العنوان ليلة الامتحان
الكاتب إيمان مغازي الشرقاوي
تاريخ النشر السبت 24-يناير-2009
مشاهدات 8
نشر في العدد 1836
نشر في الصفحة 56
السبت 24-يناير-2009
الموت امتحان مفاجئ لا يناسبه إلا الاستعداد الدائم بطاعة الله في كل زمان ومكان.. ولا يجدي معه التمني والتسويف
أبى النوم أن يداعب أجفانها في تلك الليلة، وكلما أغمضت عينيها طاردتها أشباح الأرق، ووقفت دون بابها وساوس القلق.. حاولت مراراً وتكراراً أن تغلق باب أجفانها ؛ لكنها في كل لحظة تمر عليها تقطع المزيد من أشواط السير في طريق طويل مع قافلة السهاد ، التي أبت هي الأخرى أن تستكين أو تستجيب فتقف في بعضه طلبا للراحة ماذا دهاك أيتها المسكينة فحول ليلك إلى نهار.. لكنه مظلم وألقى بك على سرير الرقاد لكنك مستيقظة أفكلما داعب الكرى جفنيك أبيت ؟! وكلما دنا منك النعاس نأيت أمن النوم تفرين، أم من الراحة تنفرين ؟! ما هذا الذي أقض مضجعك فجعلك من الساهرين، وأقلق بالك فصيرك مع المشغولين، وشغل فؤادك فأنت من القلقين؟ حقا .. لا بد أنه أمر جلل أطار النوم من عينيك، فهل يستحق كل هذا العناء ؟ أم أنك من الخاطئين؟ أجابت وهي مضطربة إنها .. إنها ليلة الامتحان!
نستعد لاختبارات الدنيا بكل ما أوتينا من قوة وحرص وينتابنا القلق والخوف من الرسوب.... فهلا فعلنا ذلك لامتحان الآخرة ؟!
لقد استعانت بالله، واستعدت لذلك الاختبار أتم استعداد، وفوضت لربها الأمر كله أولا وأخيرا، فهو واهب العلم ومثبت القلوب ومع ذلك لقد خشيت وهي في غمرة قلقها، أن تصيبها ذنوبها فتخونها الذاكرة، أو تأبى أن تسعفها بالصواب؛ إنها لا تريد درجة النجاح فحسب، بل تريد التفوق، وهي حريصة كل الحرص على ذلك؛ لأنها تنتسب إلى تلك الأمة العظيمة، أمة الوسط التي يأبى الله لأصحابها أن يكونوا في ذيل القافلة، ويحب منهم التقدم ويشجعه ويرضاه لهم في كل ما ينفعهم وينفع من حولهم، ولن يكون ذلك إلا بإتقان العمل... كل العمل، خالصاً لله، وتلك هي الرسالة التي وجهها لنا جميعاً رسولنا المعلم ﷺ حين قال: «إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه» ( البيهقي).. لك الله، وكان الله في عونك أيتها الصديقة. والآن، وقد انتهى الامتحان بحمد الله وتوفيقه، ومرت أيامه بسلام، دعيني أهمس في أذنيك، وأطرق على أوتار سمعك ذلك السؤال الصعب عله يلامس منا المرض فيداويه، أو يقع على موقع الداء فيبرئه، ربما صادف فينا قلوباً حية ونفوساً عالية وآذاناً صاغية.. ودعيني أقتنص هذه الفرصة لأبثك هواجسي، ونعيش معا في رحاب الصدق الصادق، ولو للحظات...
الامتحان الأكبر
أتذكرين ليلة الامتحان؟ ليلة القلق والأرق والسهاد .. ليلة الخوف من وقع السؤال.. إنها لحظات لا بد للمرء فيها أن ينظر إليها نظر فكر وتبصر، ليكون له من كل نجاح نصيب فهل فكرت أختاه حين اعترضت طريقك مظاهر الخوف والقلق، مع كل مادة تدرسينها، وفي كل يوم، وأنت على طاولة الامتحان منتظرة، على أهبة الاستعداد متربصة لتفرغي ما في جعبتك من علوم وإجابات حينها كنت مشفقة على نفسك من نفسك أن تنسي أو تخطئي، ترفعين كفيك بالدعاء.. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا ... ألا يذكرك ذلك الامتحان بشيء قد تغفلين عنه، أ وقد تتناسينه في زحمة الحياة دون أن تدري ؟! ألا يذكرك بامتحان آخر وأخير في يوم طويل هو آت لا ريب فيه، يسبقه امتحانات واختبارات يطل الواحد منها تلو الآخر، وأنت تسيرين في الطريق بلا توقف لتجدي نفسك في النهاية وجها لوجه أمام صعوبته، تواجهين السؤال وحدك منفردة وحيدة، ولا غش حينئذ ولا تدليس، بل لا يقبل منك الإعادة في دور لاحق ثان أو ثالث لرفع درجتك، فلا عود إذن ولا إعادة.. إنه حقا الامتحان الأكبر.
