها، ويتم بذلك البيع، وتتم المرحلة الأولى.
المرحلة الثانية: يذهب المشتري بالسيارة إلى سوق الحراج ليتم تسعيرها بمبلغ ٥٠٠ دينار مثلًا، فيتقدم بائعها الأول لشرائها نقدًا بمبلغ ٥٠٠ دينار، فيكون قد تمت بذلك أكبر عملية تحايل لإقراض مبلغ ٥٠٠ دينار نظير فائدة قدرها ٣٠٠ دينار.
الاستغلال الشنيع!!
وقال خلف علي يوسف «دلال»:
هناك ظروف طارئة تصيب كثيرًا من الناس، فيلجأون إلى سياراتهم يقدمونها لنا لعرضها للبيع.
قلت له: اذكر لنا أمثلة للظروف التي مرت أمامك.
قال أمثلة كثيرة، منها:
- واحد حكم عليه بدية قتل خطأ، فاضطر لبيع سيارة جديدة بأبخس الأثمان.
- وآخر مسافر مغادر البلاد والفرصة أمامه ضيقة، وتزداد الفرص في هذه الأيام؛ لبداية العطلة السنوية، وتصور أننا في حالات كثيرة نرى بيع سيارة ربما لم تستعمل سوى شهرين وثمنها ١٠٠٠ دينار مثلًا، فتباع بمبلغ ٧٠٠ دينار بخسارة تساوي ٣٠٠ دينار في شهرين.
قلت له: لو عرفت عيوبًا بالسيارة التي تعرضها بالمزاد هل تبيعها للمشتري؟
قال: أنا لا دخل لي، بل نترك الأمر للمشترين يفحصون، وفيه ناس يحضرون معهم ميكانيكيين.
قلت له: ألا تعرف النصيحة؟!
قال: الصنعة تبغى السكوت، وهناك عبارة واردة في دفتر كل دلال.
«أقر أنا الموقع أدناه، إني اشتريت السيارة المرقمة... المشتراة... النوع... حديد سكراب كلور»، حتى ولو كانت جديدة!! مما يجعل المشتري غير قادر على أن يعود على البائع بأي عيب يظهر بعد ذلك.
اسمك: صلاح حسانين- محاسب
بكم اشتريت السيارة؟
قال: بمبلغ ٢٠٠ دينار.
قلت له: هل حدث لك...
سوق.. حراج السيارات
حادث في هذا السوق؟
قال: ولكن الله سلَّم، اشتريت سيارة «فيات» ١٩٦٤ بمبلغ ١٥٠ دينارًا، وفي الطريق إلى المنزل رأيت إشارة الخطر فأعطيتها زيتًا ظانًّا «بحسن نية» أن راعيها نسى ذلك، وما إن وصلت المنزل حتى رأيت الإشارة الحمراء مرة أخرى بمعنى أنها كانت تهرب الزيت بمعدل 5 كيلومتر، فذهبت إلى البائع أطلب الرجوع نظير المقدم الذي أخذه وهو ٢٠ دينارًا فرفض، وبالفحص علمت أنها لا تساوي شيئًا، ولا بد من تسليمها «للسكراب»، ولحسن حظي عرفت أن الماكينة موديل ١٩٦٢، ولأنهم كذبوا عليَّ وقالوا موديل ١٩٦٤ ذهبت إلى الشرطة، وأحضر الضابط دفتر «الدلال» الذي وجد بيانها موضحًا به موديل ٦٤ ومصححًا إلى ١٩٦٢، فأمر بأن أسلمه السيارة وآخذ مبلغي، وكان درسًا قاسيًا لا أنساه.
حقيقة ما يدور في السوق!!
أولًا: «من غش فليس مني» حديث شريف.
وكثير من رواد السوق كما أسلفنا يغشون الآخرين.
ثانيًا: ﴿وَلَا تَبۡخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشۡيَآءَهُم﴾ (هود: ٨٥) قرآن كريم.
وكثير من عمليات البيع الاضطراري تتم بأبخس الأثمان.
ثالثًا: «نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الغرر» حديث شريف.
وأكثر عقود البيع في هذه الساحة تتم غررًا.
رابعًا: «نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن النجش» حديث شريف.
وبطانة الدلال أو عصابة البائع التي تقوم بدور المزايدة من أجل إغراء المشتري وغلاء السعر هم المناجشون.
خامسًا: خيار العيب.
