; من أحكام الصيام | مجلة المجتمع

العنوان من أحكام الصيام

الكاتب د. عمر سليمان الأشقر

تاريخ النشر الثلاثاء 03-نوفمبر-1970

مشاهدات 21

نشر في العدد 34

نشر في الصفحة 20

الثلاثاء 03-نوفمبر-1970

 رمضان كريم

من أحكام الصيام

يكتبها الأستاذ عمر الأشقر

عندما نزل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (سورة البقرة: 183). أصبح الصوم مفروضًا واجبًا، يؤكد الوجوب قوله تعالى: ﴿شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ (سورة البقرة: 185).

وقد كان الرسول -عليه السلام- يصوم عاشوراء في مكة «البخاري في صحيحه» فلما قدم المدينة «جعل يصوم من کل شهر ثلاثة أيام» الإمام أحمد في مسنده وصام عاشوراء وقد وجد اليهود في المدينة يصومونه فسألهم عن سبب صيامهم له، فقالوا: هذا يوم صالح نجى الله فيه موسى من الغرق فقال الرسول عليه السلام: «أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه» «رواه البخاري».

وبذلك أصبح صيام هذا اليوم واجبًا. فقد روى ابن عمر رضي الله عنهما: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صام عاشوراء وأمر بصيامه فلما فرض رمضان ترك» «البخاري».

ومعلوم أن الرسول -عليه السلام- ترك صومه على سبيل الوجوب وبقي صيامه مستحبًا ومما يوضح الوجوب ما رواه البخاري عن الربيع بنت معوذ أن النبي صلى الله عليه وسلم «بعث غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار من أصبح مفطرًا فليتم بقية يومه ومن أصبح صائمًا فليصم» قالت فكنا نصومه وتصوم صبياننا «البخاري».

 الصوم بعد فرض رمضان

وعندما نزل الأمر بصيام رمضان رخص الله للمطيقين للصيام ويرغبون في الفطر أن يفطروا ويطعموا عن كل يوم مسكيناً واتبع ذلك بذكر أفضلية الصوم روى البخاري عن ابن أبي ليلى قال حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم «نزل رمضان فشق عليهم فكان من أطعم مسكينًا ترك الصوم ممن يطيقه ورخص لهم في ذلك» وهذا معنى قوله تعالى «وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرًا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون» ثم نسخ الله جواز الإطعام بالنسبة للقادرين وأوجب عليهم الصيام، روى البخاري ذلك عن ابن أبي ليلى ومن الصحابة عن ابن عمر وسلمة بن الأكوع. والآية الناسخة في قوله تعالى: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡه (سورة البقرة: 185).

وبذلك أصبح صیام رمضان واجبًا وركنًا من أركان الإسلام فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «بُنِي الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان» «متفق عليه».

عن طلحة بن عبيد الله أن أعرابيًا جاء إلى الرسول عليه السلام، ثائر الرأس، فقال: يا رسول الله: أخبرني ماذا فرض الله علي؟ قال: الصلوات الخمس إلا أن تتطوع شيئًا، فقال أخبرني ماذا فرض الله علي من الصيام فقال شهر رمضان إلا أن تتطوع شيئًا «رواه البخاري».

 الفترة التي يمسك فيها الصائم

والصوم الشرعي «هو الإمساك عن المفطرات من الطعام، والشراب، والوقاع بنية من طلوع الفجر إلى غروب الشمس»

ثم يباح لذلك كله طوال الليل وقد كانت المفطرات مباحة في أول الإسلام من غروب الشمس حتى ينام الصائم، فإذا نام حرم عليه الطعام والشراب والوقاع حتى غروب اليوم التالي، وقد شق ذلك على بعض الصحابة فقد روى البخاري عن البراء بن عازب قال: «كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائمًا، فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر، لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسى، وأن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائمًا، فلما حضر الإفطار، أتى امرأته فقال لها: أعندك طعام؟ قالت: لا، ولكن انطلق فأطلب لك، وكان يومه يعمل فغلبته عيناه، فجاءته امرأته فلما رأته قالت: خيبة لك، فلما انتصف النهار غشي عليه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية ﴿أُحِلَّ لَكُمۡ لَيۡلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمۡۚ  (سورة البقرة: 187). ففرحوا بها فرحًا شديدًا ونزلت ﴿وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ (سورة البقرة: 187). فاستقر الأمر على تحريم الطعام والشراب والوقاع من تبين الفجر إلى الليل وإباحته طول الليل بعد أن كان يحرم بالنوم.

والمقصود بالخيط الأبيض والخيط الأسود: سواد الليل وبياض النهار، لأن الله قال بعد ذلك من الفجر، وعليه يدل الحديث الذي يرويه البخاري عن عدي بن حاتم قال: لما نزلت «حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر»، عمدت إلى عقال أسود، وإلى عقال أبيض، فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت أنظر في الليل فلا يتبين لي، فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له فقال: «إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار»، ولذلك يقول الرسول عليه السلام في الحديث الذي ترويه عائشة رضي الله عنها: «كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر» (البخاري).

ويستمر الصائم ممتنعًا عن الطعام والشراب حتى تغيب الشمس كما رواه البخاري: «إذا أقبل الليل من ها هنا، وأدبر النهار من ها هنا فقد أفطر الصائم». وروى أيضًا عن أبي سعيد -رضي الله عنه- أنه كان يفطر حين تغيب قرص الشمس وأمر الرسول -عليه السلام- بتعجيل الفطر ففي الحديث المتفق عليه يقول الرسول عليه السلام «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» وفي حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله عز وجل: إن أحب عبادي إلي أعجلهم فطرًا».

وقد كان الرسول عليه السلام يعجل الفطر روی ابن أبي أوفي رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقال الرجل: أنزل فاجدح لي، فنزل فجدح له، فشرب، ثم رمی بیده ها هنا، ثم قال: إذا رأيتم الليل أقبل من هنا: فقد أفطر الصائم، وروى ابن حبان والضباء بسند صحيح أن الرسول عليه السلام قال: «إنا معشر الأنبياء أمرنا بتعجيل فطرنا، وتأخير سحورنا، وأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة» أما تأخير الفطر حتى تطلع النجوم أو إلى ما بعد ذلك فهو مخالف للسنة المحمدية وليس من التقوى التي يقتضيها الصيام، وهو من التنطع في الدين، وتكلف منهي عنه.

ويحسن بالصائم أن يعجل الفطر على تمر، فإن لم يجد فماء في أول وقت الفطر، ثم يبادر إلى صلاة المغرب في أول الوقت، فيجمع بين الحسنين تعجيل الفطر، وتعجيل المغرب أما تأخير المغرب إلى ما بعد تناول العشاء فليس من السنة.

 صيام الصبيان وتأديبهم

ومن المعروف أن مناط التكليف في الإسلام: البلوغ مع الرشد للرجال والنساء، ولكن على أولياء الصغار أن يرعوا أبناءهم في صغرهم، ويربوهم على تحمل تكاليف الإسلام حتى تسهل على نفوسهم وينشئوا على حبها، ويداوموا عليها، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع» رواه أبو داود بإسناد حسن. ورواه الترمذي بلفظ «علموا الصبي الصلاة السبع سنين واضربوه عليها ابن عشر سنين».

وقد كان الرسول عليه السلام والصحابة يقومون بتربية الناشئة على الأدب الكريم، وعلى التزام أحكام الإسلام، فقد رأى الرسول عليه السلام غلامًا تطيش يده في الصفحة أثناء الطعام -وكان يأكل مع الرسول فقال له الرسول عليه السلام معلمًا مؤدبًا: «يا غلام سمِّ الله وكل بيمينك وكل مما يليك» ويبقى أثر هذا التأديب في نفس الغلام ما دام حيًا استمع إليه وهو يقول: «فما زالت تلك طعمتي بعد» (رواه البخاري ومسلم).

