; كوسوفا: المذبحة القادمة في البلقان | مجلة المجتمع

العنوان كوسوفا: المذبحة القادمة في البلقان

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 11-يناير-1994

مشاهدات 15

نشر في العدد 1083

نشر في الصفحة 40

الثلاثاء 11-يناير-1994

تمتد منطقة كوسوفا والأراضي الألبانية المسلمة في يوغسلافيا سابقًا على نحو ٢٠٠٠٠ كم وتجاورها مقدونيا من الجنوب الشرقي وصربيا في الشمال الشرقي وسنجق والجبل الأسود من الشمال الغربي وتحيط كوسوفا من الجنوب ألبانيا دولة «الأم» وبحر الأدرياتيك وبحيرة برسبا.

وتمثل كوسوفا بالنسبة للمسلمين الألبانيين كل الأراضي الألبانية المستولي عليها من صربيا والجبل الأسود من عام ۱۷۸۷م حتى ١٩٤٥م وتسكن هذه الأراضي الغالبية العظمى من المسلمين الألبان من القديم وإلى يومنا هذا.

 ومن أجل تسهيل عملية القضاء على هذا الشعب المسلم فقد جزأت السلطات الصربية «وبتصفيق من مؤتمر لندن سنة ۱۹۱۳م» منطقة كوسوفا قسمت تلك الأجزاء إلى ثلاث جمهوريات يوغسلافية مقدونيا والجبل الأسود وصربيا. وقد حصلت صربيا على نصيب الأسد منها ونشأت منطقة كوسوفا المشهورة اليوم ثم الإقليم المستقل والذي تبلغ مساحته ۲۱۰۸۷۷ ويبلغ سكانه نحو ٢٢٣٤٠٠٠ نسمة ٩٢٪ منهم مسلمون وعاصمتها بريشتينا.

أصل أهل كوسوفا

إن أصل الكوسوفيين «الألبان» من القبائل الأيليرية ذات الجنس الآري وسموا بأكثر من اسم منها: الألبان والأرناؤوط واشكيبتار واتفق المؤرخون على أنهم أول من نزل شبه جزيرة البلقان في عصر ما قبل التاريخ. على شواطئ البحر الأدرياتيكي الشمالية والشرقية قبل أباء اليونان. وكان ذلك منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة ثم توسعت وانتشرت القبائل الأيليرية في أنحاء البلقان، وبعد ذلك اجتمعت القبائل وانتخبت رئيسًا لها وأنشأوا دولة لهم قبل الميلاد بثلاثة قرون وجمهورية كوسوفا اليوم تقع في الموقع الذي كان يسكن في ذلك الزمن أجدادهم الداردانيون والقبائل الأيليرية الأخرى وكانت دولتهم تسمى داردانيا، وبمرور الزمان ضعفت دولتهم فاحتلها الرومان وبقيت تحت احتلالهم إلى أن زالت امبراطوريتهم، وانقسمت إلى شرقية وغربية فأصبحت بلاد الألبان تحت حكم الإمبراطورية الشرقية حتى فتح العثمانيون بلادهم ونعمت قرونًا تحت حكمهم.

اعتناق الكوسوفيين الإسلام

اتفق المؤرخون أن الإسلام دخل إلى البلاد البلقانية قبل الفتح العثماني، وذلك عن طريق التجار والدبلوماسيين والدعاة إلا أن ذلك كان على نطاق ضيق ومحدود، أما انتشار الإسلام في تلك البلاد فقد كان بعد مجيء العثمانيين ودخل فيه الشعب الألباني أفواجًا وحسن إسلامهم وكان منهم في الدولة العثمانية القواد العظام مثل بالابان باشا «قائد قواد فتح القسطنطينية» وكبار الكتاب والشعراء «كانوا يؤلفون بلغات خمسة: الألبانية والبوسنوية والعربية والتركية والفارسية مثل محمد عاكف أرسوى رحمهم الله جميعًا.

وقد تمكن الحكم العثماني في جزيرة البلقان بصورة نهائية بعد المعركة الشهيرة المسمى بمعركة كوسوفا التي قاد فيها السلطان العثماني مراد الأول الجيش الإسلامي بنفسه وقبيل فوز الجيش الإسلامي استشهد السلطان مراد وتسلم القيادة السلطان بايازيد وتنتصر على الجيوش المتحالفة «الأوروبية» وقتل الملك لازار «العربي» وذلك سنة ١٣٨٩ م ٧٩٢هـ

فبعد هذه المعركة الحاسمة خضعت كوسوفا وصربيا تحت الحكم العثماني ما عدا مدينة بلغراد فإنها فتحت في عهد السلطان سليمان القانوني وذلك في ٢٦ من شهر رمضان المبارك سنة ١٥٢١م ٩٣٨هـ.

وكانت ولاية كوسوفا إحدى أكبر الولايات المتحدة في رومليا «أوروبا» وكانت أول عاصمة لها مدينة بريزرن «PRIZREN» ثم بريشتينا «PRISHTINA» وفي الأخير مدينة أشكوب «SHKUPI» عاصمة مقدونيا اليوم ومازال فيها إلى يومنا هذا عدد الألبان أكبر من

عددهم في تيرانا عاصمة ألبانيا. بعد اضطهاد بشع في الفترة الشيوعية الأولى بعد الحرب العالمية الثانية نجح المسلمون الألبان في كوسوفا في الحصول على الحكم الذاتي وذلك في أواخر عهد الهالك تيتو في مستهل الثمانينات عاد الصرب من جديد إلى تعديل الدستور وابتلاع كوسوفا مرة أخرى، الأمر الذي رفضه المسلمون وقاموا سنة ۱۹۸۱ م بثورة شعبية على مستوى كوسوفا كلها يطالبون فيها باستقلال كوسوفا من صريبا ومنحها حكم الجمهورية داخل يوغسلافيا الفيدرالية، الشيء الذي جعل السلطات الصربية تأمر القيادات العسكرية بقمع المظاهرات السلمية حيث نزل الجيش العربي المدجج بالدبابات والأسلحة الحديثة وقتلوا من المسلمين في يوم واحد أكثر من ۳۰۰ شخص.

فاستمر المسلمون بالمطالبة بحقوقهم إلى بداية انهيار الشيوعية حيث بدأت كل جمهورية تأخذ مسيرتها نحو استقلالها التام عن يوغسلافيا الفيدرالية فتوقع المسلمون الألبان في كوسوفا كإخوانهم في البوسنة والهرسك أن ظهور الديمقراطية والحرية في أوروبا الشرقية وفي الجمهوريات اليوغسلافية نفسها ستمنح لهم حقوقهم أيضًا فأعلنت البوسنة استقلالها بعد سلوفينيا وكرواتيا إلا أن أعداء الإسلام لم يسمحوا بقيام دولة مسلمة وسط تلك المنطقة الأوروبية بل سعوا في قتلهم وتهجيرهم وتشريدهم فحدث ما حدث من الجرائم الوحشية والمذابح الجماعية التي شهدها العالم بأجمعه ولم يحرك لها ساكنًا.

وكذلك المسلمون الألبان في كوسوفا أجروا فيما بينهم استفتاء في طور تفكيك الإتحاد اليوغسلافي في سبتمبر أيلول ۱۹۹۱م أسفر عن انحياز الأغلبية المطلقة للاستقلال وتطور الأمر إلى انتخاب مجلس نيابي وتشكيل حكومة وتنصيب رئيس لجمهوريتهم المستقلة هو الدكتور إبراهيم دوغوفا، ولكن الحكومة الصربية تجاهلت كل هذه الإجراءات واعتبرتها كأن لم تكن، بل بدأت بمرحلة جديدة من الاعتقالات والتعذيب والاضطهاد فاقت سابقاتها حيث سحبوا أدنى الحقوق الإنسانية من هذا الشعب الأعزل.

مخطط تدمير الاقتصاد الكوسوفي

إن حكومة بلغراد لم تتورع عن استخدام أية وسيلة – في سبيل إرغام المسلمين الألبان على الهجرة من كوسوفا.

ففي المجال الاقتصادي على سبيل المثال ذكرت جريدة «بويكو» الألبانية أن حكومة صربيا ماضية في إخضاع اقتصاد كوسوفا لسلطة بلغراد المباشرة، وذكرت أن ٢٩٦ شركة عامة في كوسوفا تم دمجها بـ ۱۷۳ شركة مماثلة في صربيا من بينها جميع منشآت الطاقة الكهربائية وشبكة السكك الحديدية وشركات النقل والطيران المدني واستخراج المعادن وصناعات المطاط والنسيج والجلود والمواد الكيماوية والإنتاج الزراعي والغذائي ومجالات السياحة، وهذا يعني أن حكومة صربيا تسرق من كوسوفا بلايين الدولارات إضافة إلى سيطرة بلغراد التامة على جميع معادن كوسوفا وتعطيلها وتفريغها من العمالة المسلمة ومن الخبراء المسلمين الشيء الذي جعل منجم «تريجا» «أكبر المناجم في يوغسلافيا السابقة والمشهور بالرصاص والذهب والفضة والمواد الكيماوية الأخرى» في مدينة ميتروفيتا يخسر سنويا ۵۷۲۰۰۰۰۰ دولار كل هذا بسبب عدم وجود عدد كاف من العمال ويسبب عمل غير المتخصصين من الصرييين.

ومن ناحية أخرى أخذت الحكومة الصربية منذ شهور بتقطيع الأشجار في الغابات الكوسوفية وشحنها إلى صربيا والجبل الأسود للاستفادة منها هناك ويتجاوز هذا التقطيع ٥٠٠,٠٠٠ متر مكعب.

ومن ذلك الاستيلاء على الأراضي الزراعية التابعة للمسلمين وبناء مستوطنات صربية عليها وخاصة في الأماكن التي فيها كثافة للمسلمين

الألبان كبيرة.

من ناحية أخرى تستمر السلطات الصربية في فصل المسلمين من العمل بشكل كبير جدًا مع أن نسبتهم في الماضي كانت ضئيلة جدًا ففي سنة ۱۹۸۱ م كانت نسبة العمال من جميع الشعب الألباني ١١ فقط.

أما السنوات الأخيرة هذه ففصل من العمل حتى هذه البقية الباقية من المسلمين وطردت ٥٢٠ عائلة مسلمة من منازلهم وهناك شخص تحت خطر المجاعة.

المجزرة القادمة في كوسوفا

إن كوسوفا منذ سنة ۱۹۸۱م وإلى يومنا هذا تعيش حالة الطوارئ وقد بلغ عدد الجنود الصربيين أكثر من ٨٥ ألف جندي وظيفتهم قهر ويطش المسلمين، وقد أجروا في الأيام الأخيرة تمشيط المدن والقرى المسلمة لمصادرة الأسلحة التي لم توجد أساسًا لدى الأهالي المسلمة بخلاف البيوت الصربية الممتلئة بأنواع من الأسلحة المختلفة. وقد اعترف بذلك رئيس الوفد الاينتر برلمانتاريين الأوروبيين السيد جون دي والذي زار كوسوفا في هذا الشهر حيث يقول إن الصرب شددوا من إجراءاتهم لطرد الألبان من كوسوفا وذلك بالضرب والقتل والسجن والتهديد والسرقة وسحب الأسلحة.

 كل هذه الإجراءات الصربية ليست إلا مقدمة صريحة للمذبحة الكبيرة التي ينويها هؤلاء المجرمون للمسلمين الكوسوفيين، وما جرى لإخواننا في البوسنة تحت مرأى ومسمع العالم بأجمعه لأكبر دليل على ذلك وقد تكون ضرية المسلمين في كوسوفا أشد وأنكى حيث تتميز كوسوفا بالنسبة العالية للمسلمين ويها مدن وقرى خالية من الصرب بخلاف المدن البوسنية فيسهل عليهم قصفها وتدميرها دون أي تردد.

لاسيما ونحن نرى تخاذل الموقف الدولي تجاه هذه القضية الخطيرة التي قد تتفجر في أي لحظة ويروح ضحيتها عشرات، بل مئات الآلاف.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

حذار من لعنة الأجيال

نشر في العدد 9

41

الثلاثاء 12-مايو-1970

مع القراء.. العدد 13

نشر في العدد 13

29

الثلاثاء 09-يونيو-1970

الافتتاحية (100)

نشر في العدد 100

24

الثلاثاء 16-مايو-1972