العنوان لعقلك وقلبك (34)
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 03-نوفمبر-1970
مشاهدات 17
نشر في العدد 34
نشر في الصفحة 2
الثلاثاء 03-نوفمبر-1970
لعقلك وقلبك
بِسمِ الله الرحمن الرحيم
في ظلال القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم:
﴿أَتَىٰٓ أَمۡرُ ٱللَّهِ فَلَا تَسۡتَعۡجِلُوهُۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ. يُنَزِّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ بِٱلرُّوحِ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦٓ أَنۡ أَنذِرُوٓاْ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱتَّقُونِ﴾ (سورة النحل: 1،2).
هذا هو مطلع سورة النحل المكية في معظم آياتها. وهي سورة هادئة الإيقاع، عادية الجرس، ولكنها مليئة حافلة. موضوعاتها الرئيسية كثيرة منوعة والإطار الذي تعرض فيه واسع شامل، والأوتار التي توقع عليها متعددة مؤثرة، والظلال التي تلونها عميقة الخطوط.
لقد كان مشركو مكة يستعجلون الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يأتيهم بعذاب الدنيا أو عذاب الآخرة. وكلما امتد بهم الأجل ولم ينزل بهم العذاب زادوا استعجالًا واستهزاء واستهتارًا. وحسبوا أن محمدًا يخوفهم ما لا وجود له ولا حقيقة ليؤمنوا له ويستسلموا. ولم يدركوا حكمة الله في إمهالهم ورحمته في أنظارهم، ولم يحاولوا تدبر آیاته في الكون وآياته في القرآن. هذه الآيات التي تخاطب العقول والقلوب، خيرًا من خطابها بالعذاب! والتي تليق بالإنسان الذي أكرمه الله بالعقل والشعور وحرية الإرادة والتفكير.
وجاء مطلع السورة حاسمًا جازمًا:
﴿أَتَىٰٓ أَمۡرُ ٱللَّهِ﴾... يوحي بصدور الأمر وتوجه الإرادة، وهذا يكفي لتحققه في الموعد الذي قدره الله ﴿فَلَا تَسۡتَعۡجِلُوهُۚ﴾ فإن سنة الله تمضي وفق مشيئة لا يقدمها استعجال ولا يؤخرها رجاء. فأمر الله بالعذاب أو بالساعة قد قضي وانتهى، أما وقوعه ونفاذه فسيكون في حينه المقدر، لا يستقدم ساعة ولا يستأخر. وهذه الصيغة الحاسمة الجازمة ذات وقع في النفس مهما تتماسك أو تكابر، وذلك فوق مطابقتها لحقيقة الواقع، فأمر الله لا بد واقع ومجرد قضائه يعد في حكم نفاذه، ويتحقق به وجوده، فلا مبالغة في الصيغة ولا مجانبة للتحقيق في الوقت الذي تؤدي غايتها من التأثير العميق في الشعور.
فأما ما هم عليه من شرك بالله الواحد، وتصورات مستمدة من هذا الشرك فقد تنزه الله عنه ﴿سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ﴾ بكل صوره وأشكاله الناشئة عن هبوط في التصور والتفكير.
أتى أمر الله المنزه عن الشرك المتعالي عما يشركون. الله الذي لا يدع الناس إلى ضلالهم وأوهامهم.
أؤنبئكم بخير من ذلكم
قال تعالى:
﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلۡبَنِينَ وَٱلۡقَنَٰطِيرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ وَٱلۡخَيۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ وَٱلۡحَرۡثِۗ ذَٰلِكَ مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلۡمََٔابِ ، قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيۡرٖ مِّن ذَٰلِكُمۡۖ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ ءَامَنَّا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ . ٱلصَّٰبِرِينَ وَٱلصَّٰدِقِينَ وَٱلۡقَٰنِتِينَ وَٱلۡمُنفِقِينَ وَٱلۡمُسۡتَغۡفِرِينَ بِٱلۡأَسۡحَارِ﴾
(سورة آل عمران: 14 - 17).
إنما هو ينزل عليهم من السماء ما يحييهم وينجيهم: ﴿يُنَزِّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ بِٱلرُّوحِ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦٓ﴾ (سورة النحل: 2). هذا أولى نعمه وكبراها. فهو لا ينزل من السماء ماء يحيي الأرض والأجسام وحدها، إنما ينزل الملائكة بالروح من أمره. وللتعبير بالروح ظله ومعناه، فهو حياة ومبعث حياة: حياة في النفوس والضمائر والعقول والمشاعر، وحياة في المجتمع تحفظه من الفساد والتحلل والانهيار. وهو أول ما ينزله الله من السماء للناس، وأول النعم التي يمن بها على العباد تنزل به الملائكة أطهر خلق الله على المختارين من عباده -الأنبياء- خلاصته وفحواه: ﴿أَنۡ أَنذِرُوٓاْ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱتَّقُونِ﴾ (سورة النحل: 2).
إنها الوحدانية في الألوهية. روح العقيدة، وحياة النفس ومفرق الطريق بين الاتجاه المحيي والاتجاه المدمر. فالنفس التي لا توحد المعبود نفس حائرة هالكة تتجاذبها السبل وتحايل لها الأوهام وتعزفها التصورات المتناقضة، وتناوشها الوساوس، فلا تنطلق مجتمعة لهدف من الأهداف. والتعبير بالروح يشمل هذه المعاني كلها ويشير إليها في مطلع السورة المشتملة على شتى النعم، فيصدر بها نعمه جميعًا، وهي النعمة الكبرى التي لا قيمة لغيرها بدونها.
ولا تحسن النفس البشرية الانتفاع بنعم الأرض كلها إن لم توهب نعمة العقيدة التي تحييها.
ويفرد الإنذار فيجعله فحوى الوحي والرسالة لأن معظم سياق السورة يدور حول المكذبين والمشركين والجاحدين لنعمة الله، والمحرمين ما أحله الله والناقصين لعهد الله، والمرتدين عن الإيمان ومن ثم يكون إظهار الإنذار أليق في هذا السياق. وتكون الدعوة إلى التقوى والحذر والخوف أولى في هذا المقام.
لماذا انتشر الانحلال في مجتمعاتنا؟!
س أ- هل كانت لنا كنيسة تطاردنا في يقظتنا ومنامنا بالإتاوات الثقيلة؟! والخضوع المذل لرجال الدين؟ وتحرم على أفكارنا أن تفكر في:
١- كروية الأرض أو مركز الإنسان في الكون؟
٢- أو العدالة الاجتماعية أو النظم السياسية؟
٣- أو نشتغل بالعلوم العملية من طب وفلك وطبيعة وكيمياء ونبات وحيوان؟
٤- أو نسعى في فجاج الأرض طلبًا للرزق؟
س. ب- هل كانت لنا أفكار دينية ترفض فكرة التطور في الكون والحياة والإنسان؟ فلما صدقنا فكرة التطور العلمية القينا بالدين جانبًا وانطلقنا (نتطور) مع تطور العلم؟
س ج- هل قامت في تاريخنا الديني كله عداوة بين الدين والعلم كالتي قامت في أوروبا، أو قام النفور في وجداننا الباطني بين الإنسان والله، كما قام في الوجدان الأوروبي في أسطورة «بروميثوس» سارق النار؟
(التي تمثل الصراع بين البشر والآلهة على النار المقدسة!) أجيبوا الكاتب أيها القراء على هذه الأسئلة.
جنون العظمة عند الديكتاتور!
· إن المستبد يغلب عليه أن يكون مصابًا بجنون العظمة!
· وربما اعتقد أن كل كفاية إلى جانب عبقريته الخارقة صفر لا تستحق تقديرًا ولا تقديمًا!!
· وإذا أكرهته الظروف على الاعتراف بكفاية ما، اجتهد في بعثرة الأشواك أمامها، واستغل سلطانه في إقصائها أو إطفائها.
محمد الغزالي
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل