العنوان من مائدة النبوة
الكاتب عبد الله بن عبد الرحمن السند
تاريخ النشر الثلاثاء 26-مارس-1974
مشاهدات 22
نشر في العدد 193
نشر في الصفحة 19
الثلاثاء 26-مارس-1974
من مائدة النبوة
للشيخ عبد الله عبد الرحمن آل سند
روى البخاري ومسلم في الصحيحين، عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أنه قال: «تصدق علي أبي ببعض ماله، فقالت أمي: لا أرضى حتى تشهد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي، فقال صلى الله عليه وسلم: أكل ولدك أعطيتهم مثله؟ قال: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تشهدني على جور. وقال صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم، قال: فرجع أبي فرد تلك الصدقة». وكان بشير والد النعمان له أولاد من نساء متعددات، وكانت والدة النعمان تريد من زوجها أن يختص ابنها بشيء دون إخوته؛ ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المبعوث بالرحمة والعدالة والمساواة ومحاربة الظلم والعدوان، استنكر ذلك وعابه، وأبى أن يشهد عليه، وعده من الجور والظلم، فقال: «لا تشهدني على جور، أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: أجل، قال صلى الله عليه وسلم: فلا إذن» أي: لا تفضل أحدًا من أولادك على أحد.
دل الحديث الشريف الصحيح دلالة واضحة على وجوب المساواة في العطية بين الأولاد، وأن التفضيل ظلم وجور؛ إلا إذا رضوا به ووافقوا عليه.
فمن أراد أن يبره أبناؤه ويترحموا عليه إذا مات، وأن لا تثور الأحقاد ويقع الظلم، وتقطع الأرحام، ويدعـــى عليـــه بعد موته، فليتق الله وليسوا بين أولاده، وليكونوا عنده بمنزلة واحدة، كما يحب منهم أن يكونوا سواء في بره وصلته، فمن قصد حرمان أولاده أو بعضهم، وأن لا يكون لبناته شيء من التركة بعد موته، فقد تعدى حدود الله وظلم نفسه، ويدل هذا التصرف على عدم الرحمة والعدل، ولا يقر هذا العمل ويساعد عليه إلا آثم قد أعــــــان الظالم على ظلمه.
يقع كثير من الناس في الإثم والمنكر، ويكون سببًا للشر والشقاق يقع فيه، وهو يعلم أنه إثم، أو يجهله، ولكن لا يجد من ينصحه ويرشده إلى البر والخير ويدله عليه، فالصدقة الجارية التي يثار عليها هو أن يتصدق ببعض ماله لا بكله، في الطرق التي أمر الله بها، مريدًا بذلك وجه الله تبارك وتعالى.
اعلموا أن من فر من قسمة الله تعالى وخالف أوامره وتعدى حدوده وقسم ماله ووقفه حسب هواه، كأن يقصد حرمان زوجته أو زيادة بعض أولاده على بعض فرارًا من وصية الله عز وجل بالعدل، أو حرمان البنات، فيتصرف هذا التصرف الآثم، قاصدًا وجه الله تعالى، كل ذلك إثم ومنكر وتحايل على شرع الله تعالى وقسمة، فمن حرم من أعطاه الله من زوجته أو بناته، أو زاد أحدًا من الورثة عما فرض له، أو نقصه من حقه، طالبًا به التقرب إلى الله، فقد أبعد بذلك عن ربه وعن رحمته، ووقع في الظلم والإثم، وأوقع غيره في العداوة والبغضاء وقطيعة الرحم.
ولو جاز وصح أن يقف الإنسان ماله على بعض أولاده، أو يزيد من يشاء ويمنع من يشاء من الورثة، لو جاز هذا لما تركه وأعرض عنه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون والأئمة الأربعة ومن بعدهم ممن يعتد به، أيظن أنهم رغبوا عن الأعمال الصالحة؟! أم هل خفيت عليهم تلك الأحكام فلم يعملوها؟! لا أظن عاقلًا منصفًا يقول ذلك.
فصفوة الأمة وأئمتها عرفوا العدل والحق وتسابقوا إليه، وعملوا الصالحات التي تقربهم إلى الله تبارك وتعالى ويحصل بها الثواب، وعرفوا الإثم والتعدي لحدود الله فاجتنبوه، فاتقوا الله عباد الله، وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان.
إن الخير كله بأجمعه هو باتباع كتاب الله عز وجل وبهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وباقتفاء آثار السلف الصالح. وإن ما أصابنا من نقص وتدهور هو بإعراضنا ومخالفتنا لتعاليم ديننا القويم، واجتنابنا الصراط المستقيم؛ قال الله عز وجل: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ (الأحزاب: ٢١).
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل