; لقاء مع الدكتور عبد اللطيف محمود آل محمود | مجلة المجتمع

العنوان لقاء مع الدكتور عبد اللطيف محمود آل محمود

الكاتب ناصر المطيري

تاريخ النشر الأحد 15-ديسمبر-1991

مشاهدات 16

نشر في العدد 980

نشر في الصفحة 17

الأحد 15-ديسمبر-1991

  •  

    وجوه كويتية تعكس العزم

    أرى في وجوه الكويتيين مظاهر العزم والإصرار على إعادة بناء وطنهم أفضل مما كان عليه.

    أستاذ الدراسات الإسلامية المساعد في كلية الآداب في جامعة البحرين، قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية ورئيس مجلس إدارة الجمعية الإسلامية في البحرين.

    المجتمع: ما هو مستقبل الوحدة الخليجية؟ وإلى أين تتجه الصحوة الإسلامية؟ وما هي ملامح مستقبل العلاقات الخليجية-الإيرانية؟ هذه الاستفهامات وغيرها من التساؤلات التي تدور في ذهن المواطن الخليجي طرحتها "المجتمع" في لقائها الذي أجرته مع الدكتور عبد اللطيف محمود آل محمود، أستاذ الدراسات الإسلامية المساعد في كلية الآداب في جامعة البحرين، قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية، ورئيس مجلس إدارة الجمعية الإسلامية في البحرين، وذلك خلال فترة وجوده في الكويت لتبدأ لقاءها معه بهذا السؤال:

    المجتمع: زرتم الكويت بعد زوال المحنة والاحتلال.. ما هي انطباعاتك عن كويت ما بعد التحرير؟

    د. عبد اللطيف: زرت الكويت بعد التحرير مرتين، المرة الأولى في أوائل شهر أغسطس 1991 بمناسبة مرور سنة على جريمة نظام صدام باحتلال الكويت، والمرة الثانية في أوائل هذا الشهر، ديسمبر 1991. لقد شاهدت الكثير من آثار العدوان على شعب الكويت وممتلكاته، وأدلة كثيرة على جرائمه في حق الإنسان والإنسانية. وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على الروح البربرية التي يتبعها النظام في حكمه، مما لم يشهد له التاريخ مثيلًا، وأصبحت الغاية عنده تبرر الوسيلة، وكانت وسائله مما لا يقرها دين، أو قانون، أو خلق، أو ضمير. ولقد رأيت عزيمة من أهل الكويت لإعادة بناء بلدهم من جديد على المستوى الشعبي والرسمي. ومن خلال لقائي مع المواطنين الكويتيين، رأيت آمالهم وطموحاتهم في بناء الدولة أكبر مما مضى، وعزيمتهم أشد، ورغبتهم في المشاركة في التعمير الحسي والمادي والروحي والمعنوي أكثر مما يُتاح لهم، وهم على الدرب ماضون، نسأل الله لهم الإعانة والتوفيق.

     

    تقييم للموقف الخليجي

    المجتمع: امتدح الجميع الموقف الخليجي من المحنة الكويتية.. ما هو تقييمك الشخصي لأسلوب دول مجلس التعاون في التعامل مع الغزو والتهديد العراقي؟

    د. عبد اللطيف: أعتقد أن ما قامت به دول الخليج العربي وشعوبها تجاه المحنة الكويتية هو المنتظر والمتوقع، بل لو لم يقفوا هذا الموقف لكان ذلك مخالفًا للموقف المعقول. فدول الخليج ترتبط مع أهل الكويت ودولتها برباط العقيدة واللغة والنسب والأخوة والمحبة والتفاهم، قبل قيام مجلس التعاون الخليجي وبعده. وهذا موقف الأخ مع أخيه، ولقد بُذلت الجهود على المستويين الشعبي والحكومي لمواجهة الأزمة والشتات، والدفاع عن الحقوق ورد الاعتداء وتحرير الكويت.

    وإذا كانت دول الخليج قد بذلت ما استطاعته من إمكانياتها، إلا أن الأزمة قد أظهرت أن استعداداتها وتوقعاتها منفردة ومجتمعة لهذه المحنة أو غيرها أقل مما يجب، رغم مضي عشر سنوات على قيام مجلس التعاون. ولقد انكشف للجميع التقصير في التخطيط والإعداد والدراسات التي يجب على الدول التي يمكن أن تتعرض للعدوان كدول الخليج أن تكون على استعداد لها، رغم قيام الحرب الخليجية الأولى بين العراق وإيران، إذ لم يُستفد من هذه الحرب التي استمرت ثماني سنوات دُفع فيها الخليج من موارده وطاقاته لها.

     

    الهوية الخليجية ومستقبل الوحدة

    المجتمع: تُثار بشكل واضح مسألة الهوية الخليجية في إطار العلاقة في العالم العربي وفي مجال العلاقة مع الغرب.. ما هو تصوركم للموقف الخليجي المطلوب في هذا الصدد؟

    د. عبد اللطيف: الهوية الخليجية لا تعني انفصالًا عن العالم العربي والعالم الإسلامي والدولي، لأنها إن عنت ذلك فهي ببساطة تقضي على نفسها. فدول الخليج الست مجتمعة وإن كانت لها موارد مالية ضخمة، إلا أنها لا تمثل تجمعًا سكانيًا يمكنها من الاستقرار والنمو في مواجهة التجمعات الاقتصادية والسياسية القائمة والتي بصدد القيام في الشرق والغرب.

    وإذا كانت هناك دعوة لتجمع خليجي يتقارب أبناؤه عقيدة ولغة وتاريخًا مشتركًا وآمالًا وآلامًا ونسبًا وصهرًا، فإنما هي دعوة لتقوية لبنة من لبنات الأمة العربية والأمة الإسلامية متصلة بهما غير منفصلة عنهما. وغير هذا التصور يُعتبر عبثًا ولعبًا ولهوًا، وله خطورة كبيرة على استقلال وحرية دول المنطقة وشعوبها، إذ ستنفرد بها القوى العظمى القادرة على الكر والفر، والمكر، والدس، والوقيعة. ولا زالت دولنا تتعامل بالطيبة والأخلاق الكريمة.

    وأتصور للموقف الخليجي أن ينتهي هذا التقطع في أوصال بلدان الخليج بإقامة اتحاد مركزي "فيدرالي" بينها، يتولى الشؤون الخارجية، والعسكرية، والاقتصادية، ويُترك لكل دولة أمورها المحلية والداخلية. ويكون هذا الاتحاد مبنيًا على أسس حديثة كما هو واقع في أمريكا وبعض الدول الأوروبية. وهذا يستدعي تضحية من الحكام والمحكومين على حد سواء للتنازل عن بعض المصالح الخاصة من أجل المصلحة العامة والأمة العربية والأمة الإسلامية.

    ولا أشك في أن من يحمل هموم أمته حاكمًا أو محكومًا سيتنازل عن هذه المصالح الخاصة للوصول إلى الكرامة والقوة والتقدم الحضاري.

     

    التلاحم الخليجي وسبيل الوحدة

    المجتمع: هل ترون أن التلاحم الخليجي الذي لمسناه أيام المحنة سيكون له دوره في فتح مجال توحيد شعوب المنطقة في كيان سياسي واحد؟

    د. عبد اللطيف: إذا لم نستفد من التلاحم الخليجي إبان الأزمة لتوحيد شعوب المنطقة في كيان سياسي واحد، فأظن أننا لا نعيش الواقع، بل إننا من عالم آخر غير عالم الإنسان.

    المجتمع: هناك العديد من الأخطار التي تهدد منطقة الخليج بشكل عام، فكيف ترون الأسلوب الأمثل لمواجهة هذه الأخطار فكريًا وعسكريًا؟

    د. عبد اللطيف: الأخطار التي تهدد منطقة الخليج كثيرة، منها الفكرية والعسكرية. أما مواجهة الأخطار الفكرية، فبعد أن انفتحت قنواتها التلفزيونية على المحطات العالمية، وغزتنا الكتب والمجلات العالمية والعلمية والإخبارية والرخيصة، وفتحت مجالات اللهو واللعب غير البريء؛ فإن البدء في المواجهة الفكرية هو أن نحدد في مجتمعاتنا الخليجية من نحن؟ وإلى من ننتمي؟ وما هي المبادئ الفكرية التي تقوم عليها الشخصية التي ننتمي إليها؟

    وفي العادة، إن الدول التي تريد لها مستقبلًا أفضل بعد زلزال كزلزال الخليج تدعو المفكرين والمثقفين وأصحاب الرأي والحكمة للجلوس في جلسات طويلة للبحث عن الأسباب والمسببات، ويضعون العلاج ويخططون للمستقبل في إطار علمي، ثم تقدم هذه الدراسة للتطبيق وتُذلل أمامها العقبات، كما حدث لألمانيا واليابان وفرنسا وغيرها بعد الهزائم التي مرت بها سواء كانت عسكرية أو فكرية أو صناعية.

    أما مواجهة الأخطار العسكرية، فإنه لا يمكن مواجهتها إلا إذا قام اتحاد سياسي له جيش موحد يؤسس على أفضل الأساليب والوسائل والأسلحة والأنظمة والتدريب، يشاركه في مهمته جميع المواطنين الذين يجب تجنيدهم إجباريًا لمدة محددة مع التدريب الدوري، ليكونوا مُعينين لجيش الدولة عند الاقتضاء، مع الاهتمام بالنفس والأخلاق وروح البذل والجهاد مع الطاقة البدنية.

