العنوان تربية الأطفال بضرب الأمثال
الكاتب أ. د. سمير يونس
تاريخ النشر السبت 07-أبريل-2007
مشاهدات 11
نشر في العدد 1746
نشر في الصفحة 58
السبت 07-أبريل-2007
في صيف أحد الأعوام سافرت وأسرتي الصغيرة إلى أحد الأماكن السياحية الهادئة واستمتعنا هناك بجمال صنع الخالق سبحانه وتعالى في الطبيعة، تأملنا الجبال الرواسي شامخات، وشاهدنا البحر بمائه الرقراق واستنشقنا الهواء النقي واستمتعنا بالنسمات الرقيقة. وبعد أن عدنا إلى القاهرة، وانتهينا من صلاة الجمعة علق ابني الصغير على خطبة الجمعة التي سمعها قائلًا: «كان موضوع الخطبة اليوم يا أبي هو إحدى صفات الله عز وجل «الكبير»، لكن لم يبين لنا حجم الله تعالى، لذا فإني أسألك أهو- سبحانه- كالرجل العملاق؟
عندما سألني ابني هذا السؤال تذكرت أنه سؤال يدور كثيرًا على ألسنة الأطفال، وكثيرًا ما وجه إلي هذا السؤال من قبل آباء كثيرين وأمهات كثيرات، كان هؤلاء يسألونني هذا السؤال عندما أكون بصدد الحديث عن تربية الأولاد في دورة أو ندوة أو محاضرة أو نحو ذلك وقد أقر أكثرهم أنهم يقفون إزاء هذا السؤال وما يشابهه من أسئلة أخرى كالمعلم الفاشل أو التلميذ الأبله!!
هكذا ينطق واقع بيوتنا ومؤسساتنا التربوية بقصور شديد في التربية، فالأطفال كثيرًا ما يضعوننا في معضلات وكثيرًا ما يسألوننا أسئلة لا يقدر على إجابتها إلا المربي الحكيم الواعي، وأكثر الآباء لا يستطيعون إجابة ولا إلى أهل العلم يرجعون، ومنهم الكثيرون الذين يزجرون الطفل إذا سأل مثل هذه الأسئلة، وما ذلك بحل، إنما هو بسبب إفلاسهم التربوي، وبسبب إصابة ثقافتهم التربوية بأنيميا حادة لا بد من علاجها، وذلك هو سبب وقوفهم عاجزين أمام أسئلة أطفالهم.
أعود إلى السؤال الذي سأله لي ابني: هل الله تعالى في حجمه كالرجل العملاق؟ لقد سألني ابني هذا السؤال وهو في سن الخامسة، وهي مرحلة يسميها علماء النفس المرحلة الحسية، ذلك أن الأطفال يتعلمون فيها ما يحسونه بشكل أفضل، أي يدركون ما يشاهدونه وما يلمسونه وما يسمعونه، ويصعب عليهم إدراك الأشياء المجردة، فالطفل في هذه السن يدرك الحاسوب والكرسي والكتاب والتلفاز والملمس الناعم والملمس الخشن وصوت الإنسان، وأصوات الطيور والحيوانات لأنه يشاهد ذلك أو يلمسه أو يسمعه، لكنه يسألنا عندما نتحدث عن السعادة مثلًا وهي مفهوم مجرد، فيقول ما معنى السعادة؟ ويسألنا كذلك عن معنى الخير والعدل والإحسان والقبح والجمال.. إلى غير ذلك من المفاهيم المجردة.
وقد سمعت على إحدى الفضائيات أمًا تسأل أحد الدعاة الأفاضل عن إجابة لنفس هذا السؤال، حيث وجهه إليها ابنها، فقال لها الداعية قولي له: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ (الشورى: 11). وفي نظر التربويين هذه الإجابة وإن كانت صحيحة، لكنها غير مناسبة للطفل في هذه المرحلة، إذ إن الطفل كما قلنا يدرك ما يحسه، ومن ثم فإن الطفل ليس بمقدوره أن يفهم هذه الإجابة ويستوعبها.
إذًا كيف تجيب طفلك إذا سألك هذا السؤال؟
إن التربية بضرب الأمثال من الأساليب التربوية الفعالة المناسبة للإجابة عن هذا السؤال: لقد قلت لابني عندما سألني هذا السؤال: هل شاهدت الجبال ونحن في رحلتنا الترفيهية؟
قال: نعم. فسألته: أكبيرة هي أم صغيرة؟ قال: إنها كبيرة، فقلت له الله تعالى أكبر من الجبال.
ثم سألته هل شاهدت البحر؟ قال: نعم، قلت له: أكبير هو أم صغير؟ قال: هو كبير جدًا. قلت له: الله تعالى أكبر من البحر.. هكذا تكون الإجابة المعتمدة على ضرب الأمثال، حيث نقرب المعنى إلى ذهن الطفل دون أن نقع في حرج شرعي بتجسيم الله تعالى.
لقد استخدم القرآن الكريم ضرب الأمثال في تقريب المعاني إلى العقول والأفهام، وقد كثر هذا الاستخدام حيث ساق القرآن الكريم أمثالًا كثيرة بعضها يقرب المعنى وبعضها يجسد المعنوي أو المجرد، ومن ذلك مثلًا تقريب معنى مضاعفة الله تعالى لمن ينفق في سبيل الله، قال تعالى: ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ (البقرة: 261).
ومن التربية بضرب الأمثال أيضًا تصوير القرآن الكريم للدنيا في قوله تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا ﴾ (الكهف: 45).
وقد قرب إلينا القرآن الكريم أيضًا صورة الجنة باستخدام ضرب الأمثال: قال تعالى: ﴿مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ۖ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ۖ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾ (محمد: 15).
وجسد القرآن الكريم الكلمة الطيبة وأثرها كي يربي الناس عليها، وذلك في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ (إبراهيم: 25:24).
وقرب القرآن الكريم إلى أفهامنا وعقولنا الكلمة الخبيثة وأضرارها في قوله تعالى: ﴿وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ ٖ﴾ (إبراهيم: 26).
وقد ربى رسولنا الكريم ﷺ أصحابه الكرام رضي الله عنهم بضرب الأمثال، ومن ذلك- على سبيل التمثيل لا الحصر- تجسيد معنى المراقبة وحثهم على الإخلاص في قوله ﷺ: «لأعلمن أقوامًا من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء، فيجعلها الله هباء منثورًا، ألا إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها». (حديث صحيح، خرجه الألباني في صحيح الجامع الصغير).
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل