العنوان ندوة "المجتمع" حول: الصحوة الإسلامية ومشكلاتها
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 15-فبراير-1994
مشاهدات 16
نشر في العدد 1088
نشر في الصفحة 36
الثلاثاء 15-فبراير-1994
أدار الندوة في الدار البيضاء: خالد بن سعيد
إن المقصود بفكر الصحوة الإسلامية ليس المرجعية المقدسة لأن هذه المرجعية وحي رباني، ومن ثم لا تجوز فيها المراجعة النقدية البشرية باعتبارها وحيًا إلهيًا تحمل خاصية الكمال والتنزيه المطلق عن الخطأ والزلل والقصور، ولذا فالذي نقصد بفكر الصحوة الإسلامية هو الاجتهاد والنظر البشري الذي يتخذ الوحي الإلهي منطلقًا يصدر عنه، وبما أنه اجتهاد بشرى فهو يحتمل الخطأ والصواب، كما أنه خلال التطور الرائع لحركة الحياة تنشأ كثير من المستجدات والمشاكل والقضايا وتظهر أنواع متعددة من المعاملات تجعل الحاجة ماسة للمراجعة الدائمة والنقد والتصويب لإنضاج هذا الاجتهاد الفكري والارتقاء به ولا سيما في واقعنا المعاصر…
كان أول لقاء مع الأستاذ طارق البشري نائب رئيس مجلس الدولة في مصر، يكتب في تاريخ العرب والمسلمين في العصر الحديث وأيضا في الفكر السياسي والقانوني) الذي أكد أن لفظ "الصحوة» إنما استخدم للدلالة على حركات شعبية سياسية ظهرت في كثير من البلدان الإسلامية والعربية تطالب بتطبيق الإسلام عقيدة وشريعة وجعله معيار الشرعية في مجتمعاتنا التي بعدت عن تعاليم الدين الإسلامي، وأن هذه القضية لها ارتباط وثيق الصلة بالنظم العلمانية القائمة والفكر العلماني والصراع بينهما وبين الفكر الإسلامي.
الصحوة الإسلامية ليست ظاهرة عارضة:
كما التقت "المجتمع"، مع الأستاذ مصطفى مشهور نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الذي ذكر في بداية حديثه لنا أن الصحوة الإسلامية المعاصرة ليست ظاهرة عارضة قابلة للانحسار أو الانتهاء، كما أنها ليست رد فعل الأعراض مضادة، لكنها مولود نما نموًا طبيعيًا، ومر بمراحل متدرجة وتعرض لأجواء قاسية واكتسب مناعة وتعرف على الغذاء الطبيعي المتمثل في العقيدة السليمة والعبادة الصحيحة والأخلاق المتينة وأضاف قائلا:
إن أعداء الإسلام الذين غزوا بلادنا الإسلامية بجيوشهم وأبعدوا الشريعة الإسلامية عن الحكم وجلبوا لنا كل ألوان الفساد من خمر وميسر وزنا وربا وغير ذلك وتأمروا على الخلافة الإسلامية وأسقطوها وغرسوا هذا الكيان الصهيوني في قلب الأمة الإسلامية، كل ذلك حرك الدافع الديني في نفوس الغيورين وقامت حركات إسلامية تقود الناس إلى إسلامهم وما يطلبه منهم من واجبات ومن أبرز هذه الحركات الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية في القارة الهندية وغيرها من الجماعات والدعاة الصادقين في أنحاء متفرقة، ووجدوا أنه لا بد من العمل لإعادة الخلافة وبناء الدولة الإسلامية العالمية، وأن السبيل الوحيد والأمثل لذلك هو نفس طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته في بناء الدولة الإسلامية الأولى والذي يبدأ ببناء الفرد المسلم رجلًا كان أو امرأة على أساس من قوة العقيدة والإيمان والعبادة الصحيحة والأخلاق الإسلامية وبناء البيت المسلم الملتزم بكل آداب الإسلام في حياته، ثم إعداد المجتمع المسلم المتحاب والذي يصر على تطبيق شريعة الله والحكم بما أنزل الله - وسارت هذه الحركات الإسلامية في طريقها هذا، ولكن أعداء الله الذين يعادون هذه الحركات تعرضوا لها بالبطش والتنكيل ومحاولة القضاء عليها، ولكنها استعصت عليهم واستمرت في نموها وانتشارها وتحديها وثباتها فكانت هذه الصحوة الإسلامية التي تشهدها اليوم، والمأمول لها أن تكون الأساس المتين في كل قطر إسلامي القيام الحكم الإسلامي وتتلاحم بالأخوة والحب والاعتصام بحبل الله لتكون الأساس المتين لدولة الإسلام العالمية وعلى رأسها الخلافة الإسلامية بإذن الله.
التعاون بين الدعاة والحكام:
وحول قضية مدى إمكانية التعاون بين الدعاة والحكام يقول المفكر الإسلامي والداعية المغربي د. محمد الحبيب المتجكاني أستاذ الفقه والاقتصاد الإسلامي بكليتي أصول الدين والآداب بتطوان إن هذا التعاون يمكن أن يصبح حقيقة ملموسة بشرطين أساسيين:
- أن يحسن الدعاة عرض الكلمة، فالحق سبحانه وتعالى عندما أرسل موسى إلى فرعون قال: قولاً له قولًا لينًا لعله يتذكر أو يخشى، وهذا مثال رائع في فن عرض الكلمة وفن الحكمة في الدعوة، ومع كامل الأسف كثير من الدعاة لا يملكون هذه الموهبة وهذا الحس للحكمة.
- يجب على الحكام أن يقدموا يد العون للدعاة ويقدروا مسؤولياتهم وأن لا ينسوا أن هؤلاء الدعاة، إنما هم نصحاء وأعوان لهم لأجل العمل لما فيه خير لأوطانهم وأمتهم الإسلامية.
مع العلم أن للحاكم سلطان وهيبة، وإذا ما فقد الحاكم سلطانه هذا أصيبت الأمة بضرر كثير مما يؤدي إلى الفتنة والعديد من المفاسد.
وتحت الإطار نفسه يرى الأستاذ طارق البشري أن تعامل الدعاة مع الحكام وإمكانية.
طارق البشرى: الصحوة حركة شعبية سياسية تطالب بتطبيق الإسلام عقيدة وشريعة:
الصلة والاتصال بينهما أمر خاص بكل مجتمع من مجتمعاتنا على حدة، ويقول: أتصور أنه من الصعب التعميم هنا لأن كل بلد من بلادنا الإسلامية له إطاره العام والخاص به وصادفته خصائص وتنوعات مختلفة تتعلق بالتكوينات والتنظيمات، وعلى هذا يحتاج كل قطر من أقطارنا لأن يهتدي إلى أسلوب نافع ومثمر يتناسب مع محيطه وواقعه ليحقق متطلبات المجتمع ومطامحة الإنسانية والشعبية.
كما يرى الأستاذ عبد الإله بنكران (رئيس حركة الإصلاح والتجديد المغربية) أنه لا بد من أن تنصرف جهودنا بكل جدية - بعد أن ننقي مبادراتنا من عوامل الذات - إلى تأسيس مرجعية واحدة تتلاحم فيها جهود الحكام والدعاة المختصين مؤكدًا على أن لا يقتصر هذا التعاون على التأييد السياسي، بل يتجاوزه إلى درجة تحديد معطيات العمل المشترك في صيغة متناغمة لا تتعارض فيها الجهود، وإنما تستمد وحدتها من صعوبات التعاطي المنهجي لمواجهة مشكلة التخلف الفكري في عالمنا الإسلامي معتبرًا أن الأزمة الحقيقية التي يعاني منها عالمنا الإسلامي اليوم تكمن في بنيتنا الفكرية.
وتحت الإطار نفسه أشار الأستاذ إسماعيل الخطيب أستاذ بكلية أصول الدين بتطوان ومدير جريدة (النور) إلى بعض النقاط المهمة نذكر منها:
- بخصوص علاقة الدعاة والحكام ومسألة التعاون بين الطرفين لا بد من طرحها الطرح الإسلامي الذي يلزم الحاكم المسلم بأن يكون داعية إلى الله تعالى لأنه في مقام خلافة الرسول عليه الصلاة والسلام والخلفاء الراشدون.
- إن حديثنا عن الصحوة الإسلامية لا ينبغي أن ينسينا الحديث على الغيبوية التي تعيش فيها الأمة لأن الصحوة اليوم تقتصر على الطائفة التي أحبت الرجوع إلى المنهج الإسلامي، وهناك غيبوبة عند جماعة لا يستهان بها من أمة الإسلام التي يجب الاهتمام بها.
- إن تجمعاتنا من أجل مناقشة قضية هذه الصحوة يحتم علينا القول صراحة بأننا نتطلع إلى تطبيق الإسلام كله في مختلف الميادين الفعالة في حياتنا ودون تبعيض.
أهمية الدراسات العلمية:
ونعود إلى الأستاذ طارق البشري الذي يعتقد أنه من الواجب القيام والاهتمام بالدراسات العلمية اللازمة لنا، لزوم مواكبة للصحوة الإسلامية، وأنه لا بد لها من بنية تحتية تخدمها وتسير عليها مشيرا إلى بعض ما يتعلق بهذه البنية التحتية أو المرافق العامة كالبحث العلمي والاجتماعي، وقال: أتصور أنه يلزمنا:
- دراسة الواقع دراسة معمقة تستوعب ظواهره وتكشف العلاقات المرئية والخفية التي تربط هذه الظواهر.
- دراسة الأوضاع المؤسسية في ديار المسلمين واستنباط الأشكال والهيئات والنظم التي يمكن أن تهيئ هذه البيئة الاجتماعية لتلقي أحكام النصوص وحمايتها.
وأضاف: إن غياب هذا الفهم الاجتماعي لعمل مؤسسات اجتماعية ويحض عليها الإسلام شريعة وحضارة، قد ترك المجال للمذاهب العلمانية تنشط فيه وحدها - تقريبًا وكان الإسلاميون يفاجئون دائمًا بأن مؤسسة اجتماعية قد ذبلت وأنها قد تخطاها الواقع.. ويصعب كثيرًا إنكار أو تجاهل ما حرى بين أوضاع الواقع وبينها ولا يفسر ذلك إلا أن الفكر الإسلامي الاجتماعي لم يفهم الواقع الاجتماعي حق الفهم ولم يستطع التحكم في حركته والتأثير فيها، أو على أقل تقدير) توقع التحرك الاجتماعي في اتجاه دون اتجاه.
مصطفى مشهور: الصحوة ليست ظاهرة عارضة قابلة للانحسار وليست رد فعل الأعراض مضادة:
إن الإنسان في شعوبنا العربية والإسلامية أصبح مقسومًا إلى قسمين في وعيه بحاضره وبتاريخه المعاصر. ونحن عندما نقصر النظر الإسلامي على مجال الدعوة الشرعية الإسلامية وتطبيق الشريعة الإسلامية والتحقق من إسلامية سلوك الفرد، دون النظر العلمي العميق والمتخصص لشؤون المجتمع تكون ممن يؤكدون تلك القسمة في واقع وعى الناس ويؤكدون من حيث لا يدركون انفصال علوم الدين عن علوم المجتمع.
الصحوة والتحديات الفكرية الغربية:
وعن مدى مواجهة الصحوة الإسلامية للتحديات الفكرية والفلسفية ذات النمط الغربي يقول الأستاذ الطيب بوعزة أستاذ الفلسفة والفكر الإسلامي بالمغرب.
أمام هذا التحدي الفكري والفلسفي الغربي كانت مواجهة الصحوة الإسلامية جد ضعيفة يطبعها الارتجال، حتى إن أغلب الكتابات الإسلامية التي تناولت بالنقد بعض المفكرين والمذاهب الفلسفية الغربية، كانت كتابات سطحية عاطفية، تنم عن عدم معرفة بما تنتقد، وهذا الضعف في المواجهة سبب أساسي من أسباب ضعف التحصين العقدي والفكري للعقل المسلم، وضعف المواجهة هي أيضًا من الأسباب التي سهلت عملية الغزو الفكري واستلاب العقل العربي.
ولعل ضعف المواجهة الفكرية راجع أيضًا إلى أن كثيرًا من اتجاهات الصحوة وأفرادها تهمل الفكر وتقلل من تأثيره، ولا تدرك وظيفته الاجتماعية، وعادة ما تنعت الحديث الفكري بالحديث البارد الذي لا تأثير له، وهذا قصور فى الفهم لابد من معالجته بتربية عقل الصحوة على استشعار أهمية الفكر والثقافة في حياة المجتمع وتحسيس هذا العقل بخطورة التسرب الفكري الغربي والنهوض لمواجهته.
