العنوان في السياسة الشرعية- الحلقة «٢٩»
الكاتب د. عبد الله فهد النفيسي
تاريخ النشر الثلاثاء 11-مايو-1982
مشاهدات 9
نشر في العدد 570
نشر في الصفحة 25
الثلاثاء 11-مايو-1982
النضال السياسي المتفاعل مع قضايا المرحلة الحيوية «٥»
بالإضافة إلى التصدي العلني للطاغوت والظلم وأهله والانحياز الدائم للمستضعفين والفقراء والمساكين والمضطهدين، يتسم النضال السياسي المستقى من كتاب الله وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم- بالتفاعل الحي مع القضايا المطروحة في المرحلة المعنية. فلم يكن رسل الله إلا بشر مثلنا، يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ويشترون ويبيعون ويتزوجون النساء وينتصرون أحيانًا ويهزمون أخرى أي أنهم يعيشون حياتهم بطولها كما يعيش باقي البشر ولأنهم كذلك فقد تفاعلوا مع قضايا مجتمعاتهم وكان نضالهم وجهادهم دائمًا ينطلق من واقع تلك المجتمعات لا من نظرية محلقة في السماء لا يتمكن إلا القليل من الناس وعيها وإدراك أبعادها. ولعل هذه الواقعية هي التي برهنت للناس- عموم الناس- على جدية هذه الرسالات في التصدي لمشاكل الإنسان في كل عصر، والناس في كل عصر قلما يتفاعلون مع «النظريات والأفكار» بقدر ما يتفاعلون مع «المواقف». والحديث الطويل العريض عن العدالة والقسط يغني عنه موقف واحد أو وقفة واحدة مع مظلوم واحد، لأن تلك الوقفة هي المحك العملي لمصداقية الدعوة من أجل العدالة والقسط ولقد كان رسل الله أصحاب مواقف لا أصحاب نظريات وأفكار ومن هنا صار الناس يتعلقون بهم ويؤمنون بهم. هذه الواقعية الجدية التي دائمًا تتبدى على شكل موقف جدي مع العدل وضد الظلم ومع الاستقامة وضد الاعوجاج ومع الطهارة وضد الارتكاس ومع القوة والتماسك والنظافة وضد الضعف والرهل والقذارة، أقول هذه الواقعية الجدية هي التي أدخلت الناس في دين الله أفواجًا.
﴿وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ۚ إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍ﴾ (هود: 84)
﴿إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ﴾ (سورة طه: 47).
﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ تَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ، وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾ (الشعراء: 160-166)
نلاحظ أن دعوة شعيب كانت موجهة ضد جشع التجار وضد أشكال الدناءة التجارية التي كانت شائعة فيهم وما زالت شائعة في كثير من المجتمعات العصرية التجارية. فدعوة شعيب لم تكن دعوة مجردة إنما جاءت باسم الله لتحارب واقعًا اقتصاديًا يقوم على الاستغلال والدناءة والابتزاز.
ودعوة موسى- عليه السلام- كانت موجهة ضد الطاغوت والتسلط والعجرفة التاريخية التي كان يمثلها فرعون وما أكثر فراعنة عصرنا هذا. يأتي موسى- رسولًا من الله- ويقول لفرعون ارفع يدك عن هؤلاء المستضعفين.
ودعوة لوط كانت مرتبطة بواقع اجتماعي منحل جاء لوط باسم الله ليهاجمه ويعلن المفاصلة معه.
هكذا يقف أنبياء الله ورسله صفًا واحدًا معارضًا لجشع التجار وطغيان الساسة وتحلل المتحللين. كان إذن النضال الكبير الذي قاده رسل الله ضد الظواهر السلبية في حياة الإنسان مرتبطًا بقضايا فعلية تعيشها المجتمعات وأوضاع مريضة يكتوي بها أهل القاع الاجتماعي، وكان نضالًا حيًا متحركًا جادًا ذو بعد إنساني كبير.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكللماذا لا تتخذ الإجراءات الوقائية لاجتثاث أسباب الانحراف الخلقي؟
نشر في العدد 251
10
الثلاثاء 27-مايو-1975
A Nation at Risk (4) أمة في خطر (٤) نصيحة لـ : THINK TANKS
نشر في العدد 1152
15
الثلاثاء 06-يونيو-1995