; ماذا لو ضاعت أسرة وبقيت أمة؟ | مجلة المجتمع

العنوان ماذا لو ضاعت أسرة وبقيت أمة؟

الكاتب علي عبد العزيز

تاريخ النشر الثلاثاء 17-سبتمبر-1974

مشاهدات 11

نشر في العدد 218

نشر في الصفحة 33

الثلاثاء 17-سبتمبر-1974

فما كان يزيد شيئًا عن علماء جيله.. وما كان يزيد شيئا عن سكان نيله. اللهم إلا القليل من الصدق.. واليسير من الإخلاص كان صبيًا في عمر الزهر أشبه بالبراعم الغضة، وكانت ليلة عيد والعيد عند الصغار حلم وفي هذه الليلة كان قادمًا من غيبة قصيرة كان يزور خلالها بعض البلدان؛ ليقوم هناك ببعض المهام وكانت النخبة من الأخوة تعلم بوصوله فالتقوا جميعًا في البيت وكأنهم كانوا على ميعاد. وطال اللقاء وامتد الوقت إلى المساء وكان الطفل في حاجة ماسة إلى اللقاء وكأنه من قلقه على عدم خروج والده استشار من في الدار فأذنوا له بالدخول؛ ليعلم الإمام عن طلبته ويعلن عن رغبته، رغم أن الدخول على الإمام، بل على أي وافد في الدار ليس بالأمر المستساغ عند رب الدار. وفجأة فتح الباب ودهش الجميع من هذا الاقتحام وأصبح الطفل أمام الإمام وجهًا لوجه وبعد أن كان المتوقع عتابًا على فتح الباب كان الأمر على غير ما توقع أولي الألباب. كان الإمام يعلم سلفًا ما هو المطلوب ولكن السفر أضاع بعضًا ما في الجيوب ثم نظر إلى حذاء الغلام؛ ليتعلل إليه ببعض الكلام لكن وجده في حالة لا تسمح له بامتهان عقل الغلام فغض البصر وأعاد النظر وأطرق الرأس ووضع اليد على الخد ثم مكث برهة من الوقت حسبها الطفل دهرًا وظنها الجميع أمرًا وبدأت القسمات على الوجوه تتباين والخواطر في النفوس تتغاير والأفكار في الرؤوس تتواثب. كانت دنيا تفكير الغلام في حذائه وتفكير الجماعة إشفاقًا من أعبائه ولكن تفكير الإمام كان محصورًا في تفضيل الأهم على المهم من واجباته. فقد كانت سكتة لطيفة ووقفة حاسمة ينتظر الجميع منها جواب الفصل وإعلان الحكم حتى يتبدد هذا الصمت ويزول هذا الانتظار وترتاح النفوس على أي حال من الأحوال؛ لأن الكل كان يخشى الجواب ويهاب الإعلان تمامًا كما كان الحال مع قريش حينما انتظرت الجواب من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم أن أخبره عمه أبو طالب بما يريدونه من أمر المساومة على دین الله، فكان الجواب فصلا واضحًا وحكمًا رائعًا أبقى للحق جلاله وأعطى للأمر جوابه.. «حتى يظهره الله أو أهلك دونه». وهناك رفع الإمام رأسه وأمسك الجميع أنفاسه واختلف رجاء كل من الغلام والإخوان فالأول ينتظر المبلغ أو الاستصحاب لمكان البيع والشراء والآخرين ينتظرون ألا يكون الأمر الذي شغل الإمام «كما هو المعهود» شيئًا من البلاء. ولكن الإمام أراح الجميع بقوله: «وهو ينظر إلى الغلام »، «یا غلام» اذهب الآن. فلما انصرف الغلام، قال في أثره: «ماذا لو ضاعت أسرة وبقيت أمه؟».. ثم أردف قائلًا: وهو يستعد لبدء الحوار مع الإخوان «اللهم لا تشغلنا بأنفسنا ولا تكلنا إليها طرفة عين ولا أقل من ذلك، فإنك إن فعلت هذا هلكنا». نعم سعدت أمه بغض النظر عن ضياع الأسرة فقد قيض الله لها جد الغلام لأمه فمنحها شيئًا من المال وذلك بعد استشهاد الإمام في ظل الملكية الحمقاء. لا شك في أن الأمة الإسلامية سعدت؛ بسبب جهوده وصدق إخلاصه فما كان يزيد شيئًا عن علماء جيله وما كان يزيد شيئًا عن سكان نيله اللهم إلا القليل من الصدق واليسير من الإخلاص، فلما علم الله منه الصدق في النية والإخلاص في الطوية أسمع صوته العالمين من الموحدين في مشارق الأرض ومغاربها تمامًا كما وقع لإبراهيم -عليه السلام- حين أذن في الناس بالحج فأتوه من كل فج عميق. وتمامًا كما دفع لأصحاب الشجرة حينما كانوا يبايعون رسول- صلى الله عليه وسلم-: ﴿فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ .
الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

درس من عائشة

نشر في العدد 217

20

الثلاثاء 10-سبتمبر-1974

نفحات من عبير.. إقبال

نشر في العدد 215

27

الثلاثاء 27-أغسطس-1974