; وحوار بنَّاء بين أخوين | مجلة المجتمع

العنوان وحوار بنَّاء بين أخوين

الكاتب محمد عبد العزيز جبر

تاريخ النشر الثلاثاء 23-مايو-1972

مشاهدات 16

نشر في 101

نشر في الصفحة 9

الثلاثاء 23-مايو-1972

وحوار بناء بين أخوين

محمد عبد العزيز

ونبيه عبد ربه

﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ(النساء: 65).

 إن المجتمع الجاهلي هو كل مجتمع غير المجتمع المسلم، وإذا أردنا التحديد الموضوعي قلنا: هو كل مجتمع لا يخلص عبوديته لله وحده، متمثلة هذه العبودية في القصـور الاعتقادي، وفي الشعائر التقليدية وفي الشرائع القانونية؛ وبهذا التعريف الموضوعي تدخل في إطار المجتمع الجاهلي جميع المجتمعات القائمة اليوم في الأرض فعلًا.. المجتمعات الشيوعية، والمجتمعات الوثنية، والمجتمعات اليهودية، والمسيحية وأخيرًا يدخل في إطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها مسلمة.

 إنها كلمات للشهيد: سيد قطب -رحمه الله- أثارت ثورة فكرية عنيفة وتخبط الناس في فهمها؛ فمنهم من تطرف في زعم؛ أن لا مسلم إلا من بايع إمام الجماعة المسلمة، وانضم تحت لوائها، ومنهم من منع إطلاق وصف الجاهلية على مجتمعاتنا الإسلامية المعاصرة.

وهدى الله فريقًا لما اختلف فيه من الحق بإذنه.

وممن منع إطلاق هذا الوصف الأستاذ: نبيه عبد ربه في كلمة قرأتها له في مجلة «المجتمع» في العدد «۱۰۰»

·       قال: المجتمع يتكون من أرض وشعب، وتشريع وحكومة.. وسلم بصحة الحكم على النظم والتشريعات الوضعية بالجاهلية لقوله تعالى ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ(المائدة: 50).

ثم منع انسحاب هذا الوصف على الأرض والشعب.. أما الأرض.. فلأنها أرض الله يورثها من يشاء من عباده.. ولا يخرجها الكفر الطارئ عليها عن كونها إسلامية.. وأما الشعب فلأنه ينطق بالشهادتين –أولًا- وهو ضحية الاستعمار والمضللين –ثانيًا- ومغلوب على أمره –ثالثًا- وسندنا في تكوين رأي عام إسلامى –رابعًا- والنبع الذي نستقى منه رجالًا لدعوتنا -خامسًا.

·       قلت: أما النظم الوضعية.. فقد التقينا في الحكم عليها والحمد لله رب العالمين، وكفى الله المؤمنين شر الجدال.

وأما الأرض فغير قابلة للحكم عليها بإسلامية أو جاهلية لكونها لا تعقل ولكن ينسب إليها مجازًا باعتبار مالكها، فإن ملكها مسلم قيل أرض المسلمين وإلا فأرض الكافرين.

ولكن ما الحكم إذا اغتصب الكفار أرض المسلمين؟  أيملكونها بحيث إذا استردت تقسم بين الفاتحين الجدد أم ترد إلى أصحابها الأولين؟

خلاف بين الفقهاء يرجع إليه في محله وإنما غرضي أن أبين أن الأستاذ: سيد -رحمه الله- لم يأت ببدع من الأمر.

وبقي الحكم على الأمة.. لم يصرح أستاذنا الشهيد بأن لفظ الجاهلية يعنى الكفر.. ولئن لزم ذلك من السياق فلا يلزم أن الوصف ينسحب على كل فرد من مسلمي هـذا  الزمان.

وربما ساق الحكم للغلبة.. غلبة الجهالة على المجتمعات الإسلامية المعاصرة.

·       ولننظر.. أحق ما يقول؟ ولكي نصل إلى الحق من أقرب طريق -بإذن الله فلنفتش عن فيصل فارق بين الكفر والإيمان وضابط رابط يعصمنا عن الزيغ -إن شاء الله.

·       نص فقهاء أهل السنـة والجماعة ومحدثوها ومتكلموها أن المسلم لا يكفر بارتكاب كبيرة.. ولكن.. بإنكار ما علم من الدين بالضرورة.. وهذه مسألة اتفاقية.

·       أي أن مناط الحكم العقيدة.. لا العمل، فلو زنى المسلم، وسرق، وشرب الخمر فقـد عصي الله وما كفر.. ولكن لو أنكر حرمة الزنا وشرب الخمر، أو أنكر فرضية الصلاة والصوم أو أنكر آية من كتاب الله، أو رد حكمها ساخرًا، وآثر عليه حكم غير الله، أو أنكر سلطان الله عليه في تنظيم دنياه وزعم أن الدين إنما جاء لإصلاح أخراه.. إنه إن اعتقد شيئًا من ذلك فقد كفر.. وليست تلك دعواي.. ولكن اقرأوا  قوله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا(النساء: 65).

·        وليس ذلك فهمى من كتاب الله.. ولكن اقرأوا معي بيان شيخ المفسرين الإمام المجتهد: ابن جرير الطبري -رضي الله عنه: «يعني جل ثناؤه بقوله: فلا،  فليس الأمر كمـا يزعمون، أنهم يؤمنون بما أُنزل إليك وهم يتحاكمون إلى الطاغوت ويصدون عنك إذا دعوا إليك يا محمد »، واستأنف القسم جل ذكره فقال: وربك يا محمد لا يؤمنون أي لا يصدقون بي وبك وبما أنزل إليك حتى يحكموا فيما شجر بينهم يقول: حتى يجعلوك حكمًا بينهم فيما اختلط بينهم من أمورهم؛ فالتبس عليهم حكمه... ثم لا يجدون في أنفسهم حرجًا مما قضيت يقول: لا يجدوا في أنفسهم ضيقًا مما قضيت» الطبري حـ ٥ ص ١٥٨ طبعة الجلى سنة 1373 هـ .

إذا تقرر هذا.. فكم ممن يقول لا إله إلا الله ويشهد أن محمدًا عبده ورسوله.. يرضى بالاحتكام إلى الله ورسوله.. المرأة التي تعرض أنوثتها في كل مكان، ولو هممت بنصحها فلن تجد إلا السخرية من تلك التقاليد البالية والرجعية البائدة، وسبب تخلف المسلمين حجاب المرأة يا مسكين -فلا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.

والفتيان الذين ملأوا الشوارع والحواري يزهو الواحد منهم « بقميصه الأنثوي المزوق وبنطلونه الخنفسي الممزق» قل لي بربك: كم منهم يفعل ذلك متأثمًا خجلًا يتوارى من القوم من سوء ما يفعل، وكم منهم يعطيك أذنًا صاغية لدقيقة واحدة أو أقل دون أن ترمى بألوان الهزء والسخرية وتهمة التخلف عن ركب الحضارة  والمدنية..

﴿إِنَّمَا كَانَ قَوۡلَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ أَن يَقُولُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۚ(النور: 51). 

·       فكم يا صاحبي تـرى يستجيب إذا دعا الداعي: أيها الناس تعالوا إلى الله ورسوله لينظم لكم حياتكم، ويحدد لكم سبيل نجاتكم، ويشرع لكم شرائعكم، كم ترى يستجيب، كم ترى يستجيب .

● أكاد اسمعك يا صاحبي تقول: إنها رواسب الاستعمار و آثام المضللين وأثار المغررين.. وإنك لصادق.. ولكن.. أينفع الناس ذلك؟ أينجيهم من عذاب الله وحكمه صراخهم في السعير ﴿رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا﴾ (الأحزاب: 67).

·       يا صاحبي.. إن الإشفاق على الناس أن يحزنوا حين يوصموا بالجهالة الجهلاء والضلالة العمياء والخوف أن ينصرفوا عنا حينذاك؛ كل هذا لن يرضيهم عنا ولن يقدمهم منا ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ(الحجر: 94 - 95)، والحمد لله رب العالمين.

محمد عبد العزيز جبر

 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

قرأت لك..

نشر في العدد 30

16

الثلاثاء 06-أكتوبر-1970

إسلام.. أمريكاني!

نشر في العدد 75

25

الثلاثاء 31-أغسطس-1971