العنوان لقاء ريغان– غورباتشوف.. العشاء الأخير
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 06-ديسمبر-1988
مشاهدات 27
نشر في العدد 894
نشر في الصفحة 37
الثلاثاء 06-ديسمبر-1988
حين يلتقي ريغان وغورباتشوف في السابع من ديسمبر، يكون هذا هو اللقاء الأخير بينهما في سلسلة لقاءات الوفاق الأمريكي– الروسي، التي أذنت بعصر جديد من العلاقات الدولية بين الدول القوية. وقد تقررت هذه الزيارة عقب الإعلان عن فوز «جورج بوش» النائب السابق لريغان. لمنصب رئاسة الجمهورية في الولايات المتحدة الأمريكية. وستعتبر هذه الزيارة زيارة مجاملة غير رسمية.
قد كان غورباتشوف قد التقى الرئيس الفرنسي «فرانسوا ميتران» لا ممثلًا لفرنسا وحدها وإنما کمندوب غير رسمي للمجموعة الأوروبية كذلك، في حين أن ريغان التقى قبل ذلك بقليل «مارغريت تاتشر» رئيسة وزراء بريطانيا الأثيرة لدى الرئيس الأمريكي حيث كان لقاؤه بها هو للقاء الرسمي الأخير الذي أجراه ريغان قبل تركه البيت الأبيض.
زيارة مجاملة أم تكريس للنهج:
ومن البعيد جدًا أن يكون العشاء الأخير الذي سيتناوله ريغان وغورباتشوف هو من قبيل المجاملة، فليس هناك ما يدعو إلى المجاملة بين الطرفين، فعلاقة المصالح الخاصة والمصالح الدولية المشتركة لا تخضع للمجاملات بقدر ما تخضع للمصالح الأساسية بما فيها الأمن القومي والسياسات العليا لكل دولة، والصحيح أن هذه الزيارة ستكون لتبصير الرئيس الجديد بوش خلفيات سياسة الوفاق التي ربما لم يطلع عليها كاملة بحكم موقعه كتائب للرئيس وقتها، ولتكريس وتأكيد جوانب الاتفاق بين الطرفين، مع استدراك لما غاب حينها أو استجد على الخارطة الدولية بما فيها مسألة الانسحاب الروسي من أفغانستان المتوقف حاليًا، والوضع في باكستان، ودولة عرفات الفلسطينية إن كان هناك متسع كافٍ من الوقت.
ولم يخف الاتحاد السوفياتي ارتياحه لفوز «جورج بوش» بمنصب الرئاسة الأمريكية فقد كان فوز «دوكاكيس» يعني الدخول من جديد في التفاوض مع رئيس بعيد عن أسرار المفاوضات وما يأخذه هذا الأمر من وقت غير قليل للتعرف إلى ما تعنيه كلمة الوفاق وما رسمته من علاقات تاريخية جديدة بين البلدين بما فيها اقتسام مناطق النفوذ العالمية، وخاصة دول العالم الثالث. أما بوش فقد كان طرفًا مشاركًا ولو عن كثب.
البريسترويكا والوفاق الإلزامي:
ليس الوفاق هو الخيار الروسي الأكيد لو كانت أوضاع الاتحاد السوفياتي غيرها الآن.
إن «غورباتشوف» يدرك جيدًا أوضاع الإمبراطورية الشيوعية التي وصلت إلى مفرق طريق تاريخي. فالاتحاد السوفياتي يعاني من عدة أدواء منها:
- التخلف التكنولوجي في مجال الإلكترونيات والاتصالات والجينات «علوم الوراثة».
- التخلف والفساد الإداري
- التخلف الاقتصادي «الروبل الروسي لا يداني الدولار في التأثير العالمي».
- الانهيار العقائدي «فشل الشيوعية نظريًا وعمليًا».
- التفتت السياسي «ثورات الجمهوريات والمطالبة بالحكم الذاتي».
- تدهور المحور الشرقي «الديون -الفساد - ثورات العمال في بولندا».
- ضعف التأثير العالمي مقارنة بالولايات المتحدة.
هذه العوامل مجتمعة أدت بغورباتشوف إلى مراجعة التفكير وإقناع زملائه الحزبيين بخطورة الوضع في الاتحاد السوفياتي... ولا شك أن ما قاله لهم في السر يفوق في إثارته كل إصلاحاته العلنية.
والاتحاد السوفياتي يأمل من خلال «البريسترويكا» و«الغلاسنوست» أي إعادة البناء والانفتاح الإعلامي على العالم، ومن خلال التجسس التكنولوجي أن يحاول تحقيق سبق سلمي أو على الأقل موازاة الولايات المتحدة على الأقل، فقد بدت الحقائق واضحة في أن أمريكا ربحت الجولة دوليًا بعد الحرب العالمية الثانية وأن نتيجة التنافس لم تكن حتمًا لصالح الروس!
لهذا فالاتحاد السوفياتي يحاول استغلال الهدنة- الاستراحة التي تجلت في شكل الوفاق الحالي لإعادة النظر، وهو متلهف عليها أكثر من الولايات المتحدة فحسب تصوراته وحساباته ستكون مكاسبه في هذه المرحلة أكبر بكثير من المكاسب الأمريكية. ولا يريد بالتالي لأي شيء أن يفسدها بما في ذلك القضايا الجانبية في نظره والنزاعات الإقليمية بما فيها القضية الفلسطينية.
العشاء الأخير:
لذا فالعشاء الأخير الذي سيتناوله غورباتشوف في البيت الأبيض في السابع من ديسمبر سيكون للتأكد من أحوال الوفاق واستمراريته دون تغيير في سياسة الحزب الحاكم ولا الحاكم الجديد جورج بوش، وأن الوفاق والبريسترويكا والغلاسنوست بخير، حتى يستطيع التفرغ لمشاكل العقد القادم وخلافات أرمينيا وأذربيجان وأحلام إستونيا القومية وكل وفاق والعالم بخير!!