; صدام وسياسة حافة الهاوية | مجلة المجتمع

العنوان صدام وسياسة حافة الهاوية

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 19-يناير-1993

مشاهدات 17

نشر في العدد 1034

نشر في الصفحة 8

الثلاثاء 19-يناير-1993

سياسة "حافة الهاوية "، التي اتبعها حاكم العراق مع قوات التحالف الدولي في الخليج منذ حرب تحرير الكويت انتهت بسقوط هذا النظام في هذه الهاوية ودخوله في مواجهة مسلحة مفتوحة في زمنها وحجمها، فلقد أعطي صدام لخصومه الدوليين كل المبررات، بل ودفعهم دفعًا شبه متعمد لتوجيه ضربة عسكرية جديدة لقواتها لمهلهلة.

والباحثون عن تفسيرات منطقية لتصرفات الطاغية قد لا يعثرون عليها في مجال السياسة والاقتصاد كما قد يعثرون عليها من خلال دراسة شخصية حاكم العراق وعقده النفسية الممزوجة بالغرور الأعمى والتهور المهلك، فعندما تحدى طاغية العراق الإجماع الدولي بغزو جارة مسالمة وتكرر ذلك منه مرارًا كان قد جاوز الحكمة والعقل وحسن التصرف، ودفع بجيشه ومقدرات شعبه إلى حافة الهاوية.

فشعب العراق ومقدراته ومصالحه الاقتصادية وقواه العسكرية ليست عند صدام سوی دمى يلعب بها في مساجلاته ومنازلاته الحمقاء مع القوى الدولية، وليس لهذا الشخص ذرة من إحساس أو مبالاة بحجم المعاناة التي تقع من وراء ذلك على شعبه ودولته أولًا أو على المنطقة ومصير شعوبها ثانيًا.

وقد جاوز صدام لعبة الفار والقط التي لعبها طوال السنتين الماضيتين لينقل نظامه وشعبه إلى مواجهة استفزازية خطرة مع القوى الدولية في سبيل اختبار لعبة من لعبه المريضة، ويريد منهم بهذا أن يفرض حقيقة انتهاكاته الشروط وقف إطلاق النار لتكون هي الأمر الواقع.

وقد جاءت عملية تحريك الصواريخ المضادة للطائرات إلى المنطقتين المحظورتين في الشمال والجنوب ثم الانتهاكات المتكررة لخط الحدود الكويتية، ثم التصريحات النارية حول السيادة العراقية التي أضاعها صدام حسين والتي يطالب الأن باستعادتها كاذبًا، ثم الادعاءات المغرورة حول جاهزية الجيش العراقي لمنع الطلعات الجوية لطيران التحالف جاءت كلها لتشعل المنطقة من جديد وتعيد اسم الطاغية إلى العناوين الرئيسية في نشرات الأخبار وهو ما يمكن أن يكون الهدف الأساسي والخفي في نفسية صدام المريضة من وراء كل هذا.

وحتى كتابة هذه السطور كانت الإجراءات العسكرية للقوى الدولية قد اقتصرت على تدمير عدد من منصات الصواريخ العراقية في الجنوب، ولم يصدر عن النظام العراقي ردة فعل قتالية، ولو حدث ذلك فإن العواقب قد تؤدي إلى دمار كبير في العراق وربما انهيار النظام نفسه. 

من المسئول عن إعادة تفجير التوتر في منطقة الخليج؟ وهل يستطيع الذين لا يزالون يقفون مع طاغية العراق أن يبرروا افتعاله لهذه الأزمة في هذا التوقيت بالذات؟

ما أثر: "أم المعارك"، الإضافية على قضية المسلمين في البوسنة والهرسك التي تحتاج إلى ضغط الإعلام الدولي لتحريكها ضد العدوان الصربي فإذا بهذا الإعلام ينصرف بشكل كامل إلى معارك صدام وحماقاته؟ ما أثر ذلك على قضية المبعدين الفلسطينيين في جنوب لبنان؟ 

وهل يستطيع المعارضون للتواجد الغربي في الخليج من مناصري النظام العراقي أن ينكروا الخدمة الكبيرة التي قدمها صدام للقوى الغربية بإعطائها كل ظواهر الشرعية والقبول باستمرار تواجدها القوي في المنطقة أمام الاستفزازات العراقية.

لا شك أن صدام بتصرفه الأرعن هذا قد أعطى مبررًا لتدخل القوات الدولية وبقائها واستقرارها في المنطقة، وشغل الرأي العام والإعلام العالمي عن قضايا المسلمين الكبرى مثل قضية البوسنة والهرسك وما يتعرض له المسلمون في الهند من مجازر وهدم للمساجد وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من انتهاكات على يد اليهود وغيرها من قضايا المسلمين الأخرى.

إن ما ارتكبه صدام بفعلته الشائنة هذه من جرائم لم يتضرر الشعب العراقي وحده منها وإنما تضررت منها كافة قضايا المسلمين ومصالحهم في شتى أنحاء العالم، وإن استمرارية بقاء هذا الأرعن على سدة الحكم في بغداد لن تأتي الا بالنكسات والنكبات على الأمة كلها وتعطي كذلك الضمانة الأساسية لكافة القوى الطامعة في المنطقة أن تواصل استنزافها لمقدرات المنطقة وثرواتها.

الرابط المختصر :