العنوان كن أنت!! - تفقد مهاراتك.. واكتشف قواك الخفية
الكاتب شريف شحاتة
تاريخ النشر السبت 07-أبريل-2007
مشاهدات 10
نشر في العدد 1746
نشر في الصفحة 56
السبت 07-أبريل-2007
التقليد المستمر والانصهار المسرف في شخصيات الآخرين.. وأد للموهبة وإهدار للقدرات وإلغاء متعمد للتميز.
أخي القارئ.. استرسل معي في هذه الاستفهامات.. من أنت؟! هل تعرف نفسك؟ هل تدرك ذاتك؟ هل تعلم مواطن سعادتك؟ هل تفطن لمواطن خللك أو آبار ضعفك؟ هل تقرأ جالبات غضبك وسخطك، ومؤديات فرحك وسعادتك؟
هل تعتمد على نفسك في حل مشكلاتك؟ هل لك رأي يقال هنا.. وعمل هناك؟ هل تشجع غيرك أم كلمة واحدة منك تكفي لإحباطه؟
كل هذه أسئلة عنوانها: من أنت؟! هل تعرف نفسك؟
تفقد مهاراتك
إذا جلست مع ذاتك.. وبدأت عملية التشريح.. ودعوة التأمل.. وتفقدت مهاراتك.. وقيمت قدراتك.. واطلعت على مواهبك.. واستعرضت مؤشر ذكائك... ودققت النظر في سلوكياتك ومعاملاتك... هنا.. تلتمس نقاط شخصيتك الجوهرية... وتكتشف قواك الخفية.. لأن الكثيرين ينظرون بعين النجاح فقط!! أما هم فقاعدون خامدون يضربون الأخماس بالأسداس..
وأقصد بـ«ينظرون بعين النجاح»... أن ينظر إلى فلان الناجح في مجال كذا فيقول سأقلده.. وهذا مميز في مجال كذا سأتقمص شخصيته.. يرى بعين النجاح أن يقلد الآخرين.. لا أن يكون منافسًا.. لا أن يكون ذا دور.. ويبني طموحه وأحلامه على إمدادات الآخرين أو استنادًا إلى مجهود الناجحين..
قتل الموهبة: ولا بد لهذا الإنسان أن يدرك أنه منذ خلق الله آدم حتى قيام الساعة، لن يأتي اثنان لهما الصفات نفسها والمهارات ذاتها.. ولا يتحدون في ذات الطراز ذاته.. فلا تتقمص شخصية غيرك.. ولا تذب في الآخرين.. فإن هذا هو قتل للموهبة.. ووأد المهارة.. وانتحار الهمة..
متى تعرف نفسك؟
فلديك الكثير وأنت لا تدري وتملك الدنيا وأنت لا تشعر؟ وتحت المجهر افحص عينة نفسك.. ربما أطلعتك النتائج على مهارة مدفونة.. وموهبة لم تر النور بعد.. فلا تكن لغيرك.. ولكن كن أنت.
ورحم الله الشيخ علي الطنطاوي حين ناداك وأخبرك: «متى تعرف نفسك يا أخي؟ وأنت من حين تصبح حتى تنام مشغول عنها؟ متى تعرف نفسك وأنت لا تحاول أن تخلو بها ساعة كل يوم تفكر فيها! متى تعرف نفسك أنت وتفكر في الناس كلهم إلا نفسك. تقول: «أنا» فهل خطر على بالك مرة واحدة أن تسأل: «من أنا»؟
فيا سادة.. من أنتم؟؟
وعلى طريقة كلامه نفسها ينسج شاعر البيان.. وبليغ الإسلام مصطفى صادق الرافعي: «لا تنظم الحياة من حولك.. وتترك الفوضى في قلبك».. فكل مواهبك ستدفن إن لم تسرع باكتشافها.. وستندثر قدراتك إن لم تتدارك البحث عنها..
وكن ذا فهم ثاقب.. ولا تعط نفسك أكبر من حجمها، فتثقل على كاهلها ..فتخر القوى، وتفتر الهمة، وتضعف العزائم.. ولا تقلل من شأنها كي لا تسقط في غيابات الإحباط واليأس.. فتسقط قيمتها وتقطع شجرتها.. فارض بما قدر الله لك.. واقنع بما قسمه لك.. لا تعمل الفكر في الحقد على فلان.. وحسد فلان..
وإذا كان من طبعك الخمول والكسل... أو من سمتك الفتور وطول الأمل.. فلا ترض على حالك.. ولا تستسلم لذاتك.. لأنك إن لم تتدارك هذا العطل وتلك المصيبة فستكون بمثابة من يذبح كبشًا وهو مذبوح.. أو يكتب في الصفحة وهي مليئة.. ولكن طور نفسك بنفسك.. وحتمًا فإن صاحب العقل الفاهم والفكر الواعي إذا أبصر في نفسه رأى إيجابياته وسلبياته، ونقاط قوته، ومكامن ضعفه.
يقول الشيخ محمد الغزالي- يرحمه الله-: «إن ترويض النفس على الكمال والخير وفطامها عن الضلال والشر يحتاج إلى طول رقابة وطول حساب. إن عمارة دار جديد على أنقاض دار خربة لا يتم طفرة ولا يتم عن ارتجال وإهمال... فكيف ببناء نفس وإنشاء مستقبل؟ أترى ذلك يتم وليد غفلة وذهول؟» «1»
وما المانع من أن تشرح لنفسك حالك عن نفسك.. وكن أنت الطبيب والمداوي..
إنك لن تكون شيئًا إلا إذا علمت نفسك على أي شيء.
لا للمقارنة
ولا طائل وراء المقارنة مع الغير دون فهم النفس.. إلا أنك تراه يتقدم ويتميز وأنت مكانك لا تبرح.. ومن ثم فإنك تتجرع جرعات من السم البطيء.. وتتداوى بالمبيدات القاتلة.
ولا تتحجج بالظروف.. وترخ يديك للواقع.. فهذا ابن خلدون يفقد أسرته وتسلب ثروته.. وما أقعده ذلك أن يحاول ويتميز ويقهر الظروف ولا يلعنها.. ويشعل في الظلام شمعة ولا يلعن الظلام ألف مرة.. حتى إنك علمت بمجرد ذكر اسمه أنه كتب أعظم مؤلف في علم الاجتماع..
وهذا رجل يسأل: إلى متى تكتب العلم؟؟
فقال: لعل الكلمة التي أنتفع بها لم تكتب بعد.
فيا أيها الهمام: مهما قست الظروف وضاقت المذاهب.. فنفسك وحدها تكفيك لأن تفقدك لذاتك.. ومعرفتك بنفسك هي بداية لكل نهاية مشرقة، أنسيت قول ربك: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ﴾ (الرعد: ۱۱).
فهل عرفتم أنفسكم؟ وهل وجدتموها؟ إن من عرف نفسه عرف ربه، ومن وجد نفسه وجد ربه.
وإن الذوبان الدائم والتقليد المستمر والانصهار المسرف في شخصيات الآخرين.. هو بلا شك وأد للموهبة وسفك لدم القدرات وإلغاء متعمد للتميز.. وحذف بخط يدك لاسمك من قاموس النجاح. وشريك في جريمة قتل وهو قتل نفسك... وهذا ما دعا الشاعر دوجلاس مالوك إلى أن ينادي: «إن لم يكن بإمكانك أن تكون صنوبرة على قمة جبل.. فكن شجيرة صغيرة في الوادي.. فستكون أفضل شجيرة بجانب الغدير».
تدوين السيئات
وهيا نفعلها.. إنها طريقة ديل كارنيجي الذي كان يدون السيئات والنقائص... وأترك له خيط الحديث: «في أحد أدراج مكتبي ملف خاص مكتوب عليه: حماقات ارتكبتها!!.. وأنا أعد هذا الملف سجلًا وافيًا للأخطاء التي وقعت فيها وبعض هذه الأخطاء أمليته والبعض الآخر خجلت من إملائه فكتبته بنفسي.. ولو أنني كنت أمينًا مع نفسي لكان الأرجح أن يمتلئ مكتبي بأمثال هذه الملفات المليئة بالأخطاء والحماقات!! وعندما أخرج سجل أخطائي وأعيد قراءة الانتقادات التي وجهتها لنفسي أحس أنني قادر على مواجهة أقسى وأعصى المشكلات»..
مراجعة النفس
وكان «هرب هاول» من أشهر رجال الأعمال الأمريكيين يخصص مساء السبت من كل أسبوع لمراجعة ما كسب واكتسب والتأمل في كل مقابلة تمت وكل مناقشة دارت وكل عمل أنجز.. ويسأل نفسه: «أي خطأ ارتكبته؟ وأي توفيق صادفته؟»...
يا أحباب إن كان تفقد النفس عند رجال الأعمال واجبًا لا يتركونه، وسلوكًا لا ينسونه.. وإن كان هذا تجلدهم وتعاملهم مع أموال عما قريب فانية وشهوات غدًا زائلة وغاية بعد ساعة منعدمة.. فما حال أمة الإسلام التي تتعامل مع خالق الأكوان.. ومع غاية عظيمة باقية؟! فثمرة غايتهم عاجلة زائلة.. وثمرة غايتنا آجلة خالدة.. فغايتنا الله.. ومن أبقى من الله؟ ومن أجل من الله؟ ومن أعظم من الله؟
فطاقاتك تنتظرك.. والقافلة تستطلع أخبارك.. وأمتك ترشحك لقيادتها..
ونفسك تبحث عنك.. فهلا عرفتها وصحبتها.. وأخذت بيدها..
الهامش
«1» جدد حياتك- محمد الغزالي.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل