; كتابان من تأليف داود سليمان العبيدي.. جبل التوبة | مجلة المجتمع

العنوان كتابان من تأليف داود سليمان العبيدي.. جبل التوبة

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 18-أبريل-1972

مشاهدات 25

نشر في العدد 96

نشر في الصفحة 24

الثلاثاء 18-أبريل-1972

قصة رجل قضى حياته في المنحدر، في الأوحال، فقتل وسفك الدماء، ثم استيقظ قلبه وأراد أن يتوب وأن يسلك سبيل الصالحين، فذهب إلى راهب قد انزوى في صومعته بقمة جبل، وقص عليه خلاصة قصته، لقد قتل تسعًا وتسعين نفسًا، ورجاه أن يأخذ بيده، أن يدله على طريق التوبة؛ ولكن الراهب يصرخ فيه:

-      اخرج لا تدنس صومعتي بأقدامك، لا تلوث هوائي بأنفاسك، اخرج من هنا فأنت شيطان.

ثم هجـم الراهب عليه يدفعه بكل ما أوتي جسمه النحيف من قوة، بينما وقف الرجل الضخم كالصخرة العنيدة لا يتحرك، وابتسامة الحزن واليأس والمرارة ترتسم على وجهه بشكل كريه، ثم قال بصوت كأنه حشرجة الموتى:

-      أمَا وقد أُغلِقَ في وجهي بابُ التوبة فلأكمل بك المائة.

وأطبق الرجل يديه الفولاذيتين على عنق الراهب وضغط عليهما بكل قوته المتمردة، وأحس بشيء يتحطم تحت أصابعه.

وبعد كل هذا تتدارك يد حنون هذا الرجل السفاح، والإنسان في نفس الوقت الإنسان الذي تتحرك فيه دوافع الخير، دوافع التوبة فتدله على شيخ تقي يقرأ عليه: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ(النساء: ٤٨) ويحثه على الهجرة إلى بلدة قريبة أهلها صالحون كي يجد هناك بيئة الإيمان وفطرة الخير، ويتوجه الرجل نحو تلك البلدة صادقَ التوبة خالصَ النية، وفي الطريق يُوَاتيه الأجل، وفي سكرات الموت يبشره هتافٌ حنونٌ أنه من الناجين، مصداقًا لحديث رسولنا الكريم:

ولنسمع الكاتب وهو يصف اللحظات الأخيرة من حياته:

وهتف بكل جوارحه:

- یا أرحم الراحمين إني تبت إليك.. يا الله إني جئت إليك فاقبلني.

 وخيل إليه مرة أخرى كأنه یری أمه تقف على أرض خضراء.. تشير إليه.. أنْ هَلُمَّ، أهذا تأويل رؤياه؟ وحاول أن يدفع نفسه مرة أخرى، فتدلى رأسه نحو السهل الأخضر، وأخذته غمرة الموت.

وعاد يسمع ذلك الحوار.. ثم كأنه يرى شبحـــًـا في صورة آدمي يشير بيده يقول:

- قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، وحاول وهو في تلك الحالة أن يدفع نفسه.. وشعر كأنه تحرك فعلًا.. كأنه استطاع أن ينأى بصدره نحو القرية الطيبة.

 ولم يَقْوَ على الحركة بعد، فألقى بنفسه بين يدي ربه وهو يقول:

- اللهم إني جئت إليك... اللهم إني عدت إليك.. اللهم إني تبت إليك.

وأخذته غمرات الموت، ومضت فترة طويلة قبل أن يعود ذلك الحوار، وكان يتلهف لسماعه.. وينصت إليه بكل حواسه.. وسمع صوتًا يقول:

-      إنه أدنى إلى الأرض التي أراد.

رواية إنسانية:

تبين الرواية بتحليل إنساني عميق أن نوازع الخير عميقة في بني الإنسان، حتى من قد يعتبرهم أكثرُ الناس شواذًا مجرمين، ولذلك فإن هؤلاء إذا وجدوا من يأخذ بيدهم إلى درب الخير استجابوا باندفاع كبير كبير.. ورغبة مخلصة صادقة.. ومن هنا نفهـم موقف الإسلام وهو دين الفطرة.. حيث جعل باب التوبة مفتوحًا لكل من حاد عن الدرب وأخطأه الرشاد، ما دام صادقًا في توبته، ومن بين الأهداف البارزة للقصة: بيان أن من أراد أن يحيا حياة استقامة وإيمان فعليه أن يسعى نحو التربة الصالحة للإيمان.. يسعى نحو الخيرين ويخالطهم ويعيش بينهم.. فكما أن السمكة لا يمكن لها أن تعيش إلا في بيئتها الموافقة لها.. في الماء، كذلك المؤمن يجب عليه أن يسعى إلى البيئة الخيرة ليعيش فيها ليجد أنسه وراحته.

وقد حلل الأستاذ العبيدي المواقف الإنسانية في القصة تحليلًا جيدًا في أسلوب مشرق وعبارة عذبة سلسة، وإني لأدعو القراء الكرام لقراءة هاتين الروايتين فسيجدون فيهما -بإذن الله- زادًا أدبيًّا طيبًا، تسعد به نفوسهم وتنشرح له صدورهم

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

الأسرة.. وحزيران

نشر في العدد 3

838

الثلاثاء 31-مارس-1970

لقلبك وعقلك

نشر في العدد 12

26

الثلاثاء 02-يونيو-1970