; سياسة الانتفاع في اليمن الجنوبي | مجلة المجتمع

العنوان سياسة الانتفاع في اليمن الجنوبي

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 24-أغسطس-1982

مشاهدات 55

نشر في العدد 584

نشر في الصفحة 19

الثلاثاء 24-أغسطس-1982

طبقًا لما أورده تقرير إخباري عن اليمن الجنوبي في مجلة الشرق الأوسط يلحظ القارئ انفراجًا اقتصاديًّا رافقته تحركات دبلوماسية نحو الغرب الذي أصبح -الآن- كعبة القصاد من أبناء ماركس بعد أن فعله كبيرهم – تتوافد البعثات الغربية وبمعنى آخر بعثات الدول الرأسمالية مخترقة الحصار المضروب حول اليمن الجنوبي منذ طرح النظرية الاشتراكية منهاجًا للحياة في كل ضروبها، تقوم حكومة عدن بعقد اتفاقيات تجارية مع مؤسسات غربية، مثل الشركات الفرنسية التي تمسح الأراضي هناك، وتبني الفنادق والمطار الجديد في عدن، أما بلجيكا فتقوم ببناء ميناء المكلا الجديد، وتزود ألمانيا الغربية مطار المكلا بالمعدات الإلكترونية، وتقوم الشركات اليابانية ببناء عدة محطات قوى وشبكة مواصلات، كما تعد الشركات البريطانية دراسة جدوى، و يتضح من التقرير أن أكبر شركاء عدن التجارية -في الوقت الحالي- هم اليابان، بريطانيا، أستراليا وفرنسا – والمثير للدهشة أن يأتي الاتحاد السوفيتي في المرتبة السادسة، وتليه الصين التي تحتل المرتبة السابعة، ويعزو مسئول عدني هذا التغلغل الغربي إلى أسباب منها:

  1. أن المؤسسات المحلية التي لبت احتياجات الخطة الأولى في سنة 1970 لم تعد قادرة الآن أمام الاستثمارات التي تضاعفت عشر مرات.
  2. أن شركات الكتلة الشرقية لم تقدم عطاءات لمشاريع مدعمة بقروض ميسرة من البنك الدولي أو من المؤسسات العربية.
  3. وسبب آخر لم يفصح عنه المسئول، ولكن المراقبين يرجعوه إلى تحرر السلطة في عدن من وهم التكنولوجيا الشرقية، ويستدلون على ذلك بعدة أمثلة.

محطة التحلية التي بناها الروس ولم يبدأ تشغيلها رغم مضي عامان على توقيع العقد، أخذ مصنع الأسماك بناه الروس أربع سنوات بدلًا من ستة شهور رغم تواجد العدد الكثيف من الفنيين السوفييت فيه إلا أن إنتاجيته جاءت متدنية، وأقامت الصين مصنعًا للنسيج زودته بمعدات عفى عليها الدهر، ولاحظ المسئولون العدنيون أن محاولات الروس في اكتشاف البترول باءت بالفشل في الوقت الذي طالب السوفييت حكومة عدن بثمن هذه المحاولات، ولما تعاقدت الحكومة مع الشركات الإيطالية التي توصلت إلى نتائج مشجعة في هذا الشأن، ولم تتقاض فلسًا على مشروعاتها أفاقت حكومة عدن على الفرق الكبير في التعامل.

ونظرًا للأعباء المتلاحقة على كاهل حكومة عدن؛ طلبت من الرفقاء في الكرملين جدولة الديون وإعطائها فترة سماح قدرها خمس سنوات، إلا أن السيول التي حلت بالبلاد أضافت أعباء أخرى اضطرت النظام إلى التوجه غربًا طلبًا للمعونة.

الانفتاح السياسي

وأورد التقرير أن مساعد الخارجية البريطاني جون موبرلي قام بزيارة عدن في ربيع سنة 1918 تلك الزيارة التي ردها وزير خارجية اليمن الجنوبي في نهاية نوفمبر، وذلك قبل توجهه إلى باريس، كما قامت عدن بتعيين سفراء لها في كل من الدنمارك، ألمانيا الغربية، إيطاليا، بلجيكيا، وسويسرا، وأصبح لليمن الجنوبي علاقات مع كل الدول العربية، بعد أن جمدت دول الجامعة العربية العلاقات معها عام سنة 1978، وتتمتع الآن بعلاقات مع دولة الإمارات التي رفضت حكومة عدن الاعتراف بها 1971؛ لأنها دويلات عميلة في نظرها - وتأخذ وساطة الكويت والإمارات طريقها لتسوية النزاع بين عمان وعدن.

ومن الجدير بالذكر أن حكومة عدن تأخذ على عمان تواجد قواعد أمريكية بها إلا أنها لم تجد إجابة على سبب تواجد السوفييت فوق تراب اليمن الجنوبي.

الاتفاقية الثلاثية «ليبيا- اليمن الجنوبي- أثيوبيا»

ارتبط النظام في عدن بالخط الماركسي دائمًا، ولم يخف اتجاهه أبدًا، ويبدي استعداده دائمًا لنجدة الرفقاء في القضايا المشتركة، غير أن الوضع الاقتصادي المتدهور هناك لا يبرهن على أن الرفقاء هبوا لنجدتهم؛ بل أوضح أسلوب التعامل مع الروس -خاصة في المسائل الاقتصادية- أنه أسلوب قائم على الأنانية وعدم الشعور بالمشاكل الملحة لمطالب الجماهير، ورغم كل هذا عقد النظام في عدن اتفاقيته الثلاثية مع ليبيا وأثيوبيا رغم أن أثيوبيا تمارس أبشع أساليب العنصرية ضد الشعوب المسلمة في أريتريا والصومال، وتشن حربًا -لا تنقطع ضد المسلمين داخلها الذين يتعرضون لحملات التبشير الصليبية، فإما أن يقبلوها أو يموتوا جوعًا- ومع أن قضية الغيرة على دماء المسلمين ومصالحها ليست واردة عند طبقة البروليتاريا هناك، لكن هذا لم يمنع مراقب غربي من القول بأن الذين يذكرون على أهمية هذه المعاهدة إنما يبالغون؛ لأن عدن تنظر إلى هذه المعاهدة نظرة براجماتية «نفعية»؛ إذ حصلت على 400 مليون دولار من ليبيا منها 100 مليون دولار نقدًا.

وهكذا أصبحت الماركسية تعيد حساباتها من جديد أمام ترتيب المصلحة أم المبدأ، ويبدو أن المصلحة تصدرت على المبدأ؛ إذ ساد المذهب البراجماتي على أيدولوجية طبقة البروليتاريا، وأصبح الأسلوب الأمثل في التعامل مع دول العالم والملفت للنظر أن هذا الاتجاه يبدو أنه منهج أو تكتيك حديث ما إن انتهجته روسيا في تعاملها مع الغرب لنقل التكنولوجيا، أو استيراد الحبوب، أو مد خطوط الغاز من سيبيريا لإنعاش المدن الرأسمالية؛ حتى سارعت كل الدول التي تسير في ركبها في فتح أبوابها لوقود الاستثمار من الدول الرأسمالية، لكن الذين يرصدون حركات التاريخ لا يؤمنون بهذه السياسة إلا على أنها دليل فشل ذريع لمذهب معاند أمام حرية الفرد وكرامته، وأن الانفتاح الاقتصادي أو الدبلوماسي لا يحل مشاكل الشعوب بقدر ما تحلها الحرية، والحرية التي وهبها الله وحده للإنسان.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل