; آفاق في الثورات العربية الجديدة- رؤية نهضة مصر «أم الدنيا»: نحو عقد اجتماعي جديد (1-2) | مجلة المجتمع

العنوان آفاق في الثورات العربية الجديدة- رؤية نهضة مصر «أم الدنيا»: نحو عقد اجتماعي جديد (1-2)

الكاتب ا. محمد سالم الراشد

تاريخ النشر السبت 07-مايو-2011

مشاهدات 34

نشر في العدد 1951

نشر في الصفحة 8

السبت 07-مايو-2011

شكلت الثورة المصرية علامة بارزة في تاريخ الثورات العربية التي بدأت في تونس مروراً بمصر ومازالت مستمرة في ليبيا واليمن وسورية، والرياح قادمة، فالثورة المصرية ذات دلالات قيمية وأخلاقية عالية ونتائجها مستمرة لم تتوقف والثمرة المرجوة من هذه الثورة أن تستطيع أن تشكل واقعاً سياسياً ومدنياً جديداً يقوم على أساس العدل والحرية والمساواة والكرامة الإنسانية للشعب المصري، وأن تكون قيم الإسلام مرجعيته، وأن تستطيع روح الثورة أن تسطر رؤية لبناء مجتمع مصري جديد ناهض ونهضة مصرية جامعة. وقد أبدينا وجهة نظرنا في الأعداد السابقة في أولوية بناء الإنسان المصري الجديد، واستكمالاً للأولويات التي نحاول تأصيلها في سيناريو مصر أم الدنيا »؛ فإننا نسطر في هذا العدد أولوية أخرى وهي إعادة رسم «عقد اجتماعي جديد فالشعب المصري بعد ثورة ٢٥ فبراير أمام فرصة تاريخية لإعادة رسم عقد اجتماعي جديد، يعيد تقعيد التزاماته، ويرتب مجتمعه، ويتوافق مع آماله، وتراضي باختياره على أسس جديدة، من أهمها:

 أولاً- قدسية الحياة الإنسانية للمصريين ومن يعيش في أمانهم:

فإن كل الحقوق التي وهبها الله للإنسان واختصها به يجب أن تكون أساسا عقديا لا تراجع عنه، حيث لا تطغى سلطة ما من السلطات الدستورية على حقوق الفرد والافتئات عليه تحت أي مبرر ما دامت تلك الحقوق مرسومة في الدستور ومتوافق عليها بالاستفتاء الشعبي، لذا فإن تقدم أي مجتمع لا يمكن أن ينمو ما لم يكن لحياة الإنسان فيه أصل ثابت، ولا يمكن للمجتمع المدني الجديد أن يتساهل في حياة إنسان مواطن واحد، فقد كانت الأرواح تزهق والكرامة تنتهك والجرائم تدور رحاها على المواطن المصري كل يوم، والمجرمون يُطلقون؛ لأن أرواح الأبرياء رخيصة في نظرهم.

كما وأن الصفقات البائسة والتلوث القاتل ينخر على حساب حياة الإنسان المصري وفي سبيل حفنة من الدولارات أو في سبيل إرضاء طاغوت داخلي أو خارجي، لذا فإن العقد الاجتماعي الجديد يجب أن يضع في حسبانه هذا المبدأ .

ثانيا- أن تكون السلطات للمجتمع وخادمة للناس وليست السلطة للدولة

 أي أن يكون العقد الاجتماعي الحقيقي للمصريين في قابل الأيام قادراً على أن يضع السلطة في إطارها المحدود والمقيد وأن تستمد تلك السلطة قوتها من الشعب.

فقد عانى الشعب المصري من تغوّل السلطة ودكتاتوريتها عقوداً من الزمن، وكبر حجمها وطغيانها، وأصبح المجتمع صغيرا أمامها، لذا فإن مفهوماً جديداً للسلطة يجب أن يدون من خلال هذا العقد الاجتماعي الجديد، ويسطر في الدستور؛ أن يكون دور السلطات الثلاث هو تسيير الدولة وخدمة الشعب في إطار من التكامل والتفاهم، كما وألا تطفى سلطة على أخرى، وأن تنزع أظافر السلطة التنفيذية برقابة السلطة التشريعية وهيمنة السلطة القضائية.

ثالثاً- التعايش الاجتماعي في وحدة وطنية ومواطنة متساوية:

إن خطط النظام السياسي السابق وإجراءاته في زرع الفرقة والخلاف بين كل أشكال التنوع الحزبي والطائفي قد والشعبي والوطني وحتى القومي. أدت إلى تشتيت المجتمع وفقدانه الثقة في هيئاته المدنية والشعبية، وأوجدت صراعا اجتماعياً سياسياً وحتى على المستوى القومي وقضايا الأمة كقضية فلسطين فقد سعى النظام السياسي المصري إلى شق الأحزاب السياسية ودفعها للتناحر فيما بينها، ودفعها لاستباق لرفع القضايا فيما بينها.

 أما على مستوى التعايش الطائفي فقد سعى النظام السياسي إلى إحداث الفرقة بين المسلمين والمسيحيين في مصر، وتوسيع الاحتراب الطائفي سياسيا وإعلاميا وأمنيا، آخرها كانت تفجير  كنيسة «القديسين»، كما ورسخ البعد المناطقي وصراع المصالح فيها، فأصل الصراع بين البدو والحضر، ووجهي بحري وقبلي، كما أوجد الصراع الطبقي بين طبقة الفقراء والمتوسطة من جهة وأعلى شأن مجموعة من رجال المال الطفيليين على النظام السياسي.

 لقد كانت هزة بسيطة إعلامية في أحد الصحف أو القنوات الفضائية كفيلة برج المجتمع المصري وإغلاقه وتحفيزه للاحتراب والتمترس وراء التعصب، وهي ثقافة قام النظام بتنميتها في المجتمع المصري؛ لذا فإن العقد الاجتماعي الجديد يجب أن يؤصل «الوحدة الوطنية»، و«التعايش الاجتماعي، ويحارب «العنصرية والتعصب والمناطقية والمذهبية المتحزبة، وأن يكون القانون والمواطنة هو أساس العلاقة والانفتاح على الآخر وقبول التعددية الاجتماعية، وأنها حقوق وواجبات يلتزم بها جميع المصريين في شتى أجناسهم وعناصرهم وأديانهم واعتبار المواطنة أساس الحقوق والواجبات.

رابعا: مدنية الحياة الاجتماعية والسياسية.. والجيش هو الحارس للأمة:

منذ عقود والأمة المصرية إما تحت سلطة احتلال عسكري أو نظام يقوده العسكر، ولقد أدت العقود المنصرمة إلى سيادة العسكريين على آفاق الحياة السياسية والمدنية وإلى سيطرة نموذج القوة المتسلطة والآمرة وإلى التخطيط العسكري للحياة المدنية على حساب التخطيط الإستراتيجي والتنموي؛ مما أدى إلى حشد الإمكانات والطاقات باتجاه الحالة الثورية والاستبدادية والنظامية المهيمنة، وأصبحت البذلة العسكرية نموذج الرقي والارتقاء الاجتماعي والتطلع على حساب النموذج التنموي المدني وحوصرت الكفاءات الحقيقية، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب.. فكان العسكر يقودون المراكز القيادية المدنية في الدولة والسفارات والدبلوماسية ورئاسة المصانع ومجالس إدارة الشركات الإنتاجية؛ مما أدى إلى نزوح العقول للهجرة، وتدافع الشباب لفرص التمكن الوظيفي عن طرق الانتماء للبدلة العسكرية على حساب الوظائف التنموية الحقيقية.

لقد كانت روح السلطة العسكرية ومتطلباتها تسيطر على ثروات الإنتاج والثقافة والتعليم: مما جعل المجتمع المصري متخلفا ومتراجعاً عن دوره الحضاري، لذا فإن تعهدات المجلس العسكري الحالي بتسليم السلطة والحياة السياسية وإدارة الدولة للمدنيين خلال الأشهر القادمة؛ ليعطي مؤشرا على صحة مسار الثورة، وقدرتها على التفاهم مع الجيش ليكون دوره حارسا للثورة ومستسلما للعقد الاجتماعي للشعب المصري، وملتزماً بمبادئ الدستور والدفاع عن الوطن وحمايته وتظل مهمته في هذا الإطار.

خامسا: هوية ثابتة وواضحة ومستقرة:

فالشعب المصري تعاهد منذ نشأته على ثوابت مستقرة بالرغم من تطورات الزمن وتلاطم الأحداث وخطوب المحن في فترات الرخاء والشدة، فهو ثابت على عقيدته من أن الدين ثابت من ثوابت الحياة الاجتماعية في المجتمع المصري ومع سطوع شمس الإسلام فإن المجتمع المصري استقر على أساس أن الإسلام ثابت من ثوابت عقده الاجتماعي، كما وأن احترام باقي الأديان أساس لا يمكن تجاوزه لذا فالمجتمع المصري ليس مجتمعاً علمانياً أو ملحداً أو طائفياً في عقيدته وهويته، وإن كانت الحرية الفكرية والدينية منطلقا في حراكه الاجتماعي ومتفاهم عليها في إطار سعة الدين الإسلامي وأفقه الواسع.

 كما وإن مصر تنتمي إلى العروبة كقومية، وإن كانت تعتبر كل لسان عربي هو منها، وإليها لذا فإن العروبة جزء رئيس من هذه الهوية.

والتاريخ الحضاري لمصر جزء أساسي من هوية الشعب المصري لا يمكن الاستغناء عنه، إذ إن كل هذا التاريخ الحضاري مستمر في انعكاسه على حياة المصريين واعتزازهم، وله امتداد في أعرافهم وأعيادهم واحتفالاتهم، لذا فإن إعادة ترسيخ هذه الهوية الثابتة والمستقرة في العقد الاجتماعي الجديد مطلب أساسي ومهم.

سادسا: النشاط المدني (نحو مجتمع مدني قوي):

ولا يستغني المصريون عن الحراك الشعبي المدني، وبالرغم من إفساح المجال لتشكيل الأحزاب السياسية والتجمعات الثقافية والصحافة والإعلام الفضائي وجمعيات النفع المدني، إلا أن الحقيقة كانت ضجيجاً منزوع الأثر، وغير قادر على الإصلاح والتأثير والتغيير بسبب السياسات والإجراءات التي عمل النظام السياسي للحزب الوطني الحاكم في مصر على تأطيرها في قوانين مقيدة لا يعدوا نشاطها أن تكون فرقعات إعلامية ولا تستطيع بناء مجتمع حضاري مدني لذا فإنه من الضروري أن يسعى الاجتماعي الجديد على بناء مجتمع قادر على إيجاد حالة تكافل اجتماعي تعاوني ووقفي وخيري، يساهم في بناء نهضة مصر الجديدة، وكلما قوي المجتمع المدني قل دور الدولة وتأثيرها وسيادتها وسلطتها، وأصبح المجتمع قوياً بذاته وبنفسه، وقادراً على السيطرة على السياسة والاقتصاد والإعلام وقيام حضارة مدنية حقيقية.

يستكمل العدد القادم

الرابط المختصر :