العنوان ظاهرة الاهتمام بالإسلام.. للإنعاش.. أم للضرب؟ الخلفيات المريبة وراء المؤتمر الإسلامي- المسيحي
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 17-سبتمبر-1974
مشاهدات 12
نشر في العدد 218
نشر في الصفحة 6
الثلاثاء 17-سبتمبر-1974
المؤتمر الإسلامي- المسيحي بأسبانيا..
لا نحب المداهنة في أمر العقيدة.
من هنا سيتسم تعليقنا على«المؤتمر الإسلامي المسيحي» الذي انعقد بأسبانيا في الأسبوع الماضي.. سيتسم بتحديد المواقف.. وصراحة القول: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ. الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ ۚ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾
ولسنا نجهل أن العالم النصراني في الظرف الراهن يملك سلاحًا أكثر مما نملك.. ويغزونا بثقافته ومخابراته وعملائه، وضغطه السياسي في ديارنا وأوطاننا، ولكن هذا كله لا يبرر المداهنة في أمر العقيدة..
فالحق ينبغي أن يقرر مهما كانت الظروف..
ومداهنة النصارى- من الجانب الدبلوماسي- ابتغاء كسبهم هي سذاجة مغلفة بشعار سياسي..
فالخلاف أكبر وأقوى من أن ينهيه أو يحد منه تساهل أو تنازل بعض المسلمين، فهو خلاف عقائدي أصولي.. وخلاف واقعي عملي، وحله يحتاج أولًا إلى إعلان عالمي شامل يعلن فيه النصارى اعترافهم وإيمانهم بنبوة محمد- صلى اللـه عليه وسلم-..
و يحتاج ثانيًا- وبداهة- إلى إيقاف الظلم الصليبي ورفعه عن أمة الإسلام،
وفي السطور القادمة تفصل هذه القضايا إن شاء الله.
نقض العقيدة
أن رصد حركة تطويق الإسلام، وضربه يفيدنا في الوعي بالهجمات التي تأتي مرحلة بعد أخرى في تدرج منفصل أحيانًا، وتدرج متداخل أحيانًا أخرى.
كانت مظاهر الحكم الإسلامي، تحفظ للإسلام الكثير من الهيئة والوقار وتوفر له أنصبة كبيرة من التزام الناس به.
الاستعمار الصليبي كان يرى في ذلك خطرًا على مصالحه وعقبة في طريق مستقبله فعمل على نقض بقايا الحكم الإسلامي..
وليس مصادفة أن يقترن إلغاء الخلافة على يد أتاتورك، بصدور كتاب«الإسلام وأصول الحكم».
فالإلغاء كان نقضًا عمليًا لبقايا الحكم الإسلامي، والكتاب كان تبريرًا فكريًا لهذا النقض!! ونحن غير مكلفين بالبحث عن نيات الناس.. بید أن ربط الظواهر ضرورة موضوعية في نقاش قضية ما.
وتصاعدت بعد ذلك الحملة الفكرية والثقافية على موضوع الحكم الإسلامي حتى لا تقوم حركة استئنافية قوية، تحبط استراتيجية الاستعمار في إقصاء الإسلام عن الحكم.
وبعد نقض الحكم، عمدوا إلى نقض السلوك الإسلامي، بمعنى أنهم عمدوا إلى إفساد الناس وتدمير أخلاقهم وإتلاف عافيتهم النفسية والروحية.
والحقيقة أن هذه الاستراتيجية الاجتماعية شر طويل الأمد، فتدمير السلوك يعني تدمير الإنسان ذاته بصفة مستمرة.
ويد التنظيم واضحة في هذه الخطة، فهدفهم من هذا الإفلاس الاجتماعي والأخلاقي إطالة فترة احتلالهم واستعمارهم وسيطرتهم، وبالتالي إقامة عوازل ضخمة بين الناس.. وبين الإسلام.. وذلك عن طريقين:
طريق تدمير الفرد من حيث هو فرد حتى يفصل عن أمته ويمنح ولاءه للمتماثلين معه في السلوك والخلق، وهم هنا الاستعماريون الاجتماعيون.
وبغض النظر عن مسألة وصولهم إلى أهدافهم فإن الوسيلة ماكرة فعلًا، فالرجل المنحل من الصعب أن يقف مع الإسلام فكريًا وسياسيًا، والمرأة المنحلة من الصعب أن تقف مع الإسلام فكريًا وسياسيًا.
فالناس عادة يميلون إلى تبرير الفساد وليس في الإسلام ما يبرر فساد الناس.
وطريق الاحتلال الاجتماعي الشامل، فالصليبيون قد غيروا خطتهم في موضوع العمالة.
كانوا يحولون بعض الأفراد إلى عملاء لهم، أما اليوم.. فيريدون تحويل الأمة كلها إلى أمة عميلة في السلوك والخلق والموقف الاجتماعي والولاء النفسي.
بعد نقض الحكم ونقض السلوك، جاء دور أو محاولة نقض العقيدة ذاتها، بالتذويب والتمييع وتشويه التصور، وتضليل المفهوم.. وبأحداث بلبلة ذهنية وفكرية تلبس الحق بالباطل.