الامتحان.. والسؤال الأول
ويبدأ السؤال الأول في امتحان كبير، كلنا ممتحنوه، قد يأتي فجأة إذ ليس لدينا وقت محدد له، وهو امتحان عام لكل المستويات والأعمار لا يتميز فيه شخص عن آخر، ولن يتسرب موعده إلى أحد من الممتحنين يستوي في ذلك الصغير والكبير، والمرأة والرجل والشاب والعجوز، فالكل في ذلك سواء، والمحظوظ من جاءته بعض العلامات الدالة على قربه، وهي ليست بالتأكيد دقيقة، إذ إنه قد يأتي فجأة... في البيت أو في الشارع، فوق السرير أو على قارعة الطريق، وقد يأتينا ونحن مع من نحب من زوج وأهل وخلان وأحباب؛ لكنهم لا يستطيعون دفعه عنا أو تأخير موعده، فهم لا يملكون لنا نفعا ولا ضرا، بل إنه إذا أتى فرق بين الجميع دون هوادة، فيفرق بين العروس وعروسه ربما في ليلة الزفاف وبين الزوج وزوجه، وبين الولد ووالديه، وبين الأهل والأحبة؛ فلا يلتقون بعده إلا في جنة الرضوان.
إنه الموت..
نعم.. إنه الموت.. هازم اللذات.. ومفرق الجماعات، والكأس التي كل الناس ذائقها كما قال تعالى: ﴿كل نفس ذائقة ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ (آل عمران : ١٨٥).. وحين ينام المرء منا على سرير موته ذاك، ومن حوله يلتف المحبون ينفسون له في الأجل ويدعون له بطول العمر، لكن ملك الموت له بالمرصاد، إنه عنده قريب منه وقد أمر بقبض الروح، ومن حوله الملائكة الأطهار كل ينتظر انتهاء وقت الامتحان ليطووا صفحته ويأخذوا ورقته ويعلنوا النتيجة في الحال، ويا له من موقف !!
وحينئذ يستعيد المرء شريط حياته من أوله حتى تلك اللحظة الفاصلة، ويتمنى أن يعود للوراء، ومع العتاب القاسي للنفس على التقصير والخوف من سوء المصير، يحاسب كل إنسان نفسه بصدق ليس بمعهود لسان حاله يقول .. آه يا نفس كم ظلمتك معي، وددت لو حافظت على فرائض ربي وما ضيعتها، ليتني أحسنت إلى زوجتي وما أهنتها ! وكم قطعت رحمي فما وصلتها ! أين أهلي وعشيرتي؟ أين مالي وتجارتي؟ بل أين أبنائي وأحبتي ...؟! إنني مفارقهم عما قليل، لماذا لم أكفل يتيما وأطعم مسكيناً؟
كيف لم أمش في حوائج إخواني؟ ماذا لو أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر؟ كيف لم أحفظ لساني، وأغض بصري وأحفظ فرجي؟! ليتني ما أخذت مال فلان ولا اعتديت على فلان، وآه من بطني كم أشبعتها من الحرام وكم أكلت سحتا وشهدت زورا، وكم، وكم ... فهل قبل ربي توبتي وغسل حوبتي، لماذا لم أستزد بعد من فعل الخيرات، وعمل الصالحات؟!
وحين يوقن المؤمن أنه لا محالة مفارق ويملأ الخوف قلبه ويظن الهلاك، إذا بجناح الرجاء يميل به فيرجح، وإذا بالقلب الضعيف يتعلق بمولاه طالبا صفحه وغفرانه، مجددا توبته إليه، محسنا ظنه به فهو الغفور الرحيم قابل التائبين، ومؤمن الخائفين، ويا للبشرى إن كان عنده من المقبولين؛ إذ تأتيه البشارة في الحال: «أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان أبو داود، وها هي ملائكة الرحمن من حوله، تحف به وتطمئنه ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَلَ عَلَيْهِمُ الملائكة أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشَرُوا بِالجَنَّة التي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ (فصلت: 30).. وهنا تهدأ النفس المؤمنة، وتخرج من الحصار المحيط بها وترتاح فقد فازت ونجحت في الاختبار، وعما قريب سيقطف المرء ما جنى ويحصد ما زرع في يوم آت ... ﴿ يَوْمَ لا يَنفَعُ مَال وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلبٍ سَلِيم (89) ﴾ (الشعراء).
وأما إن كان ذلك الإنسان لم يسلك في دنیاه سبيل المؤمنين، فبدل وغير، وقصر وضيع، وتأنى وسوف، ولم يقدم إيمانه بالله بين يديه، ولم يعمل حسابا لذلك اليوم، فلن يحظى بالتوفيق الإلهي الذي يلقن به حجته، وحينئذ لا بشرى ولا فوز ويا للخسارة والحسرة، إذ يطلب الفرصة فلا يدركها، ويسأل الرجعة فلا يملكها : ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونَ(99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كلا إنها كلمة هو قائلها وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ (100)﴾ (المؤمنون). وهيهات هيهات، إذ تعلن النتيجة أيضا في الحال: «أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضبه» ( أبو داود).
وتطوى في دنيا الناس هاتان الصفحتان، صفحة ناجح ناج صار بفضل الله من الفائزين، وصفحة راسب هالك فهو والعياذ بالله من الخاسرين...
من أي الفريقين نكون؟
عن أنس رضى الله عنه عن النبي ﷺ قال: «العبد إذا وضع في قبره وتولى وذهب أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فأقعداه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد ؟ فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال: انظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به مقعداً من الجنة. قال النبي : فيراهما جميعا، وأما الكافر أو المنافق، فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيقال: لا دريت ولا تليت ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين» (البخاري) ..
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل