; في وثيقة مفصلة الأزهر يفتي: لا يجوز الصلح مع العدو الصهيوني | مجلة المجتمع

العنوان في وثيقة مفصلة الأزهر يفتي: لا يجوز الصلح مع العدو الصهيوني

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 19-يوليو-1977

مشاهدات 15

نشر في العدد 359

نشر في الصفحة 12

الثلاثاء 19-يوليو-1977

اجتمعت لجنة الفتوى بالجامع الأزهر في يوم الأحد  18 جمادى الأولى سنة 1375 الموافق أول يناير سنة 1956 برئاسة السيد صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ حسنين محمد مخلوف، عضو جماعة كبار العلماء ومفتي الديار المصرية سابقًا، وعضوية السادة أصحاب الفضيلة الشيخ عيسى منون، عضو جماعة كبار العلماء وشيخ كلية الشريعة سابقًا الشافعي المذهب، والشيخ محمود شلتوت، عضو جماعة كبار العلماء الحنفي المذهب، والشيخ محمد الطنيخي، عضو جماعة كبار العلماء ومدير الوعظ والإرشاد المالكي المذهب، والشيخ محمد عبد اللطيف السبكي، عضو جماعة كبار العلماء ومدير التفتيش بالأزهر الحنبلي المذهب، وبحضور الشيخ زكريا البري، أمين الفتوى، ونظرت في الاستفتاء الآتي وأصدرت فتواها بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد؛ فقد اطلعت لجنة الفتوى بالأزهر الشريف على الاستفتاء المقدم إليها عن حكم الشريعة الإسلامية في إبرام الصلح مع «إسرائيل» التي اغتصبت فلسطين من أهلها وأخرجتهم من ديارهم وشردتهم نساء وأطفالًا و شيبًا وشبانًا في آفاق الأرض و استلبت أموالهم واقترفت أفظع الآثام في أماكن العبادة والآثار والمشاهد الإسلامية المقدسة وعن حكم التواد والتعاون مع دول الاستعمار التي ناصرتها وتناصرها في هذا العدوان الأثيم وأمدتها بالعون السياسي والمادي لإقامتها دولةيهودية في هذا القطر الإسلامي بين دول الإسلام وعن حكم الأحلاف التي تدعو إليها دول الاستعمار والتي من مراميها تمكين «إسرائيل» من البقاء في أرض فلسطين لتنفيذ السياسة الاستعمارية وعن واجب المسلمين حيال فلسطين وردها إلى أهلها وحيال المشروعات التي تحاول «إسرائيل» ومن ورائها الدول الاستعمارية أن توسع بها رقعتها وتستجلب بها المهاجرين إليها وفي ذلك تركيز لكيانها وتقوية لسلطانها مما يضيق الخناق على جيرانها ويزيد في تهديدها لهم ويهيئ للقضاء عليهم.

وتفيد اللجنة أن الصلح مع «إسرائيل» كما يريد الداعون إليه لا يجوز شرعا لما فيه من إقرار الغاصب على الاستمرار في غصبه والاعتراف بحقية يده على ما اغتصبه وتمكين المعتدي من البقاء على عدوانه وقد أجمعت الشرائع السماوية والوضعية على حرمة الغصب ووجوب رد المغصوب إلى أهله، وحث صاحب الحق على الدفاع والمطالبة بحقه ففي الحديث الشريف «من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون عرضه فهو شهيد» وفي حديث آخر «على اليد ما أخذت حتى ترد» فلا يجوز للمسلمين أن يصالحوا هؤلاء اليهود الذين اغتصبوا أرض فلسطين، واعتدوا فيها على أهلها وعلى أموالهم: على أي وجه يمكن لليهود من البقاء كدولة في أرض هذه البلاد الإسلامية المقدسة، بل يجب عليهم أن يتعاونوا جميعا على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأجناسهم لرد هذه البلاد إلى أهلها، وصيانة المسجـد الأقصى مهبط الوحي ومصلى الأنبياء الذي بارك الله حوله وصيانة الآثار والمشاهد الإسلامية، من أيدي هؤلاء الغاصبين، وأن يعينوا المجاهدين بالسلاح وسائر القوى على الجهاد في هذا السبيل، وأن يبذلوا كل ما يستطيعون حتى تطهر البلاد من آثار هؤلاء الطغاة المعتدين، قال تعالى ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾ (الأنفال: 60).

ومن قصر في ذلك، أو فرط فيه، أو خذل المسلمين عنه، أو دعا إلى ما من شأنه تفريق الكلمة وتشتيت الشمل والتمكين لدول الاستعمار من تنفيذ خططهم ضد العرب والإسلام وضد هذا القطر العربي الإسلامي فهو في «حكم الإسلام» مفارق جماعة المسلمين ومقترف أعظم الآثام. كيف ويعلم الناس جميعًا أن اليهود يكيدون للإسلام وأهله ودياره أشد الكيد منذ عهد الرسالة إلى الآن،

 وأنهم يعتزمون أن لا يقفوا عند حد الاعتداء على فلسطين والمسجد الأقصى، وإنما تمتد خططهم المدبرة إلى امتلاك البلاد الإسلامية الواقعة بين نهري النيل والفرات وإذا كان المسلمون جميعًا في الوضع الإسلامي. وحدة لا تتجزأ بالنسبة إلى الدفاع عن بيضة الإسلام، فإن الواجب شرعا أن تجتمع كلمتهم لدرء هذا الخطر والدفاع عن البلاد واستنقاذها من أيدي الغاصبين قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران: 103).

وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (التوبة: 111).

 وقال تعالى ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ (النساء: 76).

 وأما التعاون مع الدول التي تشد أزر هذه الفئة الباغية، وتمدها بالمال والعتاد، وتمكن لها من البقاء في هذه الديار، فهو غير جائز شرعًا، لما فيه من الإعانة لها على هذا البغي والمناصرة لها في موقفها العدائي ضد الإسلام ودياره.. قال تعالى 

﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (الممتحنة: 9)،

  وقال تعالى: ﴿لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (المجادلة: 22).

وقد جمع الله سبحانه في آية واحدة جميع ما يتخيله الإنسان من دوافع الحرص على قراباته وصلاته وعلى تجارته التي يخشى كسادها بمقاطعة الأعداء، وحذر المؤمنين من التأثر بشيء من ذلك واتخاذه سببا لموالاتهم فقال تعالى: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ (التوبة: 24)، ولا ريب أن مظاهرة الأعداء وموادتهم يستوي فيها إمدادهم بما يقوي جانبهم ويثبت أقدامهم بالرأي والفكرة وبالسلاح والقوة، سرًا وعلانية مباشرة وغير مباشرة وكل ذلك مما يحرم على المسلم مهما تخيل من أعذار ومبررات. ومن ذلك يعلم أن هذه الأحلاف ـ التي تدعو لها الدول الاستعمارية، وتعمل جاهدة لعقدها بين الدول الإسلامية ابتغاء الفتنة وتفريق الكلمة، والتمكين لها في البلاد الإسلامية، والمضي في تنفيذ سياستها حيال شعوبها - لا يجوز لأي دولة إسلامية أن تستجيب لها وتشترك فيها، لما في ذلك من الخطر العظيم على البلاد الإسلامية، وبخاصة فلسطين الشهيدة التي سلمتها هذه الدول الاستعمارية إلى الصهيونية الباغية نكاية في الإسلام وأهله وسعيا لإيجاد دولة لها وسط البلاد الإسلامية، لتكون تكأة لها في تنفيذ مآربها الاستعمارية الضارة بالمسلمين في أنفسهم وأموالهم وديارهم، وهي في الوقت نفسه من أقوى مظاهر الموالاة المنهي عنها شرعا والتي قال الله تعالى فيها ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾، وقد أشار القرآن الكريم إلى أن موالاة الأعداء إنما تنشأ عن مرض في القلوب يدفع أصحابها إلى هذه الذلة التي تظهر بموالاة الأعداء فقال تعالى: ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾ (المائدة: 52).

- وكذلك يحرم شرعًا على المسلمين أن يمكنوا «إسرائيل» ومن ورائها الدول الاستعمارية التي كفلت لها الحماية والبقاء - من تنفيذ تلك المشروعات التي لا يراد بها إلا ازدهار دولة اليهود وبقاؤها في رغد من العيش وخصوبة في الأرض حتى تعيش كدولة تناوئ العرب والإسلام في أعز دياره، وتفسد في البلاد أشد الفساد، وتكيد للمسلمين في أقطارهم، ويجب على المسلمين أن يحولوا بكل قوة دون تنفيذها، ويقفوا صفًا واحدًا في الدفاع عن حوزة الإسلام وفي إحباط هذه المؤامرات الخبيثة التي من أولها هذه المشروعات الضارة، ومن قصر في ذلك أو ساعد على تنفيذها أو وقف موقفًا سلبيًا منها، فقد ارتكب إثمًا عظيمًا وعلى المسلمين أن ينهجوا نهج الرسول صلى الله عليه وسلم ويقتدوا به - وهو القـدوة الحسنة - في موقفه من أهل مكة وطغيانهم بعد أن أخرجوه ومعه أصحابه - رضوان الله عليهم من ديارهم وحالوا بينهم وبين أموالهم وإقامة شعائرهم، ودنسوا البيت الحرام بعبادة الأوثان والأصنام، فقد أمره الله تعالى أن يعد العدة لإنقاذ حرمه من أيدي المعتدين، وأن يضيق عليهم سبل الحياة التي بها يستظهرون، فأخذ عليه الصلاة والسلام يضيق عليهم في اقتصادياتهم التي عليها يعتمدون، حتى نثبت بينه وبينهم الحروب، واستمرت رحى القتال بين جيش الهدى وجيوش الضلال، حتى أتم الله عليه النعمة، وفتح على يديه مكة، وقد كانت معقل المشركين، فأنقذ المستضعفين من الرجال والنساء والولدان، وطهر بيته الحرام من رجس الأوثان، وقلم أظافر الشرك والطغيان وما أشبه الاعتداء بالاعتداء، مع فارق لا بد من رعايته، وهو أن مكة كان بلدًا مشتركًا بين المؤمنين والمشركين، ووطنًا لهم أجمعين، بخلاف فلسطين، فإنها ملك للمسلمين، وليس لليهود فيها حكم ولا دولة، ومع ذلك أبى الله تعالى ألا أن يظهر في مكة الحق ويخذل الباطل ويردها إلى المؤمنين، ويقمع الشرك فيها والمشركين، فأمر سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بقتال المعتدين  ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ﴾ (البقرة: 191) والله سبحانه وتعالى نبه المسلمين على رد الاعتداء بقوله ﴿فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ﴾ (البقرة: 194) ومن مبادئ الإسلام محاربة كل منكر يضر العباد والبلاد، وإذا كانت إزالته في كل حال، فهي في حالة هذا العدوان أوجب وألزم فإن هؤلاء المعتدين لم يقف اعتداؤهم عند إخراج المسلمين من ديارهم وسلب أموالهم وتشريدهم  في البلاد، بل تجاوز ذلك إلى أمور تقدسها الأديان السماوية كلها وهي: احترام المساجد، وأماكن العبادة. وقد جاء في ذلك قوله تعالى ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (البقرة: 114).

أما بعد.. فهذا حكم الإسلام في قضية فلسطين وفي شأن «إسرائيل» والمناصرين لها من دول الاستعمار وغيرها. وفيما تريده «إسرائيل» ومناصروها من مشروعات ترفع من شأنها، وفي واجب المسلمين حيال ذلك تبينه لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، وتهيب بالمسلمين عامة أن يعتصموا بحبل الله المتين وأن ينهضوا بما يحقق لهم العزة والكرامة، وأن يقدروا عواقب الوهن والاستكانة أمام اعتداء الباغين وتدبير الكائدين، وإن أجمعوا أمرهم على القيام بحق الله تعالى وحق الأجيال المقبلة في ذلك إعزازا لدينه القويم نسأل الله أن يثبت قلوبهم على الإيمان به وعلى نصرة دينه، وعلى العمل بما يرضيه والله أعلم هذا نص الفتوى نقلناها بحروفها من المجلد السابع والعشرين من مجلة الأزهر ص 682 - 686 الجزء الصادر في غرة جمادى الآخرة عام 1375 في 14 يناير – كانون ثاني عــــــــــام 1956.

الرابط المختصر :