إن بقاء العقيدة نقية صافية.. وبقاء المسلم واضح التصور بالنسبة للإسلام والأديان الأخرى، هذا البقاء من شأنه إطلاق مد جديد، من طبيعته الإيجابية والتحرك، والعمل..
إذن فبقاء العقيدة السليمة، والتصور الصحيح يمثل احتمالات ليست في صالح الاستعماريين الصليبين.
ما العمل؟
العمل أن يحاولوا نقض العقيدة، أو خلطها بمفهومات مشوشة لا تمكن المسلم من رؤية صحيحة، ولا من موقف رشید.
ظاهرة الاهتمام بالإسلام
و المؤتمر«الإسلامي- المسيحي» بأسبانيا يتم في نطاق هذه الحملة التذويبية التشويهية.
لماذا ظاهرة الاهتمام بالإسلام؟
طبعًا لا نقصد اهتمام الأفراد الطيبين ذوي الفطر السليمة في العالم الذين أضناهم الحرمان من الهدى، فاهتموا بالإسلام دراسة واستعدادًا لاعتناقه فمنهم من اعتنقه، ومنهم من نسأل الله أن يشرح صدره للإسلام.
لا نسأل عن اهتمام هؤلاء؛ لأنه اهتمام طبيعي وسيتزايد مع تزايد حاجة الناس إلى الهدى وتزايد نشاط الدعاة وتزايد الإعلانات عن إفلاس المذاهب الأخرى.
الاهتمام المريب: هو اهتمام الذين لم يغيروا موقفهم من الإسلام، وفي نفس الوقت يريدون منه أن يتنازل لهم عن بعض مبادئه!!
اهتمام الاحتواء.. لا للإنعاش والإحياء، وإنما للتطويق والضرب والتعويق،
وتمثل هذا الاهتمام في عدة مظاهر نجملها فنضربها مثلا:
المؤتمر الإسلامي- المسيحي المنعقد بأسبانيا.
المؤتمر الإسلامي- المسيحي الذي سينعقد في تونس.
مؤتمر «مثقفي اليهودية والإسلام» الذي سيعقده سنغور في داكار.
مهرجان عالم الإسلام الذي سينعقد بلندن.
فيلم «محمد رسول الله» الذي نبتت فكرته في هوليود المؤسسة اليهودية الضخمة للسينما.
المؤتمر الإسلامي- الشيوعي الذي تزعم موسكو عقده قريبًا، ومهدت له بالاحتفال بذكرى الإمام البخاري.
والقائمون على هذه المؤتمرات نصارى، يعاونهم أناس ينتسبون إلى الإسلام ولم يعرفوا بالحزم في أمر العقيدة.
المؤتمر الاسلامي- المسيحي بأسبانيا يناقش تعايش الديانتين وتعاونهما، وإزالة التعصب، وتآخي الكنيسة مع المسجد الخ.
وقد مثل فيه نصارى رسمیون على مستوى وزراء، ففي الوفد المصري الذي ترأسه الدكتور عبد العزيز كامل- نائب رئيس الوزراء لشئون الأوقاف والأزهر- ، يوجد «ألبرت برسوم» وزير الدولة في مصر.
وجدول أعمال المؤتمر واتجاهاته تؤكد أن ظاهرة الاهتمام بالإسلام يقصد منها: نقض عقيدة الإسلام ونظرته إلى عقائد النصارى اليوم، فقد تركز جدول الأعمال على إزالة التعصب وتآخي المسجد والكنيسة، فالمسلمون يعتقدون- وفق تعاليم القرآن- أن النصرانية قد حرفت وأن التثليث كفر.
﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ ﴾
﴿لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ ﴾
ومستحيل أن يتآخى المسجد مع الكنيسة؛ لأن المسجد يقوم على التوحيد والكنيسة تقوم على الشرك.
هل المطلوب من المسلمين أن يتركوا نصوص قرآنهم في سبيل قرارات قوم يداهنون أهل الكتاب؟
هل المطلوب من المسلمين أن يصادروا معاني التوحيد في قلوبهم وينظروا إلى الكنيسة نظرة إعجاب وإكبار؟
إن هذا لن يكون أبدًا.
وهذا الشيء المستحيل لو فعله المسلمون لظل النصارى على بغضهم لنا حتى نحقق الشرط الأساسي في رضاهم عنا وهو ترك الإسلام.
والالتحاق بنصرانيتهم: ﴿وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ ﴾
الخلاف العقائدي الجوهري
التعنت منذ البداية بدأ من النصارى فقد كفروا برسالة نبينا محمد- صلى اللـه عليه و سلم- وظلوا على جحودهم حتى يومنا هذا.
وما لم يعترفوا بنبوة النبي ويؤمنوا برسالة الرسول، فإن كل كلام حول التعاون واللقاء يعتبر لغوًا وباطلًا وضلالًا.
من جانبنا لا نعاني أي مشكلة فنحن نؤمن بالمسيح- عليه السلام- وبرسالته التي تلقاها من ربه سبحانه، ولا يتم إيمان المسلم إلا إذا آمن بالمسيح وبرسالته الموحاه من الله.
