; معركة بدر.. الحق يواجه الباطل بالسلاح | مجلة المجتمع

العنوان معركة بدر.. الحق يواجه الباطل بالسلاح

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 16-أكتوبر-1973

مشاهدات 38

نشر في العدد 172

نشر في الصفحة 18

الثلاثاء 16-أكتوبر-1973

ايمان رجال بدر..

نحتاجه في معركة اليوم

 

الحديث عن غزوة بدر الكبرى في ظل المعارك الطاحنة التي يعيشها المجاهدون ضد اليهود في سيناء وفي هضبة الجولان يطيب لكل متحدث عن تلك المعركة العظيمة والفاصلة في تاريخ المسلمين.

وكل متحدث في ذكرى بدر «السابع عشر من رمضان» لا بد سيربط بين الحديث عنها والحديث عن حربنا الدائرة فعلًا الآن.. ذلك أن حربنا الحالية بدأت في رمضان واستمرت إلى أن جاءت ذكرى بدر.. وقد مضى على الأمة الإسلامية زمن طويل لم تحارب فيه في شهر رمضان وتاريخ هذه الأمة في الانتصارات يحدثنا عن أن أعظمها خطرًا وأكثرها أهمية حدثت في شهر رمضان كغزوة بدر وفتح مكة ومعركة عين جالوت مع التتار وغيرها.

ولا يمكننا ونحن نتحدث الآن عن حربين.. إحداهما أصبحت في ذمة التاريخ والأخرى لا تزال دائرة حتى كتابة هذه الأسطر أن نعقد مقارنة بينهما ذلك لأن الأولى أصبحت مكشوفة سهلة الدراسة فأسبابها معروفة وحوادثها واضحة المعالم ونتائجها وآثارها مدونة في كتب السيرة والتاريخ.. أما الحرب الثانية والدائرة الآن فهي وإن كانت أسبابها الحقيقية معروفة ونشوبها كان متوقعًا فان حوادثها لا زالت دائرة منها ما تكشف ومنها ما لم يتكشف بعد ومنها ما هو في ظهر الغيب.. ونتائجها لا يعلمها الا الله.

لهذا فإن من التسرع أن نتعجل في عقد مقارنة بين المعركتين فقط لأنهما حدثا في شهر واحد كريم هو شهر رمضان.. ولا بد من الانتظار حتى يتكشف كل شيء.. ثم تكون المقارنة على ضوء حقائق واضحة ومعلومات صادقة.

ولا شك أن التسرع يقود الكثيرين إلى الخطأ والرجوع عما سبق وقرره كما حدث لمن قرن بين هزيمة العرب في حزيران يونيو ١٩٦٧ وبين غزوة أحد ثم تبين له الفارق الكبير بينهما.

لكننا لا نعدم أن نأخذ من غزوة بدر دروسًا نستفيد منها ونحن نخوض هذه الحرب الضروس مع هذا العدو الجبان المسلح بأحدث الأسلحة وأفتكها واللائذ بأقوى الأمم وأشرسها ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ .
(الحضر: ١٤) ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ
( آل عمران: ١١٢).

وهكذا فهم يلوذون بروسيا فتمدهم بالرجال ويلوذون بأمريكا فتمدهم بالسلاح، وقد أعمى الله قلوب المشركين واليهود في حروبهم مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فما لاذوا بالفرس ولاذوا بالروم حتى قويت شوكة المسلمين فما استطاع الروم حماية أنفسهم.

في معركة بدر كان القائد يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى كان الهدف والغاية من الجهاد واضحين لدى المسلمين جميعا فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول لأصحابه في بداية المعركة «والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل صابرًا محتسبًا مقبلًا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة»، لذلك سارع المسلمون إلى القتال مندفعين غير هائبين من الموت ما دام في سبيل الله حتى أن أبطالهم لم يترددوا في قتل أقاربهم في الدم وأعدائهم في العقيدة، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه - يعلق على نتيجة هذه المعركة أهمية كبيرة ظهر ذلك من دعائه وهو في العريش حين قال: «اللهم أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدا.. »

وإذا نظرنا إلى المعركة التي نخوضها مع عدونا الآن رأينا أنها معركة مصيرية ويجب علينا أن نخوضها على هذا الأساس فإما أن نكون أو لا نكون كما يجب أن يكون قتالنا كقتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قتال عقيدة راسخة وإيمان ثابت كالجبال الرواسي نحب معه الموت كما يحب أعداؤنا الحياة.

ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل المعركة برجال رباهم على عينيه ورعاهم في مكة ثلاث عشرة سنة وهم في محن لا تنتهي؛ محنة إثر محنة، خرجوا منها جميعًا وقد انجلت قلوبهم وصفت نفوسهم إلا من حب الله ورسوله فكانوا رجال دعوة وأبطال جهاد و رسل خير ومحبة في الأرض.. ولقد رأينا منهم مواقف قبل نشوب القتال في بدر وأثناء نشوبه دلت على أصالة إسلامية ونخوة عقائدية

فهذا أحد المهاجرين قبل المعركة يقول ردًّا على مشورة الرسول عليه السلام «يا رسول الله؛ امض لما أراك الله فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو اسرائيل لموسى ﴿فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ( المائدة: ٢٤). ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه »

وهذا سيد الأنصار يقول:

«.. فامض يا رسول الله لما أردت، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك»

فإلی جنودنا المقاتلين نقدم مثل هذه النماذج وإلى قادتنا المجاهدين نسوق هذه الأمثلة لتكون لهم نبراسًا يهتدون بها؛ فالرجال الأقوياء والمعنويات المرتفعة من أهم أسباب النصر في الحروب جميعًا قديمها وحديثها.

وبالرغم من ثقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بنصر الله له إلا أنه لم يهمل وسيلة من وسائل النصر الا استخدمها كأمهر ما يستخدم قائد محنك وسائله في التغلب على أعدائه.

فها هو يستشير أصحابه في المسير، وها هو ينصت لمشورة الحباب بن المنذر الأنصاري فيغير موقع الجيش نزولًا عند رأي الحباب، وها هو يرسل العيون ليتسقطوا أخبار جيش المشركين ويسائل الركبان ويستجوبهم كما يستجوب الأسرى لمعرفة عدد العدو وعدته، وفي المعركة تراه يقودها وهو في مقدمة الصفوف يتقي به أشجع الفرسان حين يحتدم القتال.

ثم هو يستعمل في معركته أسلوبًا جديدًا في القتال لم يتعوده العرب فيأمر أصحابه بالوقوف في صفوف مواجهة للأعداء والثبات في هذه الصفوف مهما حدث في المعركة حتى يتلقوا أمرا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيقول القائد لجنوده: «ان اكتنفكم العدو فأنضحوهم بالنبل» وهكذا بقي المسلمون في صفوفهم ثابتين يصدون هجمات الأعداء حتى انهكوهم والأعداء يكرون ويفرون كما اعتادوا في حروب الجاهلية ثم أمر رسول الله جيشه المرتاح بالهجوم على الأعداء المتعبين فكان له النصر والغلبة بإذن الله.

وهكذا فإن أساليب القتال يجب أن تكون حديثة ومفاجئة للأعداء لتفعل فيهم فعلتها من حيث الإرباك والإنهاك.

وفي معركة بدر حارب المسلمون تحت راية قائد واحد ولغاية واحدة وفي خطة موحدة بينما كان أعداؤه متفرقين متنافرين؛ كل زعيم منهم يعتبر نفسه القائد العام للجيش وعظيمهم أبو جهل نصب نفسه قائدًا دون استشارة أحد استكبارًا منه وغرورًا وكل واحد منهم كان يقاتل ليقال عنه أنه أبلى بلاء حسنًا ولم يكن في خيالهم حين خرجوا إلا أن يمكثوا في بدر يأكلون ويشربون الخمر وتعزف لهم القيان فيتسامع العرب بأمرهم فلا يزالون يهابونهم أبدًا هذا كان هدفهم وما دروا أن في انتظارهم بلايا تحمل المنايا.

إن وحدة الجيوش المقاتلة ووحدة قيادتها ورميها كلها عن قوس واحدة سبب من أهم الأسباب التي يجب علينا أن نأخذ بها لتحقيق النصر.

بقي أمر الروح المعنوية للجيش وللأمة جمعاء التي كان يحرص عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشد الحرص، فقد خرج بأصحابه من المدينة يريد العير ولم يكن أحد من اصحابه يتوقع أن تستبدل العير بالنفير، ولكنه تقرير الله العزيز الحكيم الذي قال ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ، لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ. ( الأنفال: ٧٨).

وهكذا فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين علم بفرار عير قريش ووصولها إلى مكة سالمة ثم خروج النفير من مكة في تحد وتبجح يريد بدرًا يصول فيها ويجول ويظهر للقبائل العربية المحيطة قـوة مشركي مكة وجبروتهم. حين علم الرسول بذلك لم يشأ أن يترك للمشركين مثل هذا الانتصار المعنوي الكبير الذي سيضعف موقف القبائل المتهادنة مع رسول الله أو المرتبطة معها بمعاهدات، كما أن مثل هذا الموقف سيدخل الرعب في قلب كل من يفكر بدخول الإسلام هيبة من قريش وقوتها.

من أجل ذلك كله أصر الرسول -صلى الله عليه وسلم- على استمرار المسيرة والقتال بالرغم من قلة عدد أصحابه وقلة عددهم فقد كانوا خرجوا يريدون العير ولم يستعدوا للنفير كما يجب.. . وهكذا طلب الرسول -صلى الله عليه وسلم- من أصحابه رأيهم في القتال فسمع منهم ما أدخل السرور على نفسه فمضى بهم للقتال معتمدًا على الله واثقًا من نصره.

ولقد كان الانتصار المسلمين في غزوة بدر نتائج رائعة فقد تسامع العرب بهزيمة قريش بعددها وعددها على يد هذه الفئة المؤمنة الصابرة القليلة العدد والعدد فمالوا نحو الإسلام وتشجع ضعيفهم في إعلانه وارتفعت معنويات المسلمين بعد أن أظهرهم الله على أعدائهم وأمكنهم منهم وأباد رؤوس الشرك وأعمدة الكفر وعاد المسلمون إلى المدينة ظافرين مستعدين للاستمرار في الدعوة إلى الله راجين رحمته ورضاه.

إن معركتنا التي نخوضها الآن مع الأعداء تحتاج منا إلى الثبات والاستمرار في القتال ولنتذكر قول الله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ، وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِير( الأنفال: ١٥١٦)

وإن أعداءنا يعتقدون أننا لا نستطيع الاستمرار وإننا سنطلب وقف إطلاق النار فلنثبت لهم أنهم واهمون وأننا أكثر منهم ثباتًا وإقدامًا وأننا نرجو من الله ما لا يرجونه من جزاء على جهادنا وثواب على استشهادنا ونحن والحمد لله أكثر منهم عددًا ولا نقل عنهم عددًا وأوسع منهم أرضًا وأكثر موردًا وعندنا من الأسلحة ما لم نستخدمه وبإمكاننا استخدامه ولدينا من الجيوش في كل بلد عربي ما نرفد به الجيوش المتحاربة.. فليس لدينا حجة في التوقف.. ولقد اندلعت الحرب فلتكن حربًا شاملة ولتكن حربًا مصيرية.. ولنعش في جو معارك بدر واليرموك وحطين وعين جالوت نستعد من انتصاراتنا انتصارات جديدة وليكن رضا الله غايتنا والموت في سبيله أسمى امانينا ﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ۚ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا. ( النساء: ٧٤).


 

ربح البيع

﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ( التوبة: ١١١).


 

بأيديهم.. وأيدي المؤمنين

﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ، وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ. (الحشر: ٢٣).

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 4

91

الثلاثاء 07-أبريل-1970

مجليات 4

نشر في العدد 10

73

الثلاثاء 19-مايو-1970

كيف ربّى النبي جنده؟

نشر في العدد 17

87

الثلاثاء 07-يوليو-1970

لعقلك وقلبك - العدد 17