ويضيف الأستاذ الطيب قائلًا: إنه يكفي للدلالة على قصور نقد كثير من كتاباتنا للفكر الغربي، مراجعة هوامش هذه الكتابات! فقلما نجد مراجع ومؤلفات للفيلسوف المنتقد، بل نجد فقط بعض التصانيف الموجزة والمختصرة التي توضع ألف باء فلسفته والذي جعل للفكر والفلسفة الغربية مجالًا مهيئًا للحضور والاستمرار فى واقعنا الثقافي هو قصور التحصين الفكري هذا التحصين الذي تقع مسؤوليته على الصحوة الإسلامية إذ إن كثيرا من كتابنا ينهضون إلى مواجهة الفكر الغربي دون أن يكون لهم اطلاع كاف به، وإذا كنا نقول أن لكل مقام مقالا فيجب أن نقول أيضًا إن لكل قائل مقامًا، ومن ثم لا يجب أن يتجرأ على مقام ما غير قائله.
إن تعاملنا مع الفكر الغربي يجب أن تضبطه أصول العلم وآداب التفكير النقدي وقواعده فقبل النقد يجب الاطلاع على الفكر المراد نقده والإحاطة بأصوله ومصادره وتطوراته وتجديداته وبمجمل الانتقادات التي وجهت له وبعد ذلك تكون مواجهته بالنقد مشروعة، ويجب أن نتذكر دائما أن حجة الإسلام أبا حامد الغزالي - رحمه الله - لم يكتب تهافت الفلاسفة، إلا بعد أن كتب مقاصد الفلاسفة، حيث أبان عن إطلاع عميق على ما وقد على المجتمع الإسلامي من نتاج فلسفي إغريقي.
فصل الدين عن الدولة:
ويقول الأستاذ مصطفى مشهور: لقد تدخل الأعداء في نظام التعليم في معظم أقطارنا الإسلامية كي يحسروا الروح الدينية والتربية الإسلامية عن جمهور الطلاب ويعزلوا التعليم الديني ويقصروه على عدد قليل من الطلبة في معاهد أو كليات خاصة وذلك تحقيقا للنظرية العلمانية التي تفصل الدين عن الدولة والتي لجأوا إليها في أوروبا نتيجة تسلط رجال الكنيسة على نظام الحياة في بلادهم في حين أن الإسلام نظام كامل للحياة وأن الذين وصفوا أسس العلوم الحديثة هم علماء مسلمون.
وهكذا صرنا نجد علماء أو فقهاء في العلوم الشرعية لا يعيشون قضايا مجتمعاتهم ولا يحيطون بالحل الإسلامي لهذه القضايا.
عبد الإله بنكران: الأزمة التي يعاني منها عالمنا الإسلامي تكمن في بنيتنا الفكرية:
ونجد متخصصين في العلوم الدنيوية الأخرى وليس عندهم إلمام بمبادئ الدين وتعاليمه وما يشمله من حلول ومناهج لتحقيق الحياة الطيبة في كل الجوانب.
وللأسف الشديد بعد أن حاول بعض الغيورين إدخال بعض الجوانب والمعاني الإسلامية في مناهج التعليم في مراحله إذا بنا نرى موجة من أبعاد هذه الأجزاء من المناهج لينشأ الشباب بعيدًا عن جوهر دينه وينقطع عن جذوره السابقة ويتهيأ للحكم العلماني بعيدًا عن شريعة الله وواجب الغيورين من المسلمين أن يقضوا ضد هذا التوجه والعمل على أن تتضمن مناهج التعليم بجانب التخصصات العلمية المحتملة المبادئ الإسلامية وما يجب أن يكون عليه المسلم الذي يمثل اللبنة المتينة في بناء الأمة الإسلامية وتحقيق الحضارة الإسلامية.
الجامعات الإسلامية يمكنها أن تؤدي دورًا كبيرًا في إعداد المجتمعات الإسلامية في أقطارنا، وذلك بأن تخرج نوعيات عالية عالمة، يحيطون بالإسلام وشموله وتكامله عقيدة وعبادة وشريعة وأخلاقا ومعاملات إلى غير ذلك، لا أن يقتصر علمهم على جانب العقيدة والعبادة، وأن يهتم في هذه الجامعات بجانب التربية مع التثقيف لتخريج القدوة العلمية الصالحة وليكون لهم التأثير، لأن فاقد شيء لا يعطيه، وأن يدرسوا واقع مجتمعاتنا وما أصابها من أمراض نتيجة غزو الأعداء، وعلاج هذه الأمراض من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ..
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
البعث الإسلامي هو وحده القادر على هزيمة ثقافات الشرق والغرب
نشر في العدد 17
27
الثلاثاء 07-يوليو-1970