العنوان لمصلحة من يشعلون فتيل الصدام في مصر؟
الكاتب أحمد منصور
تاريخ النشر الثلاثاء 02-مارس-1993
مشاهدات 14
نشر في العدد 1040
نشر في الصفحة 27
الثلاثاء 02-مارس-1993
بلا حدود
- رغم دعوة بعض الوزراء والكتاب الحكوميين السلطات المصرية للاعتراف بشرعية التيار الإسلامي الأصيل في مصر إلا أن الحكومة تسير في طريق الصدام مع التيار الإسلامي
خلال ساعة واحدة كان كل من أبو الفضل الجيزاوي ومحمد الجويلي عضوا مجلس الشعب المصري قد انتهيا من فبركة وإعداد قانون تحجيم الإسلاميين ومنعهم من ممارسة حقهم السياسي في إدارة النقابات المهنية التي بدأت جموع المهنيين من أطباء ومهندسين وصيادلة ومحامين وتجاريين وتطبيقيين ومعلمين وعلميين تمنحهم الثقة لإدارة هذه النقابات بعدما ظلت تدار بواسطة النفعيين والاشتراكيين وأذناب السلطة طوال ما يزيد على ثلاثة عقود، وخلال يوم واحد أقر مجلس الشعب الذي لا توجد به معارضة ـــــ بسبب مقاطعة المعارضة لدخول الانتخابات الماضية سوى حزب التجمع اليساري – القانون، وفي اليوم الثالث قام رئيس الجمهورية بالتوقيع عليه وتجاهل الجميع آراء ثلاثة ملايين نقابي تجمعهم اثنان وعشرون نقابة أعلن ممثلو سبعة عشر نقابة منها في مؤتمر عام طارئ عقدوه في القاهرة في أعقاب صدور القانون رفضهم للقانون وطعنوا بعدم دستوريته أمام المحكمة الدستورية العليا فيما قام ۱۹۰ ألف مهندس في المصانع والشركات بتنظيم إضراب لمدة ساعتين في الحادي والعشرين من فبراير الماضي تعبيرا عن رفضهم للقانون وفي اليوم التالي قام آلاف المحامين بإضراب أمام المحاكم سجلوه في المضابط القضائية أعلنوا فيه رفضهم للقانون الذي جاء ليفرض وصاية الحكومة على إرادة المهنيين في مصر، كما قام الصحفيون باعتصام مفتوح في نقابتهم احتجاجا على القانون وعلى مساعي الدولة لإغلاق صحيفة(الشعب) وسار الصحفيون في تظاهرة سلمية من مقر النقابة إلى مجلس الشورى رددوا خلالها هتافات تندد بموقف السلطات من حرية الصحافة وقانون النقابات وطالبوا الدولة بالحفاظ على الحرية والديمقراطية.
وفي نقابة المهندسين أكد الدكتور محمد علي بشر أمين عام نقابة المهندسين بأن النقابة سوف تقوم بشطب المهندسين أعضاء النقابة من نواب البرلمان الذين وافقوا على القانون وعلى رأس هؤلاء المهندس حسب الله الكفراوي وزير الإسكان ونقيب المهندسين علاوة على وزراء النقل والإنتاج الحربي والكهرباء والموارد المالية وثمانية عشر مهندسا آخرين نوابا في البرلمان كما قامت النقابة بسحب الثقة من نقيب المهندسين حسب الله الكفراوي.
وقد ذكرت الحكومة في أنها تريد من تغيير القانون منح أكبر فئة من النقابيين حقهم في اختيار ممثليهم بعدما ثبت أن نسبة الحضور في الانتخابات النقابية تكون بين عشرة وخمسة عشرة في المائة فقط من الأعضاء الذين لهم حق التصويت في حين ينص القانون الجديد على ضرورة حضور خمسين في المائة على الأقل في المرة الأولى وثلاثين في المائة في الإعادة وقد دفع هذا المراقبين إلى القول بأن قانون الانتخابات البرلمانية يكون هو الآخر بحاجة إلى تعديل بعدما ثبت أن كافة الانتخابات البرلمانية التي تمت في العهود( الميمونة) لم يزد عدد الحضور فيها عن نفس النسبة السابقة ومن هنا يظهر الهدف الحقيقي من وراء إصدار هذا القانون الذي لا يهدف إلا إلى كبت الإسلاميين ومصادرة حقهم في الممارسة السياسية عن طريق القنوات الشرعية المتاحة.
لقد فشل الحزب الحاكم في مصر وطوال الدورات الانتخابية الأخيرة ورغم الإمكانات والإغراءات المادية التي يقدمها للناخبين في الحصول على مقاعد في مجالس إدارات النقابات.
يعكس واقعه الحقيقي وسط ثلاثة ملايين من المهنيين والمثقفين يمثلون أرقى طبقات المجتمع من أطباء ومهندسين ومحامين وعلميين وتجاريين وصيادلة وصحفيين وتطبيقيين ومعلمين ولم يصبح نقابات المهن الفنية فقط التي لا يوجد فيها حضور للإسلاميين، ولذلك سعى الحزب الحاكم لطبخ هذا القانون وإعداده خلال ساعة والمصادقة عليه ونشره في الجريدة الرسمية خلال ثلاثة أيام ليصادروا بذلك إرادة واختيار ثلاثة ملايين نقابي، ويدفعوا الحركة الإسلامية الأصيلة في مصر إلى البحث عن منافذ أخرى للتعبير ربما تقود إلى صدام مرير يقود البلاد إلى مستقبل مجهول.
إن الحركة الإسلامية في مصر أصبحت قوة لا يستهان بها - حسب تحليلات معظم المراقبين – لاسيما بعدما أثبت أبناؤها جدارتهم وأمانتهم في إدارة النقابات التي دخلوها خلال السنوات العشر الماضية حيث شعر أعضاء النقابات للمرة الأولى بانتمائهم إلى نقاباتهم واستفادتهم من خدماتها بعدما ظلت عدة عقود حكرا على المنتفعين وأعضاء الحزب الحاكم، حتى إن كثيرا من أعضاء النقابات من غير المسلمين كانوا يعطون أصواتهم للإسلاميين ثقة فيهم وفي أمانتهم مما سبب إزعاجًا للحزب الوطني الذي يريد أن يفرض نفسه بالإرهاب والتزوير وطبخ القوانين بعدما فشل بكافة الوسائل بإقناع الشعب بقبوله والثقة فيه وإذا كان كثير من المراقبين بل وبعض الوزراء والكتاب الحكوميين في مصر قد نصحوا الحكومة المصرية بضرورة تمكين التيار الإسلامي المعتدل الذي تمثله جماعة الإخوان المسلمين من الحصول على قناة شريعة يعبر من خلالها عن حقه السياسي والشرعي ويستوعب انفلات الشباب المتحمس إلا أن هناك تيارًا آخر في السلطة يدفع إلى الصدام وقد أثبت أنه التيار الأقوى بعد الإجراءات الأخيرة التي اتخذت ضد النقابات.
إنه لم يعد أمام التيار الإسلامي في مصر متنفس سوى النقابات وإن إصرار بعض العناصر التي لا تخدم مصلحة البلاد على تجفيف الينابيع وإغلاق المنافذ ووسائل التعبير والقنوات الشرعية المتاحة أمام التيار الإسلامي ليس سوى محاولة لزج الإسلاميين إلى المواجهة والصدام مع السلطة وهو ما يتمناه أعداء الأمة وموجهو السياسات الخاطئة والتوجهات العميلة فيها، وإذا كانت الدنيا كلها تسير نحو الحرية والديمقراطية وكرامة الإنسان فلماذا يصر هؤلاء على استمرار عصر المهانة والكبت والإذلال لشعوب الإمة المسلمة إرضاء للشرق تارة وللغرب تارة أخرى فلمصلحة من يعمل هؤلاء؟ ومن هي القوى الحقيقية التي تسعى لإشعال فتيل الصدام بين الإسلاميين والسلطة في مصر!
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل«العدالة والتنمية» ذاهب للانتخابات بسلـة مليئـة بالإنجـازات الإستراتيجيـة
نشر في العدد 2179
30
الاثنين 01-مايو-2023