العنوان شتان ما بين احتفال الأقوياء.. واحتفال الضعفاء
الكاتب اللواء الركن محمود شيت خطاب
تاريخ النشر الثلاثاء 26-مايو-1970
مشاهدات 45
نشر في العدد 11
نشر في الصفحة 29
الثلاثاء 26-مايو-1970
عدت الآن من احتفال كبير مهيب بالمولد النبوي الشريف؛ فطالعتني رسالة من «المجتمع» تطالبني بأن أكتب إليها، فأحببت أن تكون أول رسالة أبعث بها هي انطباعي الشخصي عن احتفالات المولد على صاحبه أفضل الصلاة وأزكى السلام.
والواقع أن هذه الاحتفالات لم تكن معروفة في الصدر الأول من الإسلام، وفي القرون الأولى من عمر الإسلام المديد بإذن الله، والتاريخ يحدثنا أن الاحتفالات بدأت في القرن الرابع الهجري.
ومن الملاحظ أن المسلمين حين كانوا أقوياء، كانوا في شغل شاغل عن «المظاهر»؛ فلما ضعفوا اهتموا بالمظاهر وبالغوا بهذا الاهتمام.
كان المسلمون الأقوياء يحتفلون في كل ساعة وفي كل يوم بالرسول الأعظم عليه أفضل الصلاة والسلام، ولكن احتفالهم كان بالأعمال.
أما المسلمون الضعفاء فيحتفلون في كل عام بالرسول الأعظم عليه أفضل الصلاة والسلام، ولكن احتفالهم بالأقوال.
وشتان بين احتفال الأقوياء بالأعمال، واحتفال الضعفاء بالأقوال.
واحتفال هذا اليوم كان فخمًا إلى أبعد الحدود، وكان الخطباء والشعراء مجيدين غاية الإجادة، ولكن الرسول القائد صلوات الله وتسليمه عليه في مثل هذه الظروف التي تجتازها الأمة الإسلامية، وهي في صراعها المصيري المرير ضد قوى الشر والفساد المتمثلة بإسرائيل ومن وراء إسرائيل، ليس بحاجة إلى من يثني عليه ويمدحه شعرًا ونثرًا، وحسبه ثناء الله عز وجل في كتابه العزيز: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (القلم: ٤)
إن النبي صلى الله عليه وسلم فى مثل هذه الظروف بحاجة إلى أن ينهض المسلمون بواجبهم في الجهاد: ﴿انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ )التوبة: ٤١)
إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يريد من المسلمين كلامًا تذروه الرياح، بل يريدهم أن يتكلموا بالدم، حتى تنجلي هذه الغُمة عن هذه الأمة.
وكنت وأنا أستمع إلى الخطب البليغة والشعر المتين، أسائل نفسي هذا السؤال: تُرى! لو كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حاضرین هذا الاحتفال؛ فكيف كانوا يتصرفون؟؟
وتصورت النبي صلى الله عليه وسلم وحوله أصحابه، مدججين بالسلاح، عليهم الدروع، لا ترى إلا أعينهم مما عليهم من السلاح والحديد، وتصورت الأغنياء يقدمون أموالهم رخيصة في سبيل الله، حتى تتكدس تلولاً وجبالاً.
وقلت لنفسي: لو قال أحد الخطباء، إن الاحتفال بذكرى المولد يجب أن يكون باقتفاء سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسير أصحابه عليهم رضوان الله... من هذا المنطلق أقدم للمجهود الحربي ألف جنيه «مثلًا»...
لو قال خطيب هذا الكلام، وقال شاعر إنني أتطوع في صفوف الفدائيين، ولله عليَّ ألا أعود إلى أهلي حتى ينتصر المسلمون.. لو قال خطيب وشاعر مثل هذا القول، لكان الخطيب أبلغ من سحبان، ولكان الشاعر أشعر من المتنبي...
إن خير احتفال بمولد سيد الكائنات، هو في اقتفاء آثاره والاقتداء بأعماله وعلى رأسها الجهاد بالأموال والأنفس، حتى ترتفع كلمة: الله أكبر، في المسجد الأقصى المحترق المسلوب.
فهل من سميع مجيب، أم على قلوب أقفالها؟!
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل