الثلاثاء 07-يوليو-1970
عقيدة أو لا عقيدة؟! سؤال حائر في أفكار الشباب وفي ضمائرهم، ما قيمة العقيدة؟ ما دورها في الحياة؟ هل يمكن أن يكون لها اليوم دور في عصر الآلة والإنتاج الكبير؟
إن الشباب دفعته الحياة الجارفة وطاقتها المذخورة. ولكنه كذلك ذخيرة خطرة حين ينحرف عن طريقه ويضل عن الهدف المنشود.
والضلال الأكبر الذي يشمل هذا الجيل من البشرية هو استغلال روحه عن العقيدة، وانطماس بصيرته أن تستمتع بنورها الشفيف. كذلك كان الناس في الجاهلية الأولى.
والجاهلية الجديدة أشد عتوا لأنها أشد قوة! إنها تملك من وسائل التحطيم ما لم يخطر من قبل على ذهن بشر. لذلك فهي أشد اعتزازًا بباطلها المضحك، وأشد ضلالًا من السابقين.
إن الجاهلية الثانية تقوم على ركيزة هائلة من «الحق» هي ركيزة العالم. ولكنه حق یراد به باطل.
العلم حقيقة محايدة، لا تؤدي بذاتها إلى الخير أو الشر، ولا تؤدي بذاتها إلى الهدى أو الضلال. ولكن القلب الذي يستخدم هذه الحقيقة هو الخير أو الشرير. ومن الناس «من أضله الله على علم». وهو أخطر ممن ضل على جهالة. وهذا الجيل من البشرية ربما كان أبعد أجيالها في الضلال، لأنه أشدها ضلالًا «على علم» وأقدرها على استخدام العلم في طريق الشر. وما هذه الحروب التي تهدد العالم بالفناء؟
يقولون لك إنه الصراع، صراع الحياة، أو صراع البقاء.
نعم، ولكنه في الواقع هو الضلال الذي يؤدي إلى الصراع. لو أفلت نظام الكون، لو انحلت الرابطة التي تربط کوکبًا بكوکب، وتسيير الأفلاك في الكون العريض، كيف يحدث؟
لو أفلت نظام الذرة، وهي البنية التي يقوم عليها الكون، لو تفتت نواة الذرة التي تمسك حولها الكهارب المنطلقة في نشاط دائم، كيف يحدث؟
هل يحدث إلا الفوضى المدمرة والضلال الرهيب.
وهل يمكن أن تكون النواة في الكيان البشري غير العقيدة؟ وحين تتحطم الذرة يحدث الخراب تنطلق القوى التي كانت خيرة منذ لحظة، لأنها كانت -وهي مشدودة إلى النواة- تمثل النشاط الدائب الذي يعمل للبناء. تنطلق هذه القوى بلا ضابط، فتصبح هي قوى الشر وعوامل التدمير! وكذلك الإنسان بلا عقيدة! كتلة هائلة من النشاط المجنون. نشاط مدمر لأنه فقد المركز الذي يدور حوله، وفقد كذلك الرباط الوثيق بين أجزائه. وهذا هو الواقع الذي يعيش فيه البشر في القرن العشرين. فهل رأت البشرية في تاريخها الطويل من الانحلال الخلقي والتفاهة المشردة ما تراه اليوم في المراقص والحانات والغابات والطرقات، والصحف العارية والسينما المبتذلة و«الفن» الخليع؟ وهل رأيت من الواقع الآن في حياة البشرية من فساد وانحلال وصراع عنيف من أجل السلطان والغلبة؟ نعم. مر على البشرية من كل ذلك ألوان. ولكنها لم تبلغ قط في حدتها وضرورتها ما بلغته في هذا الجيل. هو هكذا المخلوق البشري حين ينحل رباطه ويختل توازنه. هو هكذا يصبح قطعة من الشر، وصنوا للشيطان.
فليس هنالك عقيدة. وحين يفقد الإنسان العقيدة فهكذا يصير، ضراوة الوحش وتفاهة الانحلال.
صلاح سيد
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
التفسير العلمي للقرآن.. هــل يتحقق الإعجاز القرآني بالإعجاز العلمي؟
نشر في العدد 12
31
الثلاثاء 02-يونيو-1970