العنوان مواقف فيها عبر.. أيوب الصابر
الكاتب د. عمر سليمان الأشقر
تاريخ النشر الثلاثاء 05-فبراير-1974
مشاهدات 24
نشر في العدد 186
نشر في الصفحة 10
الثلاثاء 05-فبراير-1974
الصبر أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة، ولقد كان صبر أيوب يمثل النوع الثالث من الصبر، ولقد أثنى الله عليه في كتابه فقال: ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ (ص: 44) وقد حدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم بطرف من قصته وصبره.
قال: «إن نبي الله أيوب صلى الله عليه وسلم لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد، إلا رجلين من إخوانه كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين، فقال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف ما به، فلما راحا إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له، فقال أيوب: لا أدري ما تقولان غير أن الله تعالى يعلم أني كنت أمر بالرجلين يتنازعان، فيذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكر الله إلا في حق.
قال: وكان يخرج إلى حاجته، فإذا قضى حاجته أمسکته امرأته بيده حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم أبطأ عليها وأوحى إلى أيوب أن ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾ (ص: 42) فاستبطأته، فتلقته تنظر وقد أقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو أحسن ما كان. فلما رأته قالت: أي بارك الله فيك، هل رأيت نبي الله هذا المبتلى، والله على ذلك ما رأيت أشبه منك إذ كان صحيحا، فقال: فإني أنا هو، وكان له أندران «أي بيدران» أندر للقمح وأندر للشعير، فبعث الله سحابتين، فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض، وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض (حديث صحيح رواه أبو يعلى وابن حبان في صحيحه وصححه الضياء المقدسي)
الإنسان تصيبه المصائب بقدر من الله، والمؤمن يعلم أن ذلك من الله فيصبر على قضائه وبلائه، فينال بذلك الأجر والثواب ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ (البقرة: 155-156-157).
وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم كما يروي ذلك (مسلم في صحيحه) «أن المسلم ما يصيبه من هم ولا وصب ولا نصب حتى الشوكة يشاكها إلا كتب له عمل صالح».
والصبر لا يمنع المسلم من محاولة دفع ما وقع به من بلاء إذا كان يستطيع له دفعا، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «عباد الله تداووا فإن الله ما أنزل من داء إلا أنزل له دواء إلا السام «أي الموت».
أما إذا لم يستطع له دفعا، فذلك الذي يكون فيه الصبر، والصبر الجميل لا يمنع من الحزن والتألم فيعقوب نبي الله صبر لغياب ولده، ومع ذلك فقد ابيضت عيناه من الحزن عليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ذرف الدموع الفراق ابنه إبراهيم وقال «وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون».
ولقد برئ الرسول صلى الله عليه وسلم من الشاقة والحالقة «التي تشق ثوبها للمصيبة تصيبها أو تحلق شعرها»، كما نهى عن النوح على الميت وأمر أن يحشى في أفواه النائحات التراب، لأنهن بفعلهن يعترضن على قدر الله سبحانه وتعالى.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل