العنوان هل ينتهي «تدويل» المسألة المصرية بإقرار الدستور؟
الكاتب د. عبد الله الأشعل
تاريخ النشر السبت 05-يناير-2013
مشاهدات 9
نشر في العدد 2034
نشر في الصفحة 22
السبت 05-يناير-2013
حسم الاستفتاء الذي أجري يومي ١٥ و ٢٢ ديسمبر الماضي قضية الدستور، ولكن لما كان الصراع لا يرتبط أصلًا بالدستور كما أوضحنا في عدة مناسبات، فإن «تدويل» المسألة المصرية ولها جوانب متعددة ومفاهيم مختلفة لن ينهي هذا «الاستفتاء على الدستور» «التدويل»، بل طالبت المعارضة صراحة بتدخل الولايات المتحدة ضد النظام في مصر بحجة هيمنة الإسلاميين على السلطة وإغوائهم للشعب واستغلال الأمية فيه.
مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان «نافي بيلاوي» طالبت مصر بأن تجعل المعاهدات الدولية أسمى من الدستور والقانون!
ولكن ذلك الاستفتاء هو كلمة الشعب المصري الفاصلة التي يجب على رئيس الدولة أن يستند إليها؛ فيستخدم سلطاته في فرض الاستقرار من أجل هذا الشعب الذي جدد ثقته فيه، وأن يوقف مهزلة التدخل الدولي في شؤون مصر، وتلك هي فرصته الأخيرة لكي يضرب الفساد ويطبق القانون.
اصطفاف مشبوه
فإعداد الدستور عادة قضية داخلية وطنية، ولم نسمع أن الدستور يعتبر قضية تهم المجتمع الدولي إلا في حالة مصر؛ حيث دخل على الخط مع المعارضين للدستور جهات أجنبية، حكومات ومنظمات وإعلاميون وغيرهم، ولم يعد الدستور شأنًا مصريا داخليًا.
ويبدو أن هناك مصلحة مشتركة بين أعداء التيار الإسلامي في مصر وأعدائه في الخارج، وتورطت في ذلك منظمات عالمية كان يجب ألا تزج بنفسها في هذا المعترك، فعندما شعرت القوى العلمانية أن أرضيتها في معارضة الدستور ضعيفة، وأنها بعد كل ما بذلته في تشويه صورة الدستور وقراءته للناس قراءة خاصة مضحكة، دون أن تلتفت إلى النتائج الكارثية في المجتمع المصري لهذا العمل، عمدت إلى الاستعانة بالخارج، حيث طالب بعضهم واشنطن والحركة الصهيونية بالاحتشاد ضد الإسلاميين، كما انهالت الأموال ونشط إعلام «مبارك» في قيادة معركة تضليل الشعب حول الدستور، وكان سحب الدستور يمكن أن يعيد الأمور في مصر إلى هدوئها.
افتراء وتزييف
وأخطر ما لاحظناه في تدخل الخارج هو مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التي أدلت مفوضتها السيدة «نافي بيلاوي» بتصريحات رسمية خطيرة، كان يتعين علي الحكومة أن تحتج عليها؛ لأنها تعد تدخلا مؤسفا في شأن داخلي مصري، واصطفت المفوضية تحت ذريعة القلق على حقوق الإنسان في مصر مع معارضي النظام والساعين إلى إسقاطه، ولكن السيدة «بيلاوي» اتخذت موقفًا سياسيًا بعيدًا عن القانون، وأبدت ملاحظات على مشروع الدستور تقطع بأنها لم تقرأ هذا المشروع في نسخته الرسمية، ورددت خطاب المعارضة الذي وظف الدستور كما يراه لا كما تنطق مواده كوقود في معركته مع الإخوان المسلمين ورئيس الدولة.
ويضيق المقام عن تقديم كل ما أدلت به السيدة «بيلاوي» والرد عليها، ولكنها على العموم تعتقد أن وضع الحقوق والحريات خاصة المرأة والأقليات الدينية غير السماوية وحرية الصحافة في الدستور الجديد أدنى مما قرره دستور ۱۹۷۱م، وتبدي أسفها أن الدستور الجديد لا يزال يصر على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع المصري، وهذا يتضمن حكمًا متعسفًا غير مدروس، كما يتضمن تدخلًا في شأن يعتز المصريون جميعًا به بحسبان أن مصر دولة إسلامية.
وأبدت السيدة «بيلاوي» قلقها من تغول سلطات رئيس الجمهورية على السلطة القضائية، دون أن تكلف نفسها قراءة أحكام الدستور في باب القضاء، وتزعم أن الرئيس ينفرد بتعيين النائب العام وأعضاء الدستورية العليا وهو غير صحيح، ولعلها تعرف قطعا أن الرئيس الأمريكي ينفرد بتعيين قضاة المحكمة العليا في واشنطن، ولم يقل أحد: إنه افتأت على السلطة القضائية، وأن الرئيس يعين الشخصيات التي لا تشكل عقبة لسياساته.
وقد تألمت السيدة «بيلاوي» لما نصت عليه «المادة ۱۹۸» من أن أعمال المدنيين التي تشكل ضررًا للقوات المسلحة تحاكم أمام القضاء العسكري، ولم تلتفت إلى أن تحديد ماهية هذه الأعمال ومن له حق الإحالة وضمانات العدالة وغيرها منوط بالقانون، خاصة وأن نفس الدستور نص على أن القضاء العسكري سلطة قضائية مستقلة، صحيح أن المصريين لديهم عقدة من المحاكم العسكرية، وعانى شباب الثورة في السجون العسكرية بالآلاف حتى الآن، وأن مجرد ظهور النص مهما أحيط بالضمانات، ومهما قيل من أنه اختصاص قضائي عادي يثير القلق، إلا أن مثل هذا النص موجود في التشريع المقارن فيما يتعلق بالجرائم العسكرية التي تحددها القوانين بدقة حتى لا يؤدي اتساع النص إلى المساس بالعدالة.
وكان يمكن درءًا لهذه الملابسات التاريخية والمعاصرة، أن يقتصر النص على حظر محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري بشكل مطلق، على أن ينظم قانون المحاكمات العسكرية على الأفعال والأشخاص الذين يقعون في اختصاص القضاء العسكري، وقد يكون فصل الحكمين في هذه المادة عاملًا مخففا لوقعها النفسي، لكن يبقى القانون المشار إليه في عجز المادة هو صمام الأمان لهذه المحاكمات.
وأخيرًا، قررت السيدة «بيلاوي» أن نص «المادة ١٤٥» يؤدي إلى انتهاك مصر للمعاهدات الدولية في مجال حقوق الإنسان، ولكن الحقيقة هي أن «المادة ١٤٥» بسطت سلطة البرلمان على كل المعاهدات، بعد أن كان الأصل في «المادة ١٥١» هو إطلاق يد الرئيس في إبرام المعاهدات عمومًا، وأن تصديق البرلمان مسبقا على بعض أنواع المعاهدات كان يقابله تطويع البرلمان المشيئة الرئيس مادام البرلمان مشكلًا بالتزوير من أتباع الرئيس.
وقد طالبت السيدة «بيلاوي» صراحة مصر بأن تجعل المعاهدات الدولية أسمى من الدستور والقانون، وإلغاء النص في «المادة ١٤٥» على عدم إبرام مصر المعاهدات تناقض الدستور، والترجمة العملية لهذا النص المعمول به بشكل تلقائي دون نصوص في النظم القانونية في جميع دول العالم هو أن مصر تتحفظ عند إبرام المعاهدات على كل ما يخالف النظام العام والشريعة الإسلامية مادامت القوانين المخالفة للشريعة الإسلامية تبطل لعدم دستوريتها.
الرئيس الأمريكي ينفرد بتعيين قضاة المحكمة العليا في واشنطن ولم يقل أحد إنه افتأت على السلطة القضائية
المعارضة أرادت أن يكون رفض الدستور أداة لهزيمة الرئيس واستمرارًا لخطة التمرد على الشرعية
لماذا «التدويل»؟
والحق أن «تدويل» قضية الدستور في مصر لها أسباب عديدة، ولكن «التدويل» يعني أمورًا كثيرة، منها إظهار الاهتمام الدولي والسياسي والإعلامي بالقضية، ومنها أن يصدر تعليق من دول ومنظمات خارجية على ما يحدث في مصر، ومنها أن تقوم بعض الدول والمنظمات بإجراء مباشر في مواجهة الحكومة المصرية، ولا يخفى أن أهمية مصر وعمق الأزمة التي سببها النظام السابق كانت تجعل قضايا حقوق الإنسان بشكل خاص قضية دولية شهدت كل هذه الصور من الاهتمام، وأبرز مثال على ذلك هو مقتل الشاب المصري «خالد سعيد» الذي كان سببًا مباشرًا في تفجير ثورة الشباب على النظام البائد، والذي بسببه أدان البرلمان الأوروبي والاتحاد الأوروبي مسلك الحكومة المصرية المتواطئ في هذه القضية، ويومها تمسكت الحكومة المصرية بسيادة الدولة، وبأن قضايا حقوق الإنسان قضايا داخلية، وهو موقف متخلف عما وصل إليه العصر.
ولكن «تدويل» قضية الدستور بدأ منذ تم «تدويل» قضية الثورة المصرية، على أساس أن الدستور هو أول شواطئ إقامة الدولة المصرية الحديثة، ولكن ذلك لا يبرر أن يدخل الخارج طرفا في معركة سياسية داخلية؛ طرفها الأول «الجمعية التأسيسية» الممثلة للشعب المصري، والتي لا يعيبها مطلقا أن تعكس في تشكيلها نفس تشكيلة «مجلس الشعب» «البرلمان الذي تم حله» الذي حصل فيه التيار الإسلامي على أغلبية المقاعد، كما أن الرئيس المنتخب في مصر لا يهمه أن يقبل إنتاج هذه الجمعية أو يرفض، ولكن المعارضة أرادت أن يكون رفض الدستور أداة لهزيمة الرئيس، واستمرارًا لخطة التمرد على الشرعية، واستدراكاً على إرادة الشعب المصري، ولذلك نظن أن كل الملاحظات على الدستور الجديد التي أبديت هي دعم للمعارضة، ولكنها استباق لرأي الشعب المصري ونتيجة الاستفتاء.
من الناحية السياسية، لابد من وجود أوسع لقاعدة الحكم عن طريق مشروعات قومية طموحة، ينخرط الشعب فيها حتى لا يبقى خارج السياق إلا النخبة المنكشفة بلا غطاء أو شرعية على الأرض.
«الهوامش»
(*) أستاذ القانون الدولي - مصر
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل«العدالة والتنمية» ذاهب للانتخابات بسلـة مليئـة بالإنجـازات الإستراتيجيـة
نشر في العدد 2179
30
الاثنين 01-مايو-2023