فقهاء الإسلام يرون المشتري صاحب حق في الرجوع على البائع بالعيب القديم الذي لم يبينه ويقلل من قيمة السلعة، وما أكثر العيوب وحيل البائعين وتفلتهم من القانون!
سادسًا: «إياكم وكثرة الحلف في البيع؛ فإنه ينفق ثم يمحق» حديث شريف.
وما أكثر سماعك في هذا السوق للأيمان المغلظة بالله كذبًا وزورًا.
حل مشاكل السوق!!
وذهبت بما تجمع لدي من معلومات إلى أحد أساتذة الجامعة الذي قال:
إن الدولة مسؤولة عن حماية رعاياها، حماية صحتهم أن تذهب بها عمليات النصب وفجائع الاحتيال، وحماية أموالهم أن تبددها أساليب الغش والخداع، وهي مسئولة عن أخلاقهم أن توجد أبواب تفتنهم عن مثلهم العليا، لذلك نرى:
أولًا: أن تنشئ الدولة «كراجًا» كبيرًا في السوق كامل المعدات والفنيين، بحيث يتقدم إلى «الكراج» صاحب السيارة؛ ليتم فحصها به وتقدير الثمن المبدئي بناء على الفحص الذي تبدأ به عملية المزاد.
ثانيًا: ألا يرخص للدلال بعرض أي سيارة للبيع إلا بكشف الفحص والتثمين عن طريق «الكراج».
ثالثًا: أن يكون هناك تفتيش على اتباع اللوائح الموضوعة.
وبذلك نتجنب عملية الخداع التي هوى إليها ضمير فريق من الناس، ونحمي المواطن وأمواله وصحته وأخلاقه وقيمه.
أبو هالة
وحدة المصلين
كل ادعاء إلى التحرير مبتذل إلا بإعداد جيل من مصلينا
أمثال غرس سموا في كل معترك فوحدوا أمة تستنكر الهونا
فبعد تزكية للنفس عالية قاموا بتجربة أحيت معانينا
ففي جهاد لقد لبوا مسابقة لا يعبأون لتقصير بدا فينا
فما استعانوا بشرك يوم معركة فكيف نسلك دربًا لا يواتينا
بل استعانوا بإيمان بلا عدد كلا ولا عدد كانت لهم حينا
ففي حنين وفي الأحزاب تذكرة كذا ببدر جنود الله جاءونا
لما استقمنا بصف جاءنا مدد فلم يكن ملحد أو شبه كوهينا
فتلك تصفية للصف لازمة لا يستقيم خبيث مع موالينا
قد قام حقًا على توحيد أفئدة فليس من وحدة بالجسم تكفينا
ذاكم شعار بحب الله منفعل فكان دومًا بصدر الخصم سكينا
فلا أمان لتنظيم بلا خلق إلا بتربية من وحي ماضينا
ولا خلاص وفي الأفكار تفرقة إلا بتحرير عقل من مضلينا
من أجنبي دعا للنيل من وطن كما أشار زعيم قاد صهيونا
هناك في غربهم حيكت مؤامرة فنفذت علنًا والعرب ساهونا
فزدانا إلمامًا ما قال معترف بدولة المسخ أثنى شعب لينينا
فقد أراد يهود جهل ناشئة حتى نظل لأحزاب أذلينا
في كل بيت بلى في كل مدرسة في كل ناد إلى الفوضى ينادونا
فهل يجوز عتاب بلاشفة ما دام في يعرب من يعبد الدونا
فلا وربك لن يبقى لنا وطن ونحن نخشى لقاء مع أعادينا
ولن يعود جهارًا كل مغتصب ونسترد بسيف سهل سارونا
دون اتحاد من التوحيد منبثق ذاكم منار فمن ينسى مواضينا
توحيد أحمد من يرضى به بدلا فدونه كذب قد صد حطينا
لا يستوي مسلم مع عابد وثنا فكيف ندعو لتنظيم مولينا
كل اتحاد بغير الدين مرتجل فليس من صلة فاسق فينا
فتلك أمثلة جاءت مرددة وكل آي إلى التطهير تدعونا
وليس من ثقة إلا بمعتصم بحبل دين فلا ينسى أمانينا
هذي معان إلى التحرير سامقة وغير ذلك تكذيب لداعينا
من حاد عن شرعة أوحت لنا عبرا فذاك منحرف لا يعرف الدينا
البرغوثي
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل