; منهج الإسلام في علاج مشاعر الكره بين الزوجين | مجلة المجتمع

العنوان منهج الإسلام في علاج مشاعر الكره بين الزوجين

الكاتب خليفه حسين العسال

تاريخ النشر الثلاثاء 13-يوليو-1993

مشاهدات 12

نشر في العدد 1057

نشر في الصفحة 56

الثلاثاء 13-يوليو-1993

أحاط الإسلام الأسرة بكل ما يكفل لها أسباب السعادة والاستقرار، وتعهدها بوصاياه الخلقية وتدابيره القانونية من إشعار الزوجين بمسؤوليتهما وطلبه إليهما ما تقتضيه تلك المسؤولية من التعاون والتشاور والتناصح وحسن المعاشرة بينهما بما يضفي عليها متعة بدنية وروحية وخص الزوج لرئاسته وقوامته بمزيد من الوصايا فطالبه بحسن الرعاية وإظهار قدرته وحنكته، وعمق إيمانه وصبره عند تقلب النفوس وهبوب ريح الكره، وظهور أسباب الجفاء وعليه أن يحذر هوى النفس ووساوس الشيطان وخطر الانفعالات، وثورات الغضب وقد ورد التوجيه الرباني بتشخيص الداء ووصف الدواء، لأنه ينبغي على كل زوج أن لا يحكم المشاعر وحدها، بل يتقي الله في زوجته ولا ينظر إليها بعين السخط فإن كره منها خلقًا رضى منها بخلق آخر ومن ذا الذي تكمل سجاياه كلها قال تعالى ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (النساء:19) أي طيبوا أقوالكم لهن وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم كما تحب ذلك منها امتثالًا لقول الله تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ (البقرة: 228) فعسى أن يكون صبركم في إمساكهن مع الكراهية فيه خير كثير لكم في الدنيا والآخرة وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «لا يفرك» «يكره» مؤمن مؤمنة إن سخط منها خلقًا رضي منها آخر) رواه مسلم.

ولو تمسك الناس في حياتهم بهذا التوجيه الإسلامي لقلت حوادث الطلاق واستقرت الحياة الزوجية على قرار مكين، ولما أصيبت الروابط الزوجية بانحراف القلوب وتجمد العواطف وتقطع الصلات فتوجد النفرة بدل الألفة والشقاق بدل الوفاق، ويطلب الفراق بدل التلاق، وريح الخلاف إما أن تهب من قبل الزوجة، وإما أن تهب من قبل الزوج، وإما أن تهب من قبلهما معًا فإذا هيئت من قبلها وامتنعت على زوجها فهي ناشز وإذا هبت من قبله وأعرض عن زوجته فهو ناشز وإذا هبت من قبلهما معًا فهو الشقاق.

وقد عالج الإسلام كل حالة من هذه الحالات لرسم لها من أساليب الحكمة ومراحل الأناة ما ليس وراءه غاية المصلح سوى مكافحة تلك النزعات العابرة والأسباب المنشئة للكراهية وفقًا لما يأتي:

  1. نشوز الزوجة:

والنشوز حالة من النفور تعتري الزوج أو الزوجة فإذا نشزت الزوجة غدت صعبة القيادة على زوجها وتنكرت لحقه فلا تخضع لأمره ولا تسمع لنصحه فهي في عصيان وخروج عن الطاعة تحتاج به إلى إصلاح وتهذيب وتأديب، وهذا الأمر وكل تنفيذه إلى الزوج دون غيره من الولاة والقضاة حفاظًا على أسرار الزوجية من الذيوع والانتشار وقد أمر الله سبحانه لعلاج تلك الحالة بما يأتي.

أولًا: الموعظة الحسنة:

والمراد بها تذكير المرأة بما أوجب الله عليها من حسن الصحبة وجميل العشرة للزوج فالعظة. تفتح باب التفاهم وتزيل الكثير من العقد النفسية التي قد تكون المرأة وقعت تحت سلطانها فيعظها زوجها بالرفق واللين ويبين لها ما في أمرها من الخطأ وما في مسلكها مما يغضب الله، وما لذلك كله من عواقب غير محمودة، والوعظ يختلف باختلاف الزوجات فمنهن من تكفيها الإشارة أو الكلمة ومنهن من يناسبها التخويف والتحذير من العاقبة وشماتة الأعداء ومنهن من يجدي معها المنح من الرغبات كالثياب الحسنة والحلي وغيرها فمتى كان الرجل حصيفًا أمكنه أن يصل إلى ما يؤثر على المرأة من ذلك. ويجب أن يكون في وعظه كيسًا لبقًا طويل الأناة يعظ مرة ومرة... ومرات على فترات متقاربة أو متباعدة على حسب الظروف فإن ذلك جدير أن يلين من حدتها ويردها إلى سبيل الموافقة.

