; وانقلب السحر على الساحر الصهيوني! | مجلة المجتمع

العنوان وانقلب السحر على الساحر الصهيوني!

الكاتب رياض الشعيبي

تاريخ النشر السبت 24-يناير-2009

مشاهدات 8

نشر في العدد 1836

نشر في الصفحة 32

السبت 24-يناير-2009

﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ (البقرة : ٢١٦)

العدوان الصهيوني الأخير سلط الأضواء من جديد على القضية الفلسطينية باعتبارها أحد محاور السياسة الدولية الراهنة

«إسرائيل» التي تتغذى من تسويق خطاب الاستضعاف لن تستطيع تحمل الإدانة العالمية الصارخة لسياساتها العدوانية الواضحة


ظهر منذ اللحظة الأولى للعدوان على «غزة» أن الصراع بين مشروع المقاومة وحملة فرض التسوية يدخل جولته الثانية، بعد أن حققت المقاومة اللبنانية انتصارها الحاسم في مرحلته الأولى.. فالغارات التي شنها الطيران الصهيوني على غزة أعادت إلى الذاكرة أحداث يوليو ٢٠٠٦م في لبنان؛ إذ إن التصريحات «الإسرائيلية» هي نفسها والموقف الرسمي من بعض الدول العربية في تبرير العدوان هو نفسه، والتشكيلات السياسية الفلسطينية تذكرنا بالانقسام اللبناني المتواصل!

لقد بدأت معركة غزة منذ أكثر من ستة أشهر، عندما أغلقت المعابر، وأعلن الحصار التام لأكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني، في منطقة لا تزيد مساحتها على ۳۰۰ كيلومتر مربع.. فتارة يمنع الوقود ثم الغذاء، ثم الدواء، وتارة أخرى يفرض الحصار السياسي والدبلوماسي، وهكذا تتدحرج الخطة الصهيونية مثل كرة الثلج فلا تقارب نهاية المنحدر إلا وقد أصبحت من الخطورة والصلابة ما ينذر بالزلزال الكبير ... وبالفعل فقد أعلن الإسرائيليون أخيرا خطتهم، ووحدوا جبهتهم الداخلية لدعمها نظراً للأهمية الاستراتيجية لأهداف هذه الخطة، وخطورة الآثار المحتملة في حال فشلها .

أدوار مرسومة

وفي إطار تعبئة الموارد لإنجاح هذه الخطة قسم المخطط «الإسرائيلي» الأدوار بين:

- العمل المباشر: متمثلاً في تشديد الحصار السياسي؛ بغلق المعابر ومنع تدفق الأموال وخنق الاقتصاد وتعطيل أي عمل قد يحسن من الظروف المعيشية للمواطنين...

كل ذلك من أجل خلق واقع يائس قد يتحول فيما بعد إلى انفضاض من حول «حماس» وعزل لمناضليها، حتى تسهل تصفيتهم في وقت لاحق.

- تعزيز أطر الاهتراء الداخلي:

فقد شجع الإسرائيليون حالة الانقسام داخل الساحة الفلسطينية، بل ولعبوا في أغلب الأحيان دوراً محدداً في العلاقات الفلسطينية - الفلسطينية إما من خلال الاشتراط على منظمة التحرير عدم التفاوض معها إن لم تستسلم للإملاءات الإسرائيلية فيما يخص الحوار الداخلي أو عن طريق الضغط الأمريكي المباشر على السلطة الفلسطينية في «رام الله» أو بافتعال محاور إقليمية عربية مؤيدة لهذا الطرف أو ذاك.

-  تقوية تأثير المحيط الإقليمي:

المحفز حيث شهدت القضية الفلسطينية حالات جذب ودفع، لكن كان المطلب الإسرائيلي دائما أن تبقى هذه القضية فلسطينية خالصة دون ربطها بمحيطها العربي ولا الإسلامي.

- استغلال الوضع الدولي المناسب وتوظيفه:

إذ اتسم هذا الوضع منذ قدوم جورج بوش الابن إلى السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية بالتحفز الشديد للقبول بمنطق القوة وشرعية الأمر الواقع، لذلك لم يجد «الإسرائيليون» أنسب من هذا الظرف الإعلان حروبهم من دون خشية من القانون الدولي، ولا من الضغوطات السياسية الخارجية .. ويبدو أنهم أرادوا الاستفادة قدر الإمكان من هذه الحالة الدولية في فرصتهم التي قد تكون الأخيرة لخوض مثل هذه المعارك غير المبررة أخلاقيا، ولا قانونيا، ولا حتى سياسياً !

مبررات العدوان

هذه هي مقومات الخطة «الإسرائيلية» فمرحلتها الأولى الحصار والعزل والإضعاف ومرحلتها الثانية القصف والاجتياح، ثم تأتي مرحلتها الأخيرة في استثمار نتيجة المعركة لتحقيق أهدافها

وقد أدت كل الأطراف مهمتها كاملة لكن بدلا من أن تنتظر «إسرائيل» اكتمال آثار الحصار، أو ما تتوقعه من نتائج قد يؤدي إليها نراها تستعجل الغارات على «غزة».

فما الذي يبرر ذلك؟ ومنذ بدء ولاية الحكومة الفلسطينية المنتخبة بقيادة «حماس»، كانت السياسات «الإسرائيلية» تجاه قطاع غزة توحي بالتصاعد في الحصار والإعداد المكثف للمواجهة الشاملة .. فبعد المعالجات الموضعية لقضية إطلاق الصواريخ على البلدات «الإسرائيلية» جاء الاجتياح الجزئي للقطاع، ثم سياسة العقاب الجماعي من خلال الحصار وغلق المعابر، وأخيرا إعلان الحرب المفتوحة.

غير أن التحول للمرحلة الأخيرة من «العملية المتدحرجة» لم يأت تعبيرا عن مسار تنسيقي متصاعد من الضغط، وإنما نلاحظ القفزة التي عبرت عنها السياسات الإسرائيلية من مرحلة الحصار إلى المحطة الأخيرة المتمثلة في المواجهة الشاملة.

إن مرحلة الإعداد للانتخابات الإسرائيلية لم تكن المناسبة الأفضل لشن مثل هذه العمليات الواسعة؛ إما لضعف الحكومة «الإسرائيلية» الآيلة للتغيير وعجزها عن تمرير مثل هذه الخيارات أو التسويق كل الأطراف الإسرائيلية المتنافسة الخطاب السلام الذي يتناقض مع حالة التصعيد، أو للتأكيد على أهمية الأمن «الإسرائيلي»، والخوف من أن يؤدي التصعيد إلى ردود فعل قد تخرج على السيطرة؛ مثل العمليات الاستشهادية، أو إطلاق الصواريخ الأمر الذي قد يؤثر على الحظوظ الانتخابية لهذا الطرف أو ذاك.

قرار استباقي

إن ما يدعونا لاعتبار قرار الحرب الشاملة على غزة قراراً استباقياً أن «إسرائيل» لم تعدم الوسائل في مواجهة «حماس»؛ من اغتيالات داخلية وخارجية سياسية وعسكرية، أو مواصلة الحصار السياسي والميداني لها ... وربما كان الوقت كفيلا بتفتيت سلطتها في «غزة» وانكماش تأثيرها وعجز خياراتها، لكن مع أن مرحلة الحصار والخنق في خطتها لم تنته بعد؛ إلا أنها لم تنتظر ولم تراع التدفق المتصاعد لسياساتها ؛ بل انتقلت إلى المرحلة الأخيرة.

إن ملاحظة تطور الأحداث ينبهنا إلى عوامل قد تكون وراء هذا الحسم، منها أن صانع القرار الإسرائيلي، يرى أنه بات من الضروري الاستعجال في حسم مسألة «غزة»، نظرا لعدة أسباب:

- أولا : إن سياج الحصار حول «حماس» وحول «غزة» بدأ يتفتت نتيجة صبر الفلسطينيين ومقاومتهم، ونتيجة المد الشعبي العربي والإسلامي والدولي الذي ناصر غزة المحاصرة ودعم صمودها .

- ثانياً: عجز السلطة الفلسطينية عن الإمساك بزمام المبادرة والتأثير الفعلي في واقع المقاومة، وقد تجلى ذلك في فشل «مشروع دحلان»، ثم «الطيب عبد الرحيم» فكان لا بد من التدخل المباشر للقيام بدورها في تصفية المقاومة.

- ثالثا: إن السلطة الفلسطينية معرضة لاهتزازات عنيفة نتيجة انتهاء ولاية عباس وحرص أطراف من حركة «فتح» على إنجاز مؤتمرها القادم في أقرب الآجال، وهو ما يدعو لتوقع تغيرات في تركيبة «فتح» القيادية قد لا تتفق مع السياسات «الإسرائيلية».

رابعا: الخشية من أن وصول الديمقراطيين للسلطة في الولايات المتحدة سيعطل مشاريعهم، على الأقل من جهة حاجتهم لبعض الوقت لترتيب بيتهم الداخلي واستيعاب الواقع السياسي الخارجي.

- خامسا: إن السياسات «الإسرائيلية» قد منيت بهزيمة استراتيجية في «لبنان» وحاجة المجتمع «الإسرائيلي» لرد اعتبار رفعاً لمعنوياته، وقد تكون «غزة» فرصة سانحة لتحقيق هذا الهدف.

-  سادسا : إن «غزة» قد تكون في نظر «الإسرائيليين» فرصة حقيقية للتدرب على خطط عسكرية لاعتمادها في حروب قادمة في جنوب لبنان أو حتى مع «سورية».. والمتابع للمناورات والتدريبات العسكرية في شمال فلسطين، أو على الحدود مع سورية يلاحظ أن سيناريو الحرب في تلك البقاع يُعد الشاغل الأهم في الفكر العسكري «الإسرائيلي».

إدانة صارخة

ما نستنتجه إذن أن الخطة الإسرائيلية المتدحرجة في غزة قد انطلقت منذ مدة طويلة وليس السبت قبل الماضي، لكن المهم أيضا ملاحظة أن هذه الخطة قد تدحرجت بالفعل، لكنها حتى يكتمل تنفيذها كان لا بد أن تقفز في الهواء، أو أن تسارع حركتها بشدة قبل أن تصل مرحلتها الأخيرة، وهنا يكمن ضعف السياسة «الإسرائيلية».

فالهجوم على غزة سلط الأضواء من جديد على القضية الفلسطينية باعتبارها أحد المحاور المحددة في السياسة الدولية كما عبأ القوى الرافضة للسياسات «الإسرائيلية» بالمنطقة، وأجج من مقاومتها لهذه السياسات.

والحقيقة أن بعض الأطراف الفلسطينية والأنظمة العربية التي حاولت تسويق منطق حصار «حماس» في «غزة» واستهدافها في الساعات الأولى للحرب، نراها اليوم تعجز عن الاستمرار في هذا الخطاب أمام الضغط السياسي والشعبي الذي يواجهها، وتأخذ مسافة أبعد عن السياسات «الإسرائيلية».

وإن هذه السياسات العدوانية لا تستطيع أن تصمد طويلا أمام الضمير الأخلاقي الدولي، والحسابات السياسية الداخلية. فالخروج للشارع في مدن وعواصم العالم العربي والغربي يمثل إدانة صارخة لهذه السياسات، لا قبل ل« إسرائيل» ذات الوضع الهش، والتي تتغذى أخلاقيا من تسويق خطاب الاستضعاف على تحمله!

الرابط المختصر :