وروى البخاري عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: «وكنا نصوم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام، أعطيناه ذلك حتى يكون عند الإفطار» فهكذا أدبنا الرسول، وكذلك ربى الصحابة الكرام أبناءهم فخرجت أجيال مسلمة تنشر الخير في ربوع الأرض وعاشت بالإسلام وللإسلام، أما أن نترك أبناءنا وبناتنا يقضون أوقاتهم في الطرقات وفي منابت السوء، ينشئون على الفاسد من الأخلاق، والذميم من الأفعال، فيشتد عودهم على ذلك، وتشحن قلوبهم وتشغل بغير الإسلام، ثم نريدهم بعد بلوغ سن الرشد مسلمين يعملون بالإسلام ويدعون إليه، فإنهم لا يستجيبون لنا، ولا يلقون بالًا لحديثنا، ويكون مثلنا مثل من يريد أن يجني من الشوك العنب، ونقضي بعد ذلك الوقت في الحسرة والندم إذ ابتعد شباب الإسلام عن الإسلام، وضلوا في منحنيات الطريق، والحق أن السبب الأول المسؤول عن بعد الشبيبة عن الإسلام هم الآباء والأمهات وأولياء الأمور، والعجب كل العجب أن يبحث الأب لأبنائه عن خير لباس وأفضل طعام، وأروح سكن، ثم لا يبحث لهم عن المربي الفاضل، ولا يلقنه الصحيح من الأخلاق والأفعال، جاهلًا أو متجاهلًا أنه بذلك يلقي بفلذة كبده في نار مستمرة لا تخبو، وقودها الناس والحجارة، فأين الرحمة؟ وأين الشفقة؟ وأين الحنان؟ ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ.

وليعلم الحكام والآباء أن الله سائلهم عن كل ذلك يوم القيامة، روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته الإمام راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته وكلكم راع ومسؤول عن رعيته» فأبناؤكم أمانة في أعناقكم، فعلموهم الإسلام، وأدبوهم بأدبه، وعرفوهم بربهم ورسولهم، ربوهم على الصلاة، وعودوهم الصوم، وعرفوهم القرآن وتلاوته، وصلوهم بربهم فهو خير لكم إن كنتم تعلمون.

 بالصوم تغفر الذنوب المتقدمة

وكفى الصائم أجرًا ما بشره به الرسول عليه السلام في الحديث الذي يرويه البخاري في صحيحه «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه».

الغفران مشروط بشرطين

ولكن علينا أن نلقي الانتباه إلى قوله عليه السلام «إيمانًا واحتسابًا» فبدونهما لا يستحق الصائم الأجر الذي بيّنه المصطفى عليه السلام، ذلك أن الإيمان والاحتساب هما مدار الفرق بين العادة والعبادة فبدونهما يكون الصوم إرثًا وتقليدًا قلما يدفع صاحبه إلى الخير وقلما ينهاه عن الشر.

فالذي يصوم لعلمه أن الله ربه فرض عليه الصيام، ثم هو -بعد- يحتسب الأجر والثواب -أنه بعمله هذا- يراقب ربه في صومه، ويستجيب لندائه وبذلك ينال المغفرة، وتكفر عنه السيئات كما قال عليه السلام: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذ اجتنبت الكبائر» (رواه مسلم).

أما ذلك الصائم لا إيمانًا ولا احتسابًا بل رياء أو عادة، فهو لا يمتنع عما حرم الله عليه فإن الله غني عن صومه «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» (رواه البخاري والنسائي والترمذي وغيرهم).

للصائم فرحتان

وبشرى للذين يصومون إيمانًا واحتسابًا، فالعاقبة حميدة، والقدوم على الله مفرح «للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه» حديث متفق عليه.

 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

الأسرة (25)

نشر في العدد 25

25

الثلاثاء 01-سبتمبر-1970

صحة الأسرة (العدد 1238)

نشر في العدد 1238

18

الثلاثاء 11-فبراير-1997

سلمة بن الأكوع - بطل معركة الغابة

نشر في العدد 39

24

الثلاثاء 15-ديسمبر-1970