; قصة قصيرة .. صقـر البـحـار | مجلة المجتمع

العنوان قصة قصيرة .. صقـر البـحـار

الكاتب الأستاذ دواد سلمان العبيدي

تاريخ النشر الثلاثاء 12-أكتوبر-1971

مشاهدات 14

نشر في العدد 81

نشر في الصفحة 20

الثلاثاء 12-أكتوبر-1971

قصة قصيرة

صقـر البـحـار

بقلم الأستاذ داود سليمان العبيدي

 

كانت السفينة التي استولى عليها «أبو بكر إبراهيم بن أحمد» الملقب ب «صقر البحار» قد نشرت أشرعتها وأخذت تشق بمقدمتها صدر البحر المتوسط في طريقها إلى السفينة الإيطالية الكبيرة «جينو» والتي كانت تحمل عددًا كبيرًا من الجنود الطليان في طريقها إلى جزيرة صقلية وكان صقر البحار، الرجل المفتول العضل والشارب، يقف بقامته الطويلة في مقدمة السفينة، عاري الصدر، قد لفحت الشمس وجهه، وأرسل نظره يبحث عن السفينة الإيطالية التي بلغه أنها خرجت من مدينة نابولي وأنها في طريقها إلى جزيرة صقلية. وكان يبدو متلهفًا، يضرب بمقدمة أرض السفينة «اليرموك» حاثًا لها على الإسراع. وكان بقية الرجال على ظهر السفينة لا يقلون عنه رغبة.

كان صقر البحار قد أخذ على عاتقه حماية الساحل المغربي من غارات السفن الإسبانية والإيطالية، ولم يكتف بهذا، بل أخذ يهاجم هؤلاء في عقر دارهم، فيدمر سفنهم ويعرقل تقدمهم ويستولي على ما لديهم من سلاح ومؤن. ولم يعرف أحد من هؤلاء سر قوة هذا الرجل وحماسه المنقطع النظير، وانتصاراته المتلاحقة التي كان يحرزها!! كان يقف في مقدمة السفينة الإسبانية التي استولى عليها قبل يومين والتي أطلق عليها باسم «اليرموك» وكان يبدو رائعًا على العين بجسمه الدائم النشاط وفتوته وعصابته الحمراء التي ترفرف ذؤابتها والتي أطلق عليها اسم «عكاشة» تيمنًا باسم الصحابي ذي العصابة الحمراء.

قبل هذا التاريخ بعدة سنوات، كان أبو بكر إبراهيم بن أحمد، قد قدم من سفر طويل إلى بلدته «لمتونة»، وهناك اجتمع إلى صديقه الحميم محمد ابن عبد المغيث، الذي أخذ يحدثه عن الشيخ المبارك العالم الفقيه عبد الله ابن ياسين الذي أقبل من القيروان يحمل معه العلم والنور والحياة. وقد رأى هذا الشيخ أن الناس هناك لا يحملون من الإسلام إلا الاسم، وهم يخالفون الإسلام في جميع أعمالهم وتصرفاتهم.

حتى الخمر كان شائعًا فيهم ولا يعتقدون بتحريمه. فبدأ الشيخ بتعليم الناس، وبعد مدة رأى أن طريقته هذه لا تجدي كثيرًا، وأن الأفضل أن يعد رجالًا أقرباء فقهاء يحملون هذا الأمر ويبلغونه للناس.

 فانحاز إلى جزيرة على نهر السنغال وهناك أقام له رباطًا بل حصنًا لإعداد الرجال وثارت الرغبة في نفس أبي بكر، فوضع يده في يد صديقه، وذهب معه إلى الشيخ، فلما رآه الشيخ عبد الله بن ياسين نهض محتفلًا بقدومه وصافحه وهو يقول:

-مثلك يكون الرجال.

وأخذ الشيخ يعد هؤلاء الشباب الذين بلغوا الألف رجل، إعدادًا تربويًا وعلميًا ويدربهم على أعمال البطولة والفروسية، كما أراد الإسلام لأبنائه، وكما يجب أن يكون كل مسلم ينبض قلبه بالإيمان.

ولما انتهى الشيخ من إعدادهم وقف فيهم خطيبًا وقال:

-أخرجوا على بركة الله، وأنذروا قومكم.

وأقبل أبو بكر إبراهيم بن أحمد على الشيخ، وسأله:

-أين تأمرني أن أذهب؟

فنظر إليه الشيخ ساعة ثم قال:

-تأخذ معك عددًا من الرجال، الذين لهم علم بقيادة السفن والحرب في البحار، وتذهب للمحافظة على سواحل البلاد الإسلامية التي تمتد على طول الساحل الشمالي لإفريقيا.

 ثم أضاف الشيخ وهو يشير بيده:

-اذهب يا بني والله ناصرك ومؤيدك.

ومن يومها لمع اسم هذا البطل وارتفع، وتحاشته السفن الإسبانية والإيطالية التي كانت تشن الغارة على السواحل الإسلامية، ولم تعد تجرأ على الاقتراب منها.

وصرخ الصقر وهو يصر السفينة الإيطالية من بعيد:

-جينو...

فهتف الرجال بصوت واحد:

-الله أكبر... الله أكبر.

واندفعت اليرموك نحو السفينة الإيطالية، حتى إذا كانت قريبًا منها طوت أشرعتها ورفعت العلم الذي يلقي الرعب في قلوب الأعداء، صقر البحار. ودبت حركة الجنود الإيطاليين، وانفرط عقدهم عندما شاهدوا العلم يرتفع والسفينة نحوهم بقوة تتدفع. وصرخ بهم قائدهم أورلاندو يحثهم على الثبات. وقف صقر البحار والسيف في يده والعصابة الحمراء على رأسه، وصدره العريض الذي انتشرت عليه غابة من الشعر الأسود ويعلو ويهبط. وكان يردد بصوت خفيض: اللهم نصرك الذي وعدتنا.

ولما حاذت السفينةُ السفينةَ قفز صقر البحار إلى السفينة الإيطالية هاتفًا بأعلى صوته  «الله أكبر» واندفع الرجال وقد شق هتافهم أجواز الفضاء «الله أكبر» والتحموا مع الجنود الطليان في معركة ضارية، وشق صقر البحار طريقه إلى القائد الإيطالي والتحم معه بالسيف، وكانت الطيور تحلق فوق السفينة التي دارت على ظهرها المعركة كأنها تريد أن تشهد النهاية، كما شهدت البداية، والرياح بدأت تشتد والأمواج تعلو والمعركة قد حمى وطيسها، والجنود الطليان لم يتعودوا على هذا النوع من القتال العجيب، وكانت السيوف تلمع، والرجال تتساقط صرعى والقائدان في معركة عزم فيها كل منهم على القضاء على خصمه وأمام الضربات الهائلة نسي القائد الإيطالي فنون المبارزة وأساليب الفر والكر التي تعلمها في روما، وقفز على حاجز السفينة ثم ألقى بنفسه في البحر، ولم تستمر المعركة بعد ذلك طويلًا، فقد لقي الطليان أسلحتهم. وسجد أبو بكر، صقر البحار، شكرًا لله على هذا النصر، وأمر بإنزال العلم الإيطالي، وارتفع مكانه علم آخر، علم طالما دوخ الأعداء وألقى في قلوب قادتهم وجنودهم الرعب.

 

 

 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

الثَور الأبيَض

نشر في العدد 2

42

الثلاثاء 24-مارس-1970

النصر الأعظم

نشر في العدد 10

32

الثلاثاء 19-مايو-1970