; في ظلال القرآن | مجلة المجتمع

العنوان في ظلال القرآن

الكاتب الأستاذ سيد قطب

تاريخ النشر الثلاثاء 21-مارس-1978

مشاهدات 12

نشر في العدد 391

نشر في الصفحة 47

الثلاثاء 21-مارس-1978

  • وقفة مع خواطر آية..

قال تعالى ﴿ مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (فاطر: 2)

حين تستقر هذه الصورة في قلب بشري يتم فيه تحول كامل في تصوراته ومشاعره واتجاهاته وموازينه وقيمه في هذه الحياة جميعًا.

إنها تقطعه عن شبهة كل قوة في السماوات والأرض وتصله بقوة الله، وتيئسه من مظنة كل رحمة في السماوات والأرض وتصله برحمة الله وتوصد أمامه كل باب في السموات والأرض وتفتح أمامه باب الله. وتغلق في وجهه كل طريق في السموات والأرض وتشرع له طريقه إلى الله.

وما من نعمة - يمسك الله معها رحمته - حتى تنقلب هى بذاتها نقمة، وما من جنة - تحفها رحمة الله – حتى تكون هي بذاتها نعمة- ينام الإنسان على الشوك - مع رحمة الله – فإذا هو مهاد وينام على الحرير - وقد أمسكت عنه – فإذا هو شوك القتاد، ويعالج أعسر الأمور - برحمة الله - فإذا هي هوادة ويسر ويعالج أيسر الأمور وقد تخلت رحمة الله - فإذا هي مشقة وعسر. ويخوض بها المخاوف والأخطار فإذا هي أمن وسلام. ويعبر بدونها المناهج والمسالك فإذا هي مهلكة وبوار.

ولا ضيق مع رحمة الله، إنما الضيق في إمساکها دون سواه. لا ضيق ولو كان صاحبها في غياهب السجن، أو في جحيم العذاب أو في شعاب الهلاك، ولا سعة مع إمساكها ولو تقلب الإنسان في أعطاف النعيم، وفي مراتع الرخاء فمن داخل النفس، برحمة الله، تنفجر ينابيع السعادة والرضى والطمأنينة، ومن داخل النفس مع إمساكها تدب عقارب القلق والتعب والنصب والكد والمعاناة.

هذا الباب وحده يفتح وتغلق جميع الأبواب وتوصد جميع المنافذ، وتسد جميع المسالك.. فلا عليك فهو الفرج والسعة واليسر والرخاء وهذا الباب وحده يغلق وتفتح جميع الأبواب والنوافذ والمسالك فما هو بنافع. وهو الضيق والكرب والشدة والقلق والعناء.

 هذا الفيض يفتح ثم يضيق الرزق، ويضيق السكن، ويضيق العيش وتخشن الحياة ويشوك المضجع.. فلا عليك، فهو الرخاء والراحة والطمأنينة والسعادة، وهذا الفيض يمسك ثم يفيض الرزق ويقبل كل شيء فلا جدوى، وإنما هو الضنك والحرج والشقاوة والبلاء..

ثم إنه متى فتح الله أبواب رحمته فلا ممسك لها. ومتى أمسكها فلا مرسل لها، ومن ثم فلا مخافة من أحد. ولا رجاء في أحد. ولا مخافة من شيء، ولا رجاء في شيء. ولا خوف من فوات وسيلة، ولا رجاء مع الوسيلة، إنما هي مشيئة الله. ما يفتح الله فلا ممسك. وما يمسك الله فلا مرسل. والأمر مباشرة إلى الله.. - وهو العزيز الحكيم -.. يقدر بلا معقب على الإرسال والإمساك، ويرسل ويمسك وفق حكمة تكمن وراء الإرسال والإمساك.

 أية طمأنينة، أي قرار؟ وأي وضوح في التصورات والمشاعر والقيم والموازين تقره هذه الآية في الضمير؟

 وتنشىء في الشعور قيمًا لهذه الحياة ثابتة، و موازين لا تهتز ولا تتأرجح بالمؤثرات كلها، ذهبت أم جاءت كبرت أم صغرت جلت أم هانت.

كان مصدرها الناس أم الأحداث أم الأشياء.

 صورة واحدة لو استقرت في قلب انسان لصمد كالطود للأحداث والأشياء والأشخاص والقوى والقيم والاعتبارات ولو تضافر عليها الإنس والجن..

وهم لا يفتحون رحمة الله حين يمسكها، ولا يمسكونها حين يفتحها .. - وهو العزيز الحكيم.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

لقلبك وعقلك

نشر في العدد 12

26

الثلاثاء 02-يونيو-1970

لقلبك وعقلك - العدد 11

نشر في العدد 11

28

الثلاثاء 26-مايو-1970

لقلبك وعقلك.. العدد 13

نشر في العدد 13

27

الثلاثاء 09-يونيو-1970