; A Nation at Risk (4) أمة في خطر (٤) نصيحة لـ : THINK TANKS | مجلة المجتمع

العنوان A Nation at Risk (4) أمة في خطر (٤) نصيحة لـ : THINK TANKS

الكاتب محمد الراشد

تاريخ النشر الثلاثاء 06-يونيو-1995

مشاهدات 15

نشر في العدد 1152

نشر في الصفحة 17

الثلاثاء 06-يونيو-1995

الميليشيات المسلحة المتطرفة في الولايات المتحدة تتكئ في شرعيتها على التعديل الثاني الذي أجري على الدستور الأمريكي، حيث أضيفت مادة إلى هذا الدستور من خلال وثيقة الحقوق التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الدستور الأمريكي، والتي أقرت في الخامس عشر من ديسمبر من عام 1791م، هذه المادة تقول: «حيث إن وجود ميليشيات حسنة التنظيم ضروري لأمن أية ولاية حرة، فإنه لا يجوز التعرض لحق الناس في اقتناء أسلحة وحملها». 

وتمنع هذه المادة حكومة الولايات المتحدة من تقييد حق حمل السلاح، وقد اعتُمد هذا التعديل لكي لا يتمكن الكونجرس من نزع سلاح الميليشيات التابعة للولايات.

لقد كان الاختلاف واضحًا منذ أن وضع الآباء المؤسسون - كما يسميهم الأمريكيون - وثيقة الدستور الأمريكي «التي تحوي سبع مواد فقط» في 17 سبتمبر 1787م، وذلك بعد نيل الولايات استقلالها خلال الحرب الثورية (1775- 1783)، وكان لب الاختلاف يتركز في سعة الحقوق التي تمنح للشعب الأمريكي في حينها، وقد بذل في حينها مجموعة من هؤلاء جهودًا مضنية للاتحاد وإصدار الدستور، منهم جورج واشنطن - قائد القوات البرية في حرب الاستقلال، وأول رئيس للولايات المتحدة ورئيس أول مؤتمر وطني يضع وثيقة الدستور- وأليكساندر هاملتون، وجيمس ماديسون «الذي يسميه الأمريكيون أبو الدستور»، الذي أصبح فيما بعد رابع رئيس للولايات المتحدة، وويليام جاكسون أمين عام المؤتمر الوطني الذي أقر الدستور، وعوفير نور موريس الذي صاغ الدستور.

لقد كان الاختلاف واضحًا بين مندوبي الولايات، حيث نشأت معارضة قوية ومنظمة للدستور في ولايتين رئيستين هما «نيويورك وفرجينيا» وأعرب زعماء مثل البريدج جيري، وباتريك هنري، وريتشارد هنري لي، وجورج ماسون، عن معارضتهم للمصادقة على الدستور، وكان الاعتراض ينصب على عدم شمول الدستور لوثيقة حقوق، وعلى تميز الطبقة الأرستقراطية لمجلس الشيوخ، حيث منح الدستور الكونجرس والحكومة القومية سلطات مفرطة، ونشأت معركة سياسية وإعلامية بين المؤيدين الفيدراليين والمعارضين «المناوئين للفيدراليين»، وقد تطور الجانبان لينشأ منهما أكبر وأول حزبين سياسيين في الولايات المتحدة، ولم يتم لم شمل جميع الولايات في حينها (12 ولاية) إلا بعد أن وافق الكونجرس على إضافة وثيقة الحقوق إلى الدستور في 15 ديسمبر من عام 1791م، أي بعد إقرار وثيقة الدستور بثلاث سنوات وبحلول عام 1982م، كان هناك (26) تعديلًا على الدستور. 

وإذا عدنا إلى مقدمة موضوعنا حول المادة التي تجيز للناس في الولايات المتحدة حمل السلاح وتشكيل الميليشيات، فإن محاولة تعديل هذه المادة بعد الأحداث الأخيرة ستشكل في اعتقادي مخاطر بالغة اجتماعية وسياسية على الولايات المتحدة، وسوف تتصدى الحكومة والكونجرس لمعارضة شديدة من مجموعات ضغط مختلفة «الحقوق المدنية - تجار السلاح - مؤيدو الحقوق والدستور - الميليشيات المتطرفة».

ويمكن الاعتبار من تجربة حظر المشروبات الكحولية عام 1919م عندما وافق الكونجرس على التعديل الثامن عشر، والذي يحظر إنتاج أو بيع أو نقل المشروبات الكحولية المسكرة داخل الولايات المتحدة، وجميع المناطق الخاضعة لسلطاتها، أو تصديرها أو استيرادها لغرض تعاطيها للشراب، لكن ماذا حدث بعد أن نفذ التعديل؟ جوبه هذا التعديل بمعارضة شديدة مع تكاليف باهظة في الأرواح والأموال والممتلكات إلى أن تراجع الكونجرس وألغى هذا التعديل في الخامس من ديسمبر 1933م من خلال التعديل الحادي والعشرين للدستور.

إن كثيرًا من القضايا الاجتماعية لا يمكن حلها بتعديلات قانونية أو دستورية، فالنفس البشرية من طبيعتها أن تجنح للخروج عن القيود والنظم والقوانين، لكن المسلمين الأوائل عندما حرم الله عليهم الخمر في قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ﴾ (سورة المائدة: 90) كانت بسبب آية واحدة «مادة في الدستور الإلهي» رقمها 90 في سورة المائدة، حيث تم سكب جميع الخمور في طرق المدينة المنورة حتى غدت كالسيول، ثم انتهى الجميع عن الخمر. 

يمكن للولايات المتحدة العظمى أن تستفيد من تجربة المسلمين في علاج الكثير من المشاكل الاجتماعية والروحية، وأن لا تأنف الولايات العظمى من الاستفادة من دستور المسلمين القرآن الكريم في علاج أمراضها الروحية والأخلاقية والاجتماعية، وتجربة علاج المدمنين من المخدرات في السجون الأمريكية وتطهير أخطر أحياء نيويورك والتي قامت بها المؤسسات الإسلامية حية وملموسة، كما ساعدت تلك التجربة في تحسين ومعالجة ما لا يقل عن 100.000 سجين، بعضهم أسلم، ومنهم الملاكم مايك تايسون، وقد أشادت المؤسسة القومية لعلاج الإدمان في الولايات المتحدة بموقف الإسلام من إدمان المخدرات.

في اعتقادي أن الدبلوماسية الأمريكية تستطيع أن تتصل في داخل الولايات المتحدة أو خارجها بالمراكز والمؤسسات الإسلامية للاستفادة من تجاربها في إنجاز تحول اجتماعي يساعد على تماسك المجتمع الأمريكي، ويمكن تشغيل مجموعات «Think Tanks » ليس فقط في الدراسات الاستراتيجية والسياسية وإنما أيضًا في دراسة المشكلات الاجتماعية في المجتمع الأمريكي. 

ويمكن للسفارة الأمريكية في الكويت أن تجد كل عون من لجان عديدة وكثيرة على رأسها: اللجنة الاستشارية الأميرية لتهيئة الأجواء لتطبيق الشريعة الإسلامية، وذلك في إمدادها بكل معونة في هذا الجانب، عدا المرجعيات المؤسسية في العالم الإسلامي. 

ربما تنتبه الولايات المتحدة لهذه النداءات وتجتاز عقدة التفوق الآسرة لها قبل فوات الأوان.

 

الرابط المختصر :