; قوانين الأسرة بين ضعف النساء.. وعجز العلماء | مجلة المجتمع

العنوان قوانين الأسرة بين ضعف النساء.. وعجز العلماء

الكاتب المستشار سالم البهنساوي

تاريخ النشر الثلاثاء 04-نوفمبر-1975

مشاهدات 17

نشر في العدد 273

نشر في الصفحة 36

الثلاثاء 04-نوفمبر-1975

قوانين الأسرة بين ضعف النساء.. وعجز العلماء

تردد على لسان بعض السيدات اللاتي يشعرن أنهن في مواقع المسئولية، أن هدفهن وغايتهن تعديل قانون الأحوال الشخصية؛ لتحصل المرأة على ضمان عدم الطلاق، ولهذا فمطلبهن العادل كما صرحت إحداهن في المؤتمر العالمي للمرأة المنعقد في المكسيك والمنشور في صحف يوم 18-6-1975 هذا المطلب هو إلغاء الطلاق الذي يكون بناء على طلب من الزوج، وكذلك إلغاء تعدد الزوجات.

ولما كانت هذه الدعوة ليست في صالح المجتمعات البشرية عامة والإسلامية بصفة خاصة، كما أنها استسلام للغزو الفكري والمخطط الذي يهدف إلى القضاء على البقية الباقية من التشريع الإسلامي ألا وهي ما سمي بقانون الأحوال الشخصية، وذلك ليقترب الإسلام من التشريعات الغربية وليذوب تدريجيًّا في هذه المجتمعات، وذلك ليس تكهنًا مني، بل هو ما سطره سدنة الفكر الغربي، فمن ذلك ما سجله المستشرق الإنجليزي جب في كتابه- حيثما يتجه الإسلام- إذ قال: إن مستقبل التغريب- أي جعل الإسلام غريبًا أو حمل العالم الإسلامي على حضارة الغرب- لا يتوقف على هذه المظاهر الخارجية للتأثر والاقتباس، فهذه ليست إلا شيئا ثانويًّا، علينا أن نبحث عن الآراء الحديثة والحركات المستحدثة التي ابتكرت بدافع من التأثير بالأساليب الغربية، بعد أن تهضم وتصبح جزءًا من كيان هذه الدول الإسلامية، ثم يقول: والمدارس والمعاهد ليست إلا خطوة أولى في الطريق، يجب أن يكون الاهتمام الأكبر منصرفًا إلى خلق رأي عام، والسبيل إلى ذلك هو الاعتماد على الصحافة، ثم يقول: إلى عهد قريب لم يكن للمسلم من عامة الناس من أدب إلا الأدب الديني، ولم يكن ينظر إلى العالم الخارجي إلا بمنظار الدين، أما الآن فلم يعد مرتبطًا بالدين لأن وجهة نظر الدين لا تناقش علي الإطلاق، وأصبح الرجل من عامة المسلمين يرى أن الشريعة لم تعد هي الفصل فيما يعرض له من مشاكل، ثم يقول: إن نجاح التطور يتوقف إلى حد بعيد على القادة والزعماء في العالم الإسلامي، والشباب منهم خاصة.

وكما أن الاعتماد في ذلك على القادة والزعماء فهو أيضًا يعتمد على النساء، وهذا ما أفصح عنه مؤتمر جامعة برنستون الأمريكية الذي نشرت أعماله في كتاب العالم العربي اليوم للأستاذ مورو بيرجو، فمما جاء فيه أن نمو وضع النساء ومشاركتهن في الشئون العامة هو أخطر قوى التغيير، لا في الأسرة العربية وحدها، بل في المجتمع العربي على العموم فإن سمح للقوى التي حملت سلاحها الآن- أي النساء- أن تبرز إمكانياتها فما من شك أن مطامح النساء وحقوقهن سوف تحول المجتمع العربي عميقًا وبصورة أبدية.

لمَّا كان ذلك...

نسائل قومنا: هل تم وضع مشروعات القوانين من خلال الواقع لهذه الأمة على افتراض أنها أمة إسلامية؟ أم وضعت المشروعات لأمة لا دين لها، وبالتالي فيمكن أن تدخل التخطيطات الغربية والشرقية إلى قوانين الأسرة بدعوى الإصلاح والتجديد، كما دخلت على القوانين الأخرى من قبل والتي أدت إلى الازدواج في شخصية الأمة.