ثانيًا: الهجر في المضجع:

وهو لون من ألوان التأديب، فإذا لم تفلح الموعظة انتقل إلى طور آخر وهو مجافاتها في النوم، وهجرها في مضجعها فيعرض عنها ولا يقربها ويريها من نفسه تعاليًا عليها واستمساكًا عنها وهو علاج رادع للمرأة مذل لكبريائها، فإن أعز ما تدل عليه هو أنوثتها وجمالها، وأقوى ما تغزو به الرجل هو هذا السلاح، فإذا فله وأراها من نفسه حدود الاستعلاء عليها وقلة المبالاة بما لديها فقد أبقاها بلا سلاح وأرخص لها ما تدل به، وذلك أنكي ما تشعر به المرأة من هزيمة، فلعلها إذا وجدت منه تأبيًّا انعطفت في نفسها فترعوى عن عصيانها وتمردها .

ثالثًا: الضرب غير المبرح:

فإذا لم يفلح الوعظ ولا الهجر في المضجع سمح الإسلام بإجراء فيه معنى العقوبة الإيجابية بقليل من الإيذاء البدني عله يرد هذه المتمردة إلى رشدها ورعاية بيتها وزوجها.

وهو أن يضربها ضربًا رقيقًا غير مبرح لا يترك بجسمها أثرًا ولا يكسر عظمًا ولا ينشز لحمًا، وأن يتقي فيه الوجه والمواضع المخوفة لأن المقصود التأديب لا الإتلاف ويقتصر فيه على الظرف الذي يقتضيه فلا يكون ذلك طبعه وديدنه فقد نفر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وقال: «علام يضرب أحدكم امرأته ضرب العبد لعله يجامعها في آخر اليوم » رواه أحمد وقال في شأن من يتعود هذه العادة: «لا تجدون أولئكم خياركم» رواه ابن ماجه

هي الوسائل التي يعالج بها الزوج نشوز زوجته، وهذا هو معنى قول الله تعالى:﴿﴿بُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (النساء:34)

ومن الملاحظ في هذا المقام أن القرآن لم. يورد في هذه الحالة ذكر الطلاق لا تصريحًا ولا تلميحًا بل طلب إلى الرجل أن يعتصم بحكمته ورجاحة عقله وأمره أن يعظها أولًا فإذا لم ينفع الوعظ فالهجر فإذا لم ينفع الهجر فالضرب الرقيق ولم يقل سبحانه بعد ذلك فإن لم ينفع الضرب فطلقوهن بل قال: ﴿فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ (النساء:34) لأن تقديم احتمالات الوفاق أولى. هذا وبعض المتأففين من هذا المنهج الإسلامي لعلاج نشوز المرأة يوجهون نقدهم إلى الإسلام في الأمر بضرب الزوجة واصفين ذلك بأنه علاج صحراوي جاف لا يتفق مع طبيعة التحضر الذي يعمل على تكريم الزوجة وإعزازها، أما علموا أن الإسلام لم يأت لجيل معين ولا لجماعة خاصة أو إقليم خاص أو بيئة محددة إنما هو إرشاد وتشريع عام لكل جيل وبيئة وعصر كما أن الإسلام لم يجعل الضرب هو العلاج. الوحيد وإنما هو واحد من أنواع ثلاثة تؤخذ على الترتيب وهو أخرها في الذكر كما هو آخرها في الالتجاء وقد أبرز القرآن الصنف المهذب من النساء اللاتي يترفعن بخلقهن وتربيتهن وإيمانهن عن النزول إلى درك المستحقات للهجر فضلًا عن درك المستحقات للضرب وأفرغ عليهن من صفات الإجلال والتكريم ما يجدر بكل زوجة أن تعمل على التحلي بها والانطباع عليها والواقع أن التأديب المادي لأرباب الانحراف والشذوذ اللاتي لا تنفع فيهن الموعظة ولا الهجر أمر تدعو إليه الفطرة وتقضي به النظم الاجتماعية وقد وكلته الفطرة للآباء على أبنائهم ووكلته القوانين الوضعية إلى الحكام ولولاه لما استقامت أسرة ولا صلحت أمة.

وهل من الكرامة للرجل كلما انحرفت زوجته أو مالت عن طريق الصواب أن يهرع إلى أبيها أو يلجأ إلى القاضي لينشر المستور ويكشف المقبور أمامهم؟

أليس من الخير أن يردعها الزوج ويرجعها إلى طريق الصواب ببعض التأديب المادي الذي لا يتجاوز المألوف في تربيتها لأبنائها؟ لاشك أن هذا الأمر الذي اختاره القرآن هو أهدى السبل وأقومها وما تأفف هؤلاء المعارضون من تشريع القرآن إلا ناشئ من وقوعهم تحت تأثير العاطفة نحو النساء مما يجعلهم دائمًا يتظاهرون بالحرص على كرامة المرأة وإعزازها .

۲. نشوز الزوج:

وإذا كان النشوز من جانب الزوج فلتستجمع المرأة كل حيلتها وذكائها ولتبحث عن الأسباب التي جعلته يسلك هذا المسلك في تلطف وكياسة ولتعالج كل موقف بما يصلحه، ولها من وسائل الترغيب والعطف والحنان ما يمكنها من القضاء على أسباب جموحه وتمرده، ولابأس أن تقبل ما يكلفها ذلك من ألم نفساني أو جهد مالي أو نحوه بسماحة نفس وطيب خاطر فهي إنما تسعى لأسمى واجب تعتز به المرأة بعد عبادة الله عز وجل، وقلما تخطئ المرأة في الفراسة والدراسة، وقلما تخطىء في إصابة التوفيق والنجاح ومما يستدل به في هذا المقام أن سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أحست إعراضه عنها واتجاهه إلى طلاقها .. فلم تسأله: ما يغضبك مني؟ وسرعان ما كشفت بحاستها النسوية أن رسول الله لا يجد عليها في دينها ولا خلقها ولا معاملتها شيئًا يكرهه ولكن لا ينشط إليها كما ينشط لسائر نسائه لكبر سنها وما صارت إليه من شيخوخة، وأنه يريد أن يسرحها حتى لا يلقى الله وقد ظلمها حقها من دون نسائه فما أن تبين لها ذلك حتى سعت إلى لقائه وأنهت إليه أنها قد كبرت ولم يعد إليها بالرجال من حاجة، وأنها تجعل حظها وليلتها منه لعائشة حبيبته ولا إرب لها إلا أن القيامة في جملة نسائه صلى الله عليه وسلم فقبل منها ذلك وأثنى الله على صنيعها الذي عالجت به أمرها وأنزل فيها قوله تعالى:

﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أو إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ ۚ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (النساء: 128)

هذا ومن علامات الذوق الرفيع أن الإسلام حين ترك للمرأة أن تتولى علاج ما بينها وبين زوجها لم يذكر إلا كلمات الصلح المكررة لما فيها من تفاؤل بالخير وتهيئة لأسباب النجاح وذلك قوله سبحانه: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ (النساء: 128) فإن نجحت فيها ... وإلا وجب التدخل بالإصلاح بينهما فلا تستقيم الحياة على شقاق وخلاف.

٣- الشقاق بين الزوجين:

وتلك حالة غير النشوز الذي قدمت العلاج فيها لكل من الزوج أو الزوجة أما في هذه الحالة فالنفور قائم من كلا الزوجين فهي نافرة وهو نافر ولا محل لأن يترك لأحدهما أو لكليهما علاج الموقف بما يشاء ومن واجبها أن يعتصما بما ينبغي أن يعتصم به المؤمن من ضبط النفس ومجانبة الاعتداء وضرورة إتاحة الفرصة لتدخل بعض المصلحين الاجتماعيين لتسوية ما بينهما من مشاكل زوجية كما تقضي بذلك الآية الكريمة: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا(النساء:35).

وهذا علاج حكيم فكل حكم منهما لقرابته من الطرف النائب عنه يستطيع فهم المشكلة ومن ثم يقدر الحكمان الأمر حق قدره وقد بشرتهما الآية الكريمة: بأنهما إذا عزما على الإصلاح فالتوفيق سيكون حليفهما ﴿ إِن يُرِيدَآ إِصۡلَٰحٗا يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيۡنَهُمَآۗ (النساء: 35) ويشترط فيهما أن يكونا من أهل العدالة وحسن النظر والبصر بالفقه فإن لم يوجد من أهلهما من يصلح لذلك فيكون من غيرهما عدلان وذلك إذا أشكل أمرهما ولم يدر ممن الإساءة منهما فأما إن عرف الظالم فإنه يؤخذ منه الحق ويجبر على إزالة الضرر. ومما يبين حرص الإسلام على دوام الوفاق بين الزوجين أن القرآن الكريم ذكر في هذا المقام قوله تعالى: ﴿ إِن يُرِيدَآ إِصۡلَٰحٗا يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيۡنَهُمَآۗ  (النساء: 35) بذلك ولم يقل وإن لم يريدا إصلاحًا فالفرقة أولى بهما، والمحكمين بعد دراسة الأمر دراسة جادة أن يقررا إما الوفاق أو الفراق على رأي الجمهور ويكون حكمهما بالفراق طلاقًا بائنًا، وفي رأي آخر ليس لهما إلا الحكم بالوفاق وقد نفذ المسلمون التحكيم في عهد الصحابة أمر به عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم كما أن في التحكيم أيضًا صيانة للأسرار والعائلات وحفظًا لها من أن تلوكها الألسن وتنشر بين الناس فالإسلام يكره إشاعة الشر ويتوعد عليه لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ (النور:19) فإذا لم تجد تلك المحاولات الإصلاحية فإن الالتجاء إلى الطلاق أو الخلع وإنهاء العلاقة الزوجية بصفة رسمية وشرعية هو الحل الأخير والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

الرابط المختصر :