     

    العلاقات الخليجية-الإيرانية

    المجتمع: تشهد العلاقات الخليجية-الإيرانية تحسنًا ملحوظًا هذه الأيام، فهل تتوقع أن تثمر هذه الخطوات عن تقارب جيد وعلاقات أفضل مستقبلًا؟

    د. عبد اللطيف: التحسن الملحوظ في العلاقات الخليجية-الإيرانية حتى الآن هو تحسن في المجال الاقتصادي والسياسي بعد الموقف الإيجابي أحيانًا والحيادي أحيانًا أخرى من جمهورية إيران الإسلامية أثناء الحرب الخليجية الثانية، وأرى هذا التحسن ردة فعل لهذا الموقف أو ذاك. وأعتقد أن العلاقات مع إيران ينبغي أن تُؤصّل بناء على الجوار والعلاقات الثقافية والفكرية والعسكرية والسياسية التي تتبعها إيران تجاه الخليج والعالم العربي والإسلامي. ولا شك أن العلاقات في ضوء ما رأينا من خطوات لا تصل إلى حد الثبات.

    والأصل في العلاقات بين الدول التبادل والأخذ والعطاء، وحيث إن إيران تمثل تكتلًا بشريًا أكثر بكثير من دول الخليج مع اتحادها وتفرقنا ووضوح الرؤية لديهم وتخطيطهم البعيد المدى، فإن العطاء من جانب واحد، وأصبحت دول الخليج سوقًا استهلاكية فقط. ولكن أمام التحول في السياسة الإيرانية يمكن أن تشهد المنطقة استقرارًا، ولكن هذا الاستقرار يعتمد على الوضع السياسي في إيران ومن يتولى السلطة فيها.

     

    الخلاف العربي بعد أزمة الكويت

    المجتمع: سادت روح الخلاف والتقوقع بين الشعوب العربية بعد أزمة الكويت، فما رأيكم في الموقف من الشعوب التي لم تقف في صف الحلفاء لتحرير الكويت؟

    د. عبد اللطيف: إن الشعوب التي لم تقف مع الكويت أثناء المحنة إنما يدل على أن عملنا طيلة السنوات الماضية في الخليج لا يعتمد على سياسات بعيدة المدى ولم تُتخذ الخطوات التي تصل إلى شعوب الدول العربية، وإنما كان التعاون مع الحكومات فحسب. ثم إن العمل الإعلامي خلال الفترة الماضية قد وقع فيما وقع فيه الإعلام العربي قبل 1967، حيث عمل على إقناعنا بقضيتنا بينما كان العدو يعمل على إقناع الآخرين بقضيته. من هنا لم تصل رسالة الشعوب والحكومات في دول الخليج إلى شعوب الدول التي وقفت ضد تحرير الكويت من جانب الحلفاء.

    إضافة إلى ذلك، فإنه قد انكشف لنا أن التوعية الفكرية غير مبرمجة وغير محددة الأهداف ولا تقوم على استراتيجيات واضحة، بل نوع من الثقافة الفكرية المختلطة. ولم يتم التركيز على الأساسيات، بل كان الانشغال بالفرعيات أكثر من الثوابت. وإن علاج ذلك يحتاج إلى دراسة لوضع الأساسيات والثوابت ضمن خطة ثقافية طموحة لا لشعوبنا في الخليج، بل لشعوب العالم العربي والإسلامي. وفي ظل غياب التنظيم الفاعل والمؤسسات الجامعة، فإنه من الصعب الوصول إلى هذه الأمنيات.

     

    قمة الخليج الجديدة: طموحات وآمال

    المجتمع: نحن بين يدي القمة الخليجية الجديدة. برأيك، ماذا يطلب شعب الخليج من قادته في لقائهم الأول بعد ذلك الزلزال الخطير؟

    د. عبد اللطيف: إن آمالنا في القمة الخليجية القادمة كثيرة. نريد خطوات على طريق الوحدة وإزالة العقبات في التنقل للأفراد والأموال، ونريد حل مشاكل الحدود، ومشاركة الشعوب في إدارة الدولة واتخاذ القرار، وإقامة دولة المؤسسات في كل قطر من أقطارنا، والعمل بالدساتير الصادرة، وإصدار ما لم يُصدر منها، والتلاحم الأكثر بين الشعوب والأنظمة، والاستفادة من الطاقات الفكرية الموجودة بعيدًا عن التصنيف، ووضع جدول زمني لكل هذه التصورات.

    نسأل الله لنا ولهم خير الدنيا والآخرة.

     


     

الرابط المختصر :