القانون والمشروع المصري

لما كانت أكثر الدول العربية تعاني من اختلال العلاقات الأسرية، وكان مشروع قانون الأحوال المصري على الأبواب، وكانت مصر هي المصدر الأكبر في التشريعات والعادات- ولهذا استغلها أكثر الدول العربية- فإننا نناقش بعض قواعد هذا القانون وبعض نصوص المشروع، في حالات طلب الطلاق العادية على المحكمة أن تعين حكمين للتوفيق بينهما ويكونان من أهل الزوجين، فإن كانت الإساءة من الزوج يقترح الحكمان الطلاق، وإن كان الزوج يطلب الطلاق بدون إساءة من الزوجة يرفض طلبه، وإذا كانت الإساءة من الزوجة تدفع قدرًا من المال يقرره الحكمان، وإذا كانت الإساءة مشتركة يقترح الحكمان التفريق.

فهذا المشروع بهذه الصورة قد أدخل أمرًا غريبًا على المجتمع الإسلامي، ألا وهو جعل الطلاق بيد القاضي، ولأسباب بلورها القانون في الإساءة.

وعلى الرغم من هذا فإن المتباكيات على مصلحة المرأة وحقوقها لم يقفن عند هذه الحدود، بل- وكما نشرت ذلك مجلة حواء يوم 18-10-1975 في العدد 995- طالبن بمشروع جديد مثل مشروع وزارة الشئون الاجتماعية. 

المرأة عدوة نفسها

إن المرأة التي تسعى لجعل الطلاق بيد القاضي ولأسباب معينة، هي عدوة نفسها وتحارب دينها بسلاح التبشير الصريح أو المقنع.

لقد سعى المجتمع الغربي لجعل الطلاق بيد القاضي، للتخلص من عقدة حظر الطلاق وعدم السماح به إلا لعلة الزنا، وتبرعت سيدات مسلمات ليَكُنَّ صوتًا للغرب في الطعن على الإسلام لأنه لم يجعل الطلاق بيد القاضي، على الرغم من أن الذين لا يجدون الطريق مفتوحًا أمامهم للتخلص من حياة زوجية أصابها التمزق والشقاق، إنما يلجئون إلى الإسلام ويتحولون عن المسيحية، وعلى الرغم من أن المجتمعات الغربية سعت إلى جعل الطلاق بيد القاضي لتتوصل إلى فصم عرى هذا الرباط عندما تستحيل الحياة، أما نحن معاشر المسلمين، فمن يسعى منا لجعل الطلاق بيد القضاء إنما يقلد من غير إدراك، لأن ذلك الذي نسعى إليه وهو حظر الطلاق إنما شكا منه الغرب وتخلص منه بجعل الأمر بيد القاضي.

وإذا كانت ثمة حالات يتسرع فيها الرجل فيطلق فهي حالات نادرة، ويجب ألّا تكون سببًا في الحجر على جميع الرجال وجميع الأسر وإصابتها بالاضطرابات والخل والصراعات المختلفة.

إن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء قد أصدر نشرة بالأرقام عن المرأة والأسرة، تفيد أن نسبة الطلاق أصبحت سنة 1972 1.7 % من عدد حالات الزواج، وأما نسبة الزواج بثانية فقد أصبحت 7.7 % ونسبة الزواج بثالثة أصبحت 37 % أقل من الواحد الصحيح- نقلًا عن أخبار اليوم عدد 23 - 9 - 73 فهل من أجل 1 % أو 2 % تصدر قوانين بالحجر على جميع الرجال حتى لو كان هذا الحجر يضر بالمرأة قبل الرجل؟

إن هذا لشيء عجاب. وإنه السفه بعينه. والجهل نفسه أن حظر الطلاق على الزوج وجعله بید القاضي ولسبب محدد مثل الإساءة، يؤدي إلى نتائج منها:

1- أنه قد لا يعبأ الرجل بالقانون ويطلق بدون الالتجاء إلى القضاء، وذلك استنادا إلى أن حكم الله أولى من حكم البشر، وأن من المهانة أن يلجأ إلى القضاء ويسطر ما أمر الله به أن يستر.

هنا تكون الزوجة مطلقة شرعًا وزوجة قانونًا، وبذا تظل بائسة لا تتمتع بحقوق الزوجة وليست حرة من قيودها فلا تستطيع أن تتزوج، وإن زنت سجنت، وأما زوجها فلا ضرر عليه:

أ- فله أن يتزوج بثانية.

ب- فإن صدر قانون يمنع ذلك فلا يمنعه من أن يلجأ إلى الزواج العرفي لأن القانون المانع من التعدد يخالف الشرع.