المشكلة نابعة منهم.. وعليهم أن يحلوها اولًا.
ونسأل هؤلاء «المسلمين» الذين يدعون تسامحًا لا يقوم على أساس صحيح..
أليس من القسوة على الناس أن يتركوا في ضلالهم دون المصارحة بالحقيقة.. والمواجهة بالحق؟
الواقع الظالم
بينما المؤتمر منعقد، وبالتحديد يوم ١٣/٩/١٩٧٤ صرح الأسقف «جوزيف رايا» -مطران الروم الكاثوليك في حيفا- في حديث نشرته صحيفة «جيروزاليم توست»، وقال:« في اعتقادي إن القدس يجب أن تظل يهودية وينبغي ألا تتدخل أي سلطة دينية في هذه القضية طالما سمحت إسرائيل للمسيحيين والمسلمين واليهود بالصلاة في القدس».
هذا هو الموقف النصراني. ولقد جاء التصريح أثناء انعقاد المؤتمر حتى يعلم الساذجون حقيقة الموقف.
إن هذا الكاثوليكي يعلم أن اليهود قتلوا العرب وأخذوا أرضهم وقدسهم ومع ذلك يوجب«!!» بقاء القدس تحت السيطرة اليهودية.
ومن قديم اتخذوا هذا الموقف.
فالحروب الصليبية شنها ضدنا.. نصارى.
والاستعمار الذي احتل العالم الإسلامي.. هو استعمار نصراني.
والذي منح اليهود حقًا ليس لهم.. هم نصارى بريطانيا.
والذي دعم اليهود بالسلاح والمال والعلم.. هم نصارى أمریكا.
والقضية ليست محصورة في العرض التاريخي/ فإن الواقع يموج موجًا بظلم النصارى للمسلمين.
نصارى لبنان نسوا أنهم يعيشون في القرن العشرين- قرن العلم والإحصاء- ورفضوا أن يجري إحصاء شامل في لبنان مخافة أن يظهر حجم المسلمين الذي يمثل ٦٨ % من سكان لبنان.
ورئاسة الجمهورية محصورة في المارون.. محجوبة عن المسلمين.
ومناصب الجيش والأجهزة الحساسة والمرافق المهمة لا يظفر المسلمون بربع عشرها.. وهم الأكثرية الساحقة.
في الفلبين، يطرد المسلمون من أرضهم ويقتلون وتدك مساجدهم وتنهب خيراتهم على يد الكاثوليكي المتعصب ماركوس.
في تشاد، أقلية نصرانية تحكم وتتسلط على الأغلبية المسلمة.
في السنغال، حفنة من النصارى تحكم شعبًا مسلمًا.
في الحبشة، بلغت نسبة المسلمين٧٠ % من مجموع السكان والنصارى هناك هم الذين يسيطرون على كل شيء.
وحركة التنصير لا تزال تمارس على أوسع نطاق، في إندونيسيا ومصر والسودان والخليج العربي، واليمن والأردن والمغرب وباکستان وأفغانستان وتونس، وفي العالم الإسلامي كله تقريبًا.
وهذه الحركة تنبعث من الاعتقاد بأن المسلمين كفار يجب هدايتهم!
والاعتقاد بأن المسلمين كفار ينبثق من عقيدة أخرى: هي أنه ليس هناك نبي جاء بعد عيسى، ولذلك نكرر القول بأن اعترافهم وإيمانهم بنبوة محمد ضروري في إيقاف حركة التنصير الشريرة.
مظاهر التعصب عندهم
واستقرار هذه المظاهر يحتاج لمجلدات.
نذكر الآن بعض هذه المظاهر.
في أزمة قبرص.. طفق النصارى في الصحافة العربية والأجنبية يشتمون مسلمي تركيا، ويطالبون العالم النصراني بإنقاذ نصارى قبرص.
وتبنت جريدة«النهار» حملة تشويه ضد الأتراك ودعت إلى موقف ماروني/ لبناني؛ لإنقاذ المارون في قبرص.
قبل دخول أحد القساوسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، انتشرت دعاية واسعة حول ما يسمى بكفاح النصارى في سبيل فلسطين.
اغتيل كمال ناصر، واغتيل معه كمال عدوان ومحمد يوسف النجار.
لكن الإعلام النصراني أهمل الأخيرين، وأشاد بالأول واحتفل به لماذا؟..
لأن الأول نصراني والآخرين مسلمان؟!
واعتقال كبوجي اتخذ منه النصارى مادة غزيرة لعرض بطولات القساوسة.
ولا نناقش اللحظة الهدف من وراء هذا التلميع وهو: تضخيم دور النصارى حتى إذا جاء يوم الغنائم طالبوا بما ليس لهم.
لا نناقش هذا الآن؛ لأنه يحتاج إلى مقال مفرد، القصد من استعراض النماذج الآنفة تذكير الغافلين والساذجين من المسلمين بأن الناس لا ينسون عقائدهم ولا هوياتهم.
الرابط المختصر :
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل