; كيف نقرأ تاريخنا ونفهمه (7)- كيف تُقرأ التراجم؟ | مجلة المجتمع

العنوان كيف نقرأ تاريخنا ونفهمه (7)- كيف تُقرأ التراجم؟

الكاتب د. محمد بن موسى الشريف

تاريخ النشر السبت 05-يناير-2013

مشاهدات 14

نشر في العدد 2034

نشر في الصفحة 52

السبت 05-يناير-2013

ليس كل قارئ للتراجم يستفيد منها الاستفادة المطلوبة، وإنما يكون هذا لمن صنع التالي، والله أعلم:

أولًا: إرادة التغيير:

لابد للقارئ للتراجم أن ينوي أن يستفيد مما فيها، وأن يغير من نفسه بما تحويه من أخبار جليلة وتفاصيل رائعة، فإنه إن لم تتوجه إرادته ونيته لهذا فلا غرو أن تمر عليه الترجمة كأنه لم يقرأها، وليكثر من تأمل جلال تلك التراجم، وروعتها حتى يقارن حاله بحالها، ويبكي على نفسه وتقصيرها، وضعفها.

قراءة التراجم تحتاج إلى صبر وطول نفس حتى يستفاد منها خاصة الطويلة

لا بد لمبتدئ القراءة في كتب التراجم أن يتخير الكتب السهلة وألا يتوجه للمطولات المخيفات للمبتدئين

ثانيًا: الصبر:

قراءة التراجم تحتاج إلى صبر وطول نفس حتى يستفاد منها، خاصة التراجم الطويلة التي تبلغ مائة وخمسين فأكثر، وتعويد النفس على قراءة ترجمة طويلة كل أسبوع مثلًا والصبر عليها مفيد للغاية، إن شاء الله تعالى.

ثالثًا: التخيّر:

لا بد المبتدئ القراءة في كتب التراجم أن يتخير الكتب السهلة السلسة، وألا يتوجه للمطولات المخيفات للمبتدئين.

ولا بد له أن يتخير من التراجم ما يصاحبها التشويق، وما يكثر فيها القصص والأخبار إلى أن تصبح القراءة في كتب التراجم عليه سهلة، ثم له بعد ذلك أن يقرأ ما يشاء، وهذه القصص والأخبار المشوقة تكثر في تراجم السلف خاصة.

رابعًا: الحذر من تراجم أهل الضلال:

ليحذر المبتدئ في قراءة كتب التراجم، الآخذ في الغوص في مطولاتها، والباحث عن دررها ولآلئها، ليحذر كل الحذر من تراجم المضلين من أمثل أهل الحلول والاتحاد، أو الصوفية المنحرفة الشاطحة، أو الروافض الضلال، أو المعتزلة، أو الخوارج، أو الدهرية الملحدين، أو الفلاسفة المضلين - ويعرفون بالحكماء في كتب التراجم القديمة - فإنه إن صنع ذلك فلا يأمن على نفسه من التأثر بضلالهم ،والضلال بشبهاتهم، والإعجاب برياضاتهم ومجاهداتهم البدعية، خاصة إن لم يكن من أهل العلم الشرعي؛ أو لم يعرف القواعد الشرعية، والضوابط الحكمية، والمزالق الحكمية، ولم يدرس المزالق العقدية لتلك الفرق الردية، والمذاهب الفكريًة، أو البدعيّة، فحذار حذار من قراءة تلك التراجم من قبل من لم يعرف الحق من الباطل، والله المستعان.

خامسًا: عدم الافتتان بها:

ينبغي الحذر عند قراءة التراجم من الافتتان بها، والفتنة بالتراجم ممثلة في الآتي:

١ـ الانبهار بالقدوات الكبار.

٢ـ عدم الفهم أو ضعفه لبعض جوانب الشخصية المترجم لها: وهذا داء وبيل، يؤدي إلى مهاجمة تلك الشخصية ومناصبتها العداء لا لشيء إلا لأن القارئ لم يفهم جوانب معينة من حياة الشخصية التي يقرأ ترجمتها، ومن هنا ينبغي على من وقف على شيء لم يفهمه أن يتأنى ويتروى قبل أن يلج في مضايق الهجوم والتشهير بالباطل، ومثل ذلك.

٣ـ نسبة الإنجاز إلى الشخصية المترجم لها وحدها فقط:

وهذا أمر يقع كثيرًا، خاصة في تراجم الشخصيات الجهادية كصلاح الدين الأيوبي، على سبيل المثال؛ فالمسلمون اليوم متعلقون بسيرة صلاح الدين تعلقا غريبا لم يكن على هذا الوجه لدى أسلافهم ممن فهموا السنن، وعرفوا أن البطل لا يظهر منفردا عن مجتمعه الذي عاش فيه بل هو نتاج عوامل عديدة أظهرته وأبرزته، والمجتمع الذي عاش فيه صلاح الدين هو الذي دفعه وساعده على تحقيق الانتصارات؟! تضافر عوامل عديدة في تحقيق الانتصار، بل يكفي أنه كان القائد الذي حقق آمال المجتمع الذي صقل مواهبه، وارتقى بقدراته، وهذب من نفسه حتى صار البطل الذي يتغنى الجيل اليوم باسمه، ويسأل الله تعالى - أن يرزق الأمة صلاح دين آخر، إذا الأمر ينبغي أن يكون وسطا بين طرفين، وقصدا بين ملكين.

ملك التعظيم الشديد لشخص القائد ونسيان كل العوامل الأخرى التي ساهمت بقوة في الدفع به لتحقيق النصر، وملك التهوين من شأن القائد والتقليل من صنيعه.

ليحذر القارئ من تراجم المضلين من أهل الحلول والاتحاد أو الصوفية المنحرفة أو الروافض الضلال أو المعتزلة أو الدهرية الملحدين

ينبغي الحذر عند قراءة التراجم من الافتتان بها

«يذكر بعض المؤرخين أن الفرد مهما كان من التفوق والبطولة فهو وليد بيئته الاجتماعية، ويعبر عنها تعبيرًا مباشرًا، والفرد لا يستطيع أن يكون ذا أثر خطير في حياته الاجتماعية، إلا بأن تلتقي إرادته وأهدافه بإرادة وأهداف المجتمع وتتفاعل الإرادتان في اتجاه واحد ونحو غاية واحدة، ورغم ذلك لا نقلل من شأن القائد؛ لأن ما يقوم به من أعمال هي تحقيق الطموح مجتمعه الذي عاش فيه».

وقال الأستاذ د. عماد الدين خليل: «معظم الدراسات التي تعاملت مع التاريخ الإسلامي انصبت اهتماماتها بالدرجة الأساس على الجوانب السياسية والعسكرية، وأهملت الجانب الاجتماعي، وقد دفعها هذا في كثير من الأحيان إلى تأكيد أثر البطل الفرد في التاريخ وتضخيم مساحته على حساب الجماعة».

وزيادة في الإيضاح قال الأستاذ: «الدراسات التي تناولت حياة صلاح الدين الأيوبي اتبعت منهج التاريخ الفردي الذي يركز على شخص القائد وجهوده في مواجهة التحدي الصليبي، دون أن تبرز الطابع الجماعي للنخبة والأمة في الإعداد والجهاد، كما أن هذا المنهج لا ينتبه للجهود الجماعية التي سبقت نور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي وأخرجت جيلهما، ولا يقدم حلقات الحديث التاريخي وافية متكاملة، ولا يحيط بقوانين التغيير التي يوجه إليها القارئ الكريم بل يبقي التاريخ يدور في فلك الأشخاص العباقرة لا في فلك الأفكار الصحيحة، والله - حسب هذا المنهج - يغير ما بقوم من أحوال سيئة إذا تغيرت أشخاص القيادة فيهم وليس إذا غيروا ما بأنفسهم من معتقدات وتصورات وقيم وتقاليد وعادات، ومن الطبيعي أن الإسهام التربوي الذي توفره هذه الدراسات سيقتصر على إمداد القائد الفرد بما يستلهم به روح المسؤولية والنهوض بعبثها وحده، ويجعل الأمة تنتظر ظهور قائد من مثل نور الدين محمود أو صلاح الدين الأيوبي».

هل نحن صابرون؟!

يقول بعض السلف: البلاء يصبر عليه المؤمن والكافر، ولا يصبر على العافية إلا الصديقون، قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: «ابتلينا بالضراء فصبرنا، وابتلينا بالسراء فلم نصبر»، ولذلك خير الله عباده المؤمنين من فتنة المال والأزواج والأولاد، فقال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُلۡهِكُمۡ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ﴾ (المنافقون: ٩)، ويقول سبحانه: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ وَأَوۡلَٰدِكُمۡ عَدُوّٗا لَّكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُمۡۚ﴾ (التغابن:١٤).

وليس المراد من هذه العداوة ما يفهمه كثير من الناس أنها عداوة البغضاء، بل إنما هي عداوة المحبة الصادرة للأباء عن الهجرة والجهاد وتعلم العلم والصدقة وغير ذلك من أمور الدين وأعمال البر، كما جاء ذلك عند الإمام الترمذي يرحمه الله من حديث إسرائيل: حدثنا سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه، وسأله رجل عن هذه الآية: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ وَأَوۡلَٰدِكُمۡ عَدُوّٗا لَّكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُمۡۚ﴾، قال: هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة، فأرادوا أن يأتوا النبي ﷺ، فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم أن يأتوا رسول الله ﷺ، فلما أتوا رسول الله ﷺ، ورأوا الناس قد فقهوا في الدين، هموا أن يعاقبوهم، فأنزل الله تبارك وتعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ وَأَوۡلَٰدِكُمۡ عَدُوّٗا لَّكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُمۡۚ﴾.

وما أكثر ما فات العبد من الكمال والفلاح بسبب زوجته وولده، وكما جاء في الحديث الذي رواه ابن ماجه في الأدب عن النبي ﷺ قال: «الولد مبخلة مجبنة»، وعندما كان النبي ﷺ يخطب بالناس فجاءه الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله ﷺ عن المنبر، فحملهما ووضعهما بين يديه، ثم قال: «صدق الله: ﴿[وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞ﴾ (الأنفال: ۲۸)، وهذا كله من كمال رحمته ﷺ ولطفه بالصغار وشفقته عليهم، وهو تعليم منه للأمة الرحمة والشفقة واللطف بالصغار.

وإنما كان الصبر على السراء شديدًا؛ لأنه مقرون بالقدرة، فالجائع عند غيبة الطعام أقدر منه على الصبر عند حضوره، وكذلك الاشتياق إليها عند غيبتها، أي المرأة، أصبر منه عند حضورها، فهل نحن صابرون على السراء؟

علاء صالح سعد - اليمن

«الهوامش»

(*) داعية سعودي - المشرف على موقع التاريخ

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

غداً تشرق الشمس

نشر في العدد 83

20

الثلاثاء 26-أكتوبر-1971

الصبر.. ضرورة لحياة الدعاة

نشر في العدد 185

27

الثلاثاء 29-يناير-1974

الابتلاء في سبيل الله

نشر في العدد 241

29

الثلاثاء 18-مارس-1975