جـ - وإن كان لا يخشى الله اتخذ خليلة أو أكثر على ما هو نظام الحياة في المجتمعات الغربية التي نقلدها.

2- وقد يلجأ الرجل المحجور عليه في أمر الطلاق إلى الإضرار بزوجته حتى تطلب هي الطلاق، بل وحتى تدفع المال في سبيل موافقته على طلاقها، كما يحصل في بعض الحالات بسبب سوء تطبيق نظام الخلع كما شرعه الله، إذ القوانين العربية تجعله رهن موافقة الزوج مما ييسر لبعضهم طلب مقابل غير عادل.

3- وقد يخلق السبب المؤدي إلى الطلاق وكثير من الشهود عندنا في المنطقة العربية على أتم استعداد لذلك، إذا ما طلبهم الأزواج ولوحوا لهم بالمنفعة.

4- من النتائج السيئة لهذا القانون إن صدر أن يزيد استهتار بعض أصحاب النفوذ من السيدات، وهن من يدفعهن الغرور إلى الاستعلاء أو يدفعهن توفر المال في أيديهن إلى النشوز، أو يدفعهن حب الشهرة إلى ترك واجبات الزوجية.

فهذه الفئة قد تظن أن القانون يمكن لها أن تصبح زوجة رغم أنف الرجل فتعمل ما شاءت ولا تبالي وهنا تكون الطامة وتكمن المشاكل.

انعدام الصلاحية:

لا خلاف في أن حماية الأسرة والمحافظة على مقومات بقائها لا بد منه للمجتمعات الفاضلة.

ولكننا نختلف مع القوم في صلاحية أي من الجنسين أو كلاهما في وضع أصول هذه المقومات، ولا ينبغي أن يترك الأمر للأخذ والرد بين الجنسين والإرخاء والشد بين الاتجاهين، أو يعلق ذلك على حصول أي منهما على موافقة ممثلي الشعب.

ذلك أن الجهة التي أرست قواعد الزواج ورتبت آثاره هي صاحبة الصلاحية في علاج هذه المشاكل، على ضوء مبادئها وعن حدود المفاهيم والقيم التي بنت عليها نظمها الاجتماعية.

فهل وضع أفراد المجتمع وممثلوه نظام الزواج والطلاق حتى يحق لهم تغيير ما شرعوه لأنفسهم؟

من هو صاحب الصفة في تحديد مفاهيم العلاقة بين الجنسين والصورة التي تكون فيها هذه العلاقة مشروعة من عدمه؟

من الذي جعل عقد الزواج يتصف بالمشروعية إذا صاحب قيامه شهود ويصبح جريمة فاضحة إذا انعدم عنصر الشهادة مع توفر الرضا بين الجنسين في الحالتين؟

من الذي منع قيام العلاقة الزوجية بين درجات معينة من الأقارب أو بعد

مدة زمنية من الانفصال أو الطلاق؟

هل وضع القوم هذه النظم؟ أم أن واضعها رب القوم وخالقهم؟

وهل صفة هذا المشروع ما زالت قائمة؟ أم قضت عليها معالم الحضارة؟ 

هل زال دين القوم الذي رسم هذه النظم فأصبح للجنسين مجتمعين أو منفردين الحق في اختيار النظام الأصلح في نظر أي منهما؟

تحت ظلال هذه المبادئ وفي حدود هذه الصلاحيات وضعت هذا البحث حتى لا تؤدي الحلول الوضعية إلى إفشاء الحياة الاجتماعية والقضاء على النظم الأخلاقية القائمة في المجتمعات العربية الإسلامية، وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله رب العالمين.

لما كان ذلك نتعرض لمشكلة الطلاق وبيت الطاعة وتعدد الزوجات.

أولًا: مشكلة الطلاق:

نادى البعض بإلغاء الطلاق ونادى آخرون بحظره على الرجل وإسناده للمحكمة، ونشأ حل وسط بتضمين عقد الزواج نصًّا بالتأمين ضد الطلاق لدى إحدى شركات التأمين. وهذه الحلول مقتبسة من التشريعات الأجنبية التي ضلت ضلالًا بعيًدا وما زالت تلتمس الهداية ولا سبيل لها؛ لأن علاج النفوس بيد الخلاق العليم الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور..  وسنوجز أسباب بطلان هذه الحلول.

1- إلغاء الطلاق:

إن القول بضرورة إلغاء الطلاق ارتداد إلى العصور الأولى للمسيحية التي قضت بعدم جواز الطلاق، بل وعدم السماح للقاضي بالتطليق لأن ما جمعه الرب لا يفرقه العبد.

هذه النظم لم تستطع البقاء أمام المطالب الاجتماعية؛ فأباحت الكنيسة للقاضي التطليق في حالة زنا الزوجة، ثم توسعت في أسباب الطلاق حتى شملت زنا الزوج أيضًا أو أصبح الزوج عنينًا، أو حكم عليه بالحبس خمس سنوات، أو إصابته بجنون أو اعتداء أي من الزوجين على حياة الآخر أو تعود إيذائه.

ورغم أن المذهب الكاثوليكي كان من أشد المذاهب المسيحية تمسكًا بالزواج المؤبد الذي لا ينحل ولو بسبب الزنا.. إلا أنه خر راكعًا أمام التطور الاجتماعي، ومن هنا نجد إيطاليا وهي معقل هذا المذهب تبيح الطلاق لعدة أسباب، منها الزنا وهجر أحد الزوجين منزل الزوجية أو اعتداؤه على الآخر باللفظ أو الإشارة أو الإساءة بمعاملته للآخر أو رفض الزوج إعداد سكن ملائم لزوجته.. المواد 150,152,153 من القانون الإيطالي.

وفي ديسمبر سنة 1970 عقب تعديل القانون والتوسع في أسباب الطلاق بلغ عدد قضايا الطلاق في شهر واحد مليون قضية أكثرها كان ينتظر هذا التعديل من عشر سنوات.

ولا يخفى على القوم أن بعض الولايات الأمريكية اليوم يبيح الطلاق لأتفه الأسباب، كإرسال الزوج لحيته أو تأخره في العودة إلى منزله مساء.

ولسنا في حاجة بعد هذا إلى التدليل على فساد نظام العقد المؤبد فقد أثبت التاريخ فشل هذا النظام وتمت إباحة الطلاق على الوضع المشار إليه.

أما الشرائع المسيحية التي لم تتوسع في أسباب التطليق فيلجأ أصحابها إلى تغيير دينهم توصلًا إلى الطلاق أو يهجرون منزل الزوجية وهذا ما يسمى بالتفريق الجثماني المنصوص عليه في المادة- 17 من الإرادة الرسولية.

إسناد الطلاق للمحكمة:

نادى القوم بجعل الطلاق بيد القاضي حفاظًا على الأسرة من الانهيار لتسرع الزوج في استعمال حقه في الطلاق، وهذا العمل يؤدي إلى إفشاء أسرار العائلات وتسطيرها في محاضر بعد أن كانت داخل إطار الأسرة، مما يؤذي الأولاد المرزوقين من هذا الزواج، كما أنه لن يأتي بالإصلاح المنشود لأن القاضي لا يستطيع الحكم في الحالات التي يتعذر إثباتها بالشهود، وغير ذلك من الأمور الشخصية المتصلة بذات الزوجين أو الحالات التي توجد فيها مواقع أدبية أو أخلاقية، بالإضافة إلى أن هذا العمل سيخلق مشاكل أكثر من الوضع القائم اليوم، فأمام شعور الرجال بالحجر عليهم ظلمًا وزورًا قد يؤدي هذا ببعضهم إلى اختلاق الاتهامات لزوجاتهم تمكنًا من طلاقهن، عندها تصبح الحياة جحيمًا في نظرهم، ونعيمًا في نظر القاضي. 

ثم من ذا الذي يتحمل تبعة هذا العمل فيما لو تولى الرجل استعمال حقه المخول له بمقتضى الشريعة الإسلامية، وطلق ولم يعترف بالقيود الوضعية ولا يحق للقاضي أو غيره إبقاء زوجته في عصمته.

هنا تصبح الزوجة أجنبية عنه في نظر الشريعة الإسلامية بينما لا تعترف القوانين بذلك وتجبرها على البقاء في أسرة انحل رباطها.

هل تعاشر الزوجة رجلًا آخر ويفعل الرجل مثل ذلك؟

وهل هذه حياة كريمة في نظر القوم؟

من دواعي الأسى والأسف أن تطالب النساء بمثل هذا التدخل السافر في شئون الأسرة ظنًّا أن ذلك حماية لها وهي في الحقيقة وبال.

موقف الغرب من حظر الطلاق

إن حظر الطلاق وجعله بيد القاضي قد تعرض له المفكرون في دول الغرب وانتهوا إلى أنه ليس من مصلحة الفريقين، فالفيلسوف الإنجليزي المستر بنتام سجل ذلك في كتاب «أصول الشرائع» فقال: إن القانون الكنسي يتدخل بين العاقدين الزوجين ليقول: فلتعلما أنكما تدخلان سجنًا يحكم غلق بابه ولن أسمح بخروجكما وإن تقاتلتما بسلاح العداوة والبغضاء. 

ويقول الفيلسوف سبنسر في كتابه «علم الاجتماع»: لو كان الموت هو المخلص من زواج هذا شأنه، لتنوعت صنوف القتل وتعددت مذاهبه. 

ويقول الدكتور نظمي لوقا في كتابه «محمد.. الرسول والرسالة»: الزواج الذي تستقيم به حياة الإنسان هو الذي يستحق الإبقاء عليه، ثم يقول إن التطبيق العملي أتلف ذلك، وصارت أمم الغرب المسيحية تجيز الطلاق في قوانينها بواسطة المحاكم، وذهب بعضها إلى التوسع في أسباب الطلاق وإجراءاته حتى كأنها أصبحت مهزلة شكلية.

التأمين ضد الطلاق

نادى بعض القوم بالتأمين ضد الطلاق لدى إحدى شركات التأمين وهذا أمر لا يتأتى في المجتمعات القائمة على الفضيلة، كما أنه غير قائم في غيرها، فمثل هذا العمل يزيد من إحجام الرجال عن الزواج وييسر انتشار الرذائل والجرائم الاجتماعية، لأنه يحول دون اكتمال العلاقة الشريفة كما ييسر السبل للعلاقة غير المشروعة حيث لا قيود عليها ولا حرج ولا تثريب. 

بينما العلاقة الشرعية تحاط بأغلال كثيرة منها المغالاة في المهور ثم غلاء المعيشة؛ مما أدى إلى نتيجة محزنة وهي تزايد عدد السكان إلى الضعف، وتناقص حالات الزواج إلى النصف.

ووضح أن هذا الاقتراح قد هدم نفسه للسبب المشار إليه، ولأن شركات التأمين لا تقبل مثل هذه العقود؛ لأنه قد يتفق الطرفان على الطلاق للحصول على قيمة التعويض ثم يعلنات استئناف الحياة الزوجية بعد المدة اللازمة. لهذا لا مجال لبحث مدى شرعيته.

4- انحلال الأسرة بإرادة المرأة:

الشريعة الإسلامية وحدها التي جعلت الزواج ينحل بإرادة الزوج أصلًا، ولكن لا تضار الزوجة من ذلك، فإن كرهت الحياة مع زوجها لها أن تطلب الطلاق على أن ترد المهر، ففي صحيح البخاري أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي عليه الصلاة والسلام وقالت ما أعيب على زوجي في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام- لا تحبه- فقال النبي:

أتردين عليه حديقته؟- الصداق- قالت نعم، فطلقها واحدة.. كان صداقها حديقة.

وقد يحلو للبعض- ممن يحسون إحساسًا عميقًا بالشعور بالنقص- إلى المناداة بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة، ومن ثم إعطائها حق الطلاق بإرادتها المنفردة من غير أن تلجأ إلى القضاء ودون أن ترد الصداق.

ولم نجد جهلًا أكثر من هذا؛ ذلك أنه لا مساواة إلا بين متكافئين، ولا تعادل بين الرجل والمرأة فهي أكثر منه عاطفة، ومن هنا اختصت هي بالنسل والرضاعة ولم يختص الرجل بذلك، كما أن عليه وحده النفقة والصداق.

ولا تستطيع أي قوة في عالم الجنسين أن تغير من هذه الطبيعة والخلقة، فقد أودع الله في الرجل خصالًا وطبائع تخالف طبائع المرأة وغرائزها، وجعل لكل منهما وظيفته في المجتمع، ومن ثم جعل قيادة الأسرة بيد الرجل، وجعل له حق فصم هذا الرباط بعد إجراءات هي قيود على هذا الحق، كما هو مبين فيما بعد.

وإعطاء الزوجة حق الطلاق ييسر هدم بيت الزوجية لأقل الأسباب، كما أنه يرتب على الزوج تبعات مالية لا تجوز إلا بموافقته، وحتى لو فوض زوجته في ذلك فهذا تفويض باطل في نظرنا لأن مبدأ القوامة للرجل من النظام العام في الشريعة الإسلامية، ولا يجوز الاتفاق على مخالفته لصريح ألفاظ القرآن الكريم ولا اجتهاد مع النص ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ (النساء: 34).

وعدم صلاحية إسناد العصمة للمرأة لا ضرر فيه عليها لأن الإسلام كفل لها حق الطلاق عند الضرر كما أوضحناه.

الرابط المختصر :