العنوان سيناريوهات الصراع بين الولايات المتحدة والإسلاميين في الشرق الأوسط
الكاتب عامر الحسن
تاريخ النشر الاثنين 01-فبراير-1999
مشاهدات 9
نشر في العدد 1335
نشر في الصفحة 26
الاثنين 01-فبراير-1999
التقرير الأمريكي يقترح وساطة أمريكية حذرة بين الإسلاميين وحكوماتهم
صدر مؤخرًا «معهد الدراسات الاستراتيجية القومية»، في الولايات المتحدة تقرير خاص عن التحديات التي تواجهها أمريكا من الحركات الإسلامية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكيفية التعامل معها، ويطرح التقرير الذي حصلت المجتمع على نسخة منه على الإدارة الأمريكية عدة مقترحات تعبر عن رأي المعهد بعضها ينحو منحى موضوعيًا، والآخر يظهر تحيزه للأمن الإسرائيلي، والذي يعده المعهد أحد أهم المصالح الأمريكية في المنطقة، وبصرف النظر عن تقييمنا للتقرير، تظل هذه المقترحات والأطروحات مفيدة لقيادات الحركة الإسلامية المعنيين بمتابعة ما تنشره مراكز التفكير المعروفة، ولا سيما أن العديد من صناع القرار الغربيين يستأنس ببعض توصياتها.
في البداية يعترف التقرير بأن الولايات المتحدة تسعى للمحافظة على النظم العلمانية القائمة في بعض البلاد العربية حاليًا، وإن كان معظمها غير ديمقراطي، مادامت تلك النظم تدعم وتحمي المصالح الأمريكية في المنطقة، غير أن المساعي الأمريكية يجب أن تكون منضبطة، وغير مشهورة لدرجة التورط في صراعات داخلية بين الحكومات والإسلاميين، كما يدور في الجزائر لأن التجارب الأمريكية السابقة تجاه الحرب الأهلية في البوسنة دلت على أن الرأي العام الأمريكي لن يرحب كثيرًا بمثل هذه التورطات وأن أي تدخل أمريكي عسكري ينبغي أن يكون مبررًا باسم الحفاظ على المصالح الضرورية فقط دون الطارئة أو الهامشية.
ويطرح التقرير عدة تساؤلات تتعلق بمدى استعداد الولايات المتحدة للتدخل العسكري في المنطقة لحماية مصالحها من الخطر الإسلامي مؤكدًا أنه يتوجب على أمريكا أن تعي أولاً حقيقة تعددية الحركات الإسلامية وتراوح تياراتها بين التطرف والاعتدال، وبين من لها هدف سياسي بحث للوصول إلى السلطة، ومن تحصر أجندة عملها في الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي ويضيف بأن الإسلاميين ليسوا في مرحلة تكوين خطر حقيقي على أمريكا، كما كان الشيوعيون مثلاً قبل اندلاع الثورة البلشفية في ١٩١٧م، ومهما كانت عمليات الإسلاميين الإرهابية، قوية ضد المصالح الأمريكية في المنطقة، فإنها لن تكون بالحجم الذي يقوض هيمنة واشنطن أو يضعف من وجودها، ويتساءل أنه على افتراض وصول تيار الإسلاميين المتشدد للسلطة، فإلى أي مدى سيهدد هذا التيار المصالح الأمريكية الجوهرية، وهي تدفق البترول وأمن إسرائيل؟
وأما ما يتعلق بالنفط، فإن الولايات المتحدة ينبغي أن تقلق كثيرًا على مستقبله حتى تحت ظل حكومة إسلامية بالمعنى الحركي الذي ينشده الناشطون الإسلاميون لأنه سيكون من مصلحة أي حكومة إسلامية تغطية بيع نفطها للدول الصناعية الغربية وعلى رأسها أمريكا فالإيرانيون مثلاً حريصون على بيع نفطها للولايات المتحدة مثل أي دولة بترولية أخرى في الخليج، وبهذا فمن غير المحتمل بعيدًا عن الشعارات، أن يمثل الإسلاميون تهديدًا حقيقيًا للنفط الذي تستهلكه أمريكا، وفيما يتعلق بتهديد الإسلاميين لإسرائيل، فإنه وإن كان أكثر احتمالاً، إلا أنه يظل غير مرجح في الواقع أيضًا لأنه من المستبعد أن يكون لدى الإسلاميين القدرة، ما عدا مستوى الشعارات والتنظير لتكبيد إسرائيل خسائر جسيمة تهدد وجودها في المنطقة ولا سيما على ضوء الدعم العسكري والمالي الذي تحصل عليه إسرائيل من حليفتها التقليدية الولايات المتحدة، ويضيف التقرير نقلاً عن مجموعة من المسؤولين الإسرائيليين في لقاء خاص بأن إسرائيل تشعر بالثقة من قدرتها على هزيمة أي قوة أو مجموعة من القوى الإقليمية في الشرق الأوسط، غير أن إسرائيل تعترف بأن أكبر خطر يتهدد أمنها هو خطر أسلحة الدمار الشامل بيد دول غير صديقة كالعراق وإيران.
أما المصالح الأخرى التابعة، فهي المحافظة على الاستقرار والترويج للديمقراطية، وهي مصالح حسب التقرير – لا يهددها وصول الإسلاميين للسلطة، فمع أن دولاً –مثل إيران والسودان– متهمة بتدويل حالة اللااستقرار لجيرانها العرب، إلا أن سجل الحكومات العلمانية، ليس بأحسن حالاً، حيث يشهد التاريخ السياسي المعاصر محاولات لحكومات عربية عديدة لزعزعة أمن الحكومات العربية العلمانية المجاورة، وفيما يتعلق بالديمقراطية فهي غير موجودة أصلاً –على حد وصف التقرير– في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وفيما إذا كان الإسلاميون ديمقراطيين أو غير ديمقراطيين، فإن الغموض ذاته في الموقف يكتنف الحكومات المعنية، والعديد من الأحزاب السياسية المعارضة ذات التوجه غير الإسلامي ومع ذلك، فإن التقرير يطالب الإدارة الأمريكية بعدم تجاهل منطقة الشرق الأوسط بحجة الرغبة في تجنب التورط في مشكلاتها، وأهمية متابعة ما يدور بين الحكومات العربية والإسلامية عن قرب، وعدم تكرار سياسة عدم الاكتراث التي تبنتها واشنطن في الماضي مع الأزمة الكمبودية في السبعينيات ورواندا في ١٩٩٤م، ويعدد التقرير ثلاثة أسباب عامة أمريكا للاهتمام الأمريكي بالمنطقة وهي: أولاً أن تقدم معونات مادية ضخمة لبعض هذه الحكومات مثل مصر... للإصلاح الاقتصادي، وتحديث قدراتها العسكرية، وهي مساعدات مهمة لمواجهة خطر المد الإسلامي سواء كان هذا المد يشمل تهديدًا للنظام أم لا.
ثانيًا: إذا ما وصل الإسلاميون من التيار المتشدد للسلطة، فإن ذلك سينسحب لحدود الدول المجاورة، كما هو مزعوم بين السودان ومصر، وبين إيران وبعض الدول، وكما قد يحصل فيما لو وصل الإسلاميون في الجزائر للسلطة وانعكاسات ذلك على تنامي حالات الهجرة لتونس وإسبانيا والمغرب وفرنسا، ومن واجب الولايات المتحدة أن تسعى لمنع حدوث ذلك في الوقت المناسب، وهذا لن يكون إلا عبر توطيد علاقاتها بأهم القوى في المنطقة من الآن.
ثالثًا: حماية مصالحها في المنطقة، مع أنه قد قيل سابقًا في سياق التقرير إن الإسلاميين وإن كانوا متشددين فإنه من غير المحتمل أن يشكلوا خطرًا حقيقيًا على تدفق النفط، أو على أمن إسرائيل.
ويعترف التقرير بأن الولايات المتحدة لن تملك التحكم في ضبط عملية التغيير فيما لو حصلت في إحدى الدول العربية لظروف تاريخية وسياسية وثقافية.. فمن جانب الإسلاميين فهم لا يثقون بها ويعتبرونها تمثل الوجه المعاصر للاستعمار الثقافي والإمبريالية الحضارية، باسم العولمة، وتصدير الأفكار والعادات الغربية الإباحية وغير المنضبطة بضوابط الشريعة، ومن جانب الحكومات العربية فهي لا تثق أيضًا بقدرة الولايات المتحدة على فهم تعقيدات الشرق الأوسط كما يفهمها الأوربيون البريطانيون والفرنسيون بحكم خبرتهم الاستعمارية القديمة والتاريخية بالمنطقة، ومن جانب الولايات المتحدة نفسها، حيث إنها لا تريد أن تضغط كثيرًا على تلك الحكومات لتحقيق أي إصلاحات خشية أن يصب ذلك لصالح زيادة شعبية الإسلاميين يسحب بساط الشرعية من تحت أقدام الحكومات الحليفة.
وعلى الرغم من محدودية فاعلية الولايات المتحدة في التأثير على طبيعة الصراع بين الإسلاميين وحكوماتهم، يقترح التقرير على الإدارة الأمريكية عدة مقترحات للتعامل بنجاح وخدمة لمصالحها مع الحالة الراهنة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي:
أولاً: أن تعترف أمريكا بوجود عدة تيارات سلامية بينها اختلافات وفروق «الأجندة» وطريقة العمل، وتحقيق الهدف، وإنه من غير الصحي وضع كل هذه التيارات في وعاء واحد اسمه الأصولية، وخاصة أن من هذه التيارات معتدلون، يقومون بخدمات اجتماعية واضحة، ويتحدثون بلسان الأصوات المقهورة من الشعب.
ثانيًا: تحديد وحصر عوامل شعبية الإسلاميين بين الناس ومحاولة معالجتها، ولا سيما أن أغلب هذه العوامل تتعلق بفساد النماذج السياسية الحاكمة، وانتشار الرشوة والبيروقراطية في المصالح الحكومية وتنامي حالات الفقر والبطالة، ويمكن للولايات المتحدة أن تعالج ذلك بتقديم المساعدات الاقتصادية والقيام بمشاريع مشتركة في ميادين الصناعة والتطوير الزراعي.
ثالثًا: تشجيع فتح قنوات التعبير السياسي من خلال الأحزاب والبرلمان، ومع أن الحكومات الحالية لا تريد المشاركة السياسية مع أي قوة سياسية معارضة مهما بلغت شعبيتها، كما هو حاصل في ليبيا وسورية إلا أن الولايات المتحدة ينبغي أن تقنع هذه الحكومات بأن هذه السياسة القمعية لن تفيدها على المدى الطويل، وقد تعرض نظمها لنوع من عدم الاستقرار، ويعترف التقرير بأن «الانفتاح الزائد» غير مطلوب في هذه المرحلة، لتجنب تكرار تجربة الانتخابات الجزائرية، وما آلت إليه من مجازر أهلية راح ضحيتها أكثر من ٥٠ ألف جزائري، لكنه يؤكد أهمية الانفتاح التدريجي على غرار التجربة الأردنية في التعامل مع الإسلاميين، واستقطابهم للنشاط البرلماني.
رابعًا: أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تتوقع حصول حالة من العنف وعدم الاستقرار في المنطقة، وهو شيء طبيعي حصل في أوروبا وفي كل منطقة شهدت حالة من التغيير.
خامسًا: أن تقوم أمريكا بعرض وساطتها بحذر بين الإسلاميين والحكومات، مثلما قامت بالوساطة بين إسرائيل ومصر، وكما تقوم حاليًا بين الفلسطينيين والسوريين والإسرائيليين، وفيما لو رفض الإسلاميون الوساطة الأمريكية لعدم ثقتهم بنواياها، فلا بأس من أن تقوم أمريكا بالوساطة بشكل غير مباشر عبر طرف ثالث محايد.
سادسًا: الاستمرار في منع انتشار أسلحة الدمار الشامل و حصول دول مثل العراق وإيران عليها، ولا يذكر التقرير تجريد إسرائيل من هذه الأسلحة، وإنما يعطيها مبرر التمسك به لحماية نفسها من تهديد مزعوم.
سابعًا: التفريق بين ما يطرحه ويقوله الإسلاميون على مستوى الشعارات ومخاطبة الرأي العام، وبين واقع قدراتهم وحقيقة مواقفهم التي تفرضها عليهم الظروف البراجماتية، وهو مهم كي لا تبني أمريكا العديد من سياساتها على مجرد متابعة تصريحات الإسلاميين، ولا سيما أن العديد من الحكومات الإسلامية مثلها مثل أي حكومة أخرى تتعامل مع الآخرين على أساس مصالحها الوطنية وستظهر مرونة كافية، تعكس اعترافها بحقائق العلمنة وعدم القدرة على العيش في عزلة حسب تعبير التقرير.
ومثلما يقترح التقرير على الولايات المتحدة توصيات ينبغي القيام بها، فإنه في الوقت نفسه يقترح عليها توصيات معاكسة يتوجب عليها تجنبها مثل:
١- تجنب التورط في صراعات داخلية بين الحكومة وقوى المعارضة المحلية، لأن ذلك من شأنه إغضاب الطرف الثاني، ويوتر العلاقة بينها وبينه للأبد فيما لو وصل للسلطة «كما هو واضح في تجربة الثورة في إيران في ۱۹۷۹م»، وإن أي تدخل أمريكي عسكري في المنطقة يجب أن ينحصر فقط في حالات التهديد الحقيقية وليست المزعومة للمصالح الأمريكية المحورية، في المنطقة.
٢- عدم تصديق المبالغات التي تحيكها الحكومات ضد الإسلاميين لكسب دعم الولايات المتحدة في لعبة الصراع، ومن هذه المبالغات الترويج لدعاية وجود «عدو خارجي»، «إيران مثلاً» يقوم بتمويل أنشطة الجماعات الإسلامية والهدف - حسب التقرير - هو تبرير هذه الحكومات لفشلها في عمليات الإصلاح الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وانتشار الفساد في مؤسسات الدولة.
٣- تجنب دعم الحكومات التي تقوم بانتهاك حقوق الإنسان باسم المحافظة على النظام، وكتم أنفاس المعارضة، ويتوجب على الولايات المتحدة أن تندد بهذه الممارسات كما تندد بممارسات الإسلاميين الوحشية، في الجزائر، وإلا، فإن هذه الازدواجية من شأنها زيادة شعبية الإسلاميين، وزيادة إيمانهم بأنه لا أمل في الإصلاح السياسي عبر القنوات المشروعة.
ويستبعد التقرير في النهاية أن يتمكن الإسلاميون من تحقيق هدفهم الإصلاحي عبر الوصول للسلطة، ومع هذا سيظل الإسلاميون يمثلون الورقة الرابحة في أعين الشعب، ويؤكد التقرير في استنتاجه أنه على الولايات المتحدة أن تستخدم قدراتها المحدودة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمنع المنطقة من الوصول لحالة من الانهيار السياسي كما حصل في الجزائر، ثم تنشغل بعد ذلك بفك خيوط هذا الانهيار، عندما يكون ذلك متأخرًا .
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل