العنوان ورتل القرآن ترتيلا
الكاتب أحد القراء
تاريخ النشر الثلاثاء 17-أكتوبر-1972
مشاهدات 24
نشر في العدد 122
نشر في الصفحة 28
الثلاثاء 17-أكتوبر-1972
بقلم فضيلة الشيخ محمود إسماعيل
من نعم الله تعالى على الأمة الإسلامية أن جعل لها هذا القرآن ليكون دستورًا لها وهاديًا ومرشدًا إلى الطريق المستقيم، يقول الله تعالى: ﴿الر ۚ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ (إبراهيم: ١)
ولقد كان لهذا القرآن أثره في المجتمع الجاهلي الذي بلغ من البلاغة والفصاحة منتهاها.
هذا الوليد بن المغيرة عدو الإسلام، يقول لما سمع القرآن: «لقد سمعت كلامًا ما هو بقول شاعر ولا بقول بشر، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أدناه لمغدق، وإنه يعلو ولا يعلى عليه».
ونرى بعض المشركين يسمعون القرآن من الذين هداهم الله للإسلام، فيلين قلوب بعضهم، فإذا ذهبوا إلى آبائهم وعشيرتهم صدوهم عن سماعه وقالوا لهم: ﴿ لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ﴾ (فصلت:26)
•ولعلم التجويد أثر طيب وأساس متين لقراءة القرآن، وتستطيع من خلال هذا العلم أن تعرف معالي القرآن بما يمنحك من التأني، ولذلك اهتم السلف الصالح بوضع كتب في أحكام التجويد ومخارج الحروف، وعنوا بتعليمه للعامة، على اختلاف القراءات التي شاعت في ديار دون ديار، وقد جمع الشيخ الشاطبي رحمه الله جميع القراءات في كتاب واحد سماه «الشاطبية» هو من أثمن الكتب وأنفعها في التعليم، وأورد فيه أن من لم يجود القرآن فإنه آثم.
والملاحظ أنك إن سمعت -يا أخي المسلم- تلاوة من رجل يجيد الأحكام فإنك تنصت إليه ويشد انتباهك ويلقي في قلبك الخشوع، حتى إنك ربما بكيت.
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب سماع القرآن من الذين يرتلون القرآن بالأحكام وبصوت حسن، وقال لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: اتل عليّ القرآن يا ابن مسعود.
فيقول ابن مسعود: اتل عليك القرآن وهو عليك أنزل؟ قال: ولكن أحب أن أسمعه من غيري، فيقرأ ابن مسعود حتى يصل إلى قوله تعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾ (النساء: ٤١ )
فيرى الرسول صلى الله عليه وسلم وعيناه تذرفان بالدموع، وهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يمر في طرقات المدينة فيسمع رجلًا يقرأ قرآنًا في بيته، فينزل عن راحلته ويستمع إلى هذا الرجل وهو يقرأ: ﴿ وَٱلطُّورِ وَكِتَـٰب مَّسۡطُورفِی رَقّ مَّنشُور وَٱلۡبَیۡتِ ٱلۡمَعۡمُورِ وَٱلسَّقۡفِ ٱلۡمَرۡفُوعِ وَٱلۡبَحۡرِ ٱلۡمَسۡجُورِ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَ ٰقِع مَّا لَهُۥ مِن دَافِع﴾ فيبكي عمر ويذهب إلى بيته مريضًا من شدة آيات الله التي دخلت إلى قلبه من تلاوة ذلك الفتى.
• هذا هو القرآن المعجزة، وهذا هو الدستور، لا تزيغ به الأهواء، ولا يشبع منه العلماء، من عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم، ومن تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ﴾ (طه ١٢٤)
قال: ﴿قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا﴾ (طه ١٢٥)
قال: ﴿كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ﴾ (طه ١٢٦)
إن الجوف الذي لا يوجد فيه شيء من كتاب الله كالبيت الخرب.
فالواجب على رب البيت المسلم أن يبدأ بنفسه في حفظ القرآن وتعلم أحكام تجويده على يد من يتقنها، كالمدود، والغنة، والإظهار، والإدغام، والقلقلة، وغير ذلك، ثم يطبق ذلك على أولاده وأقاربه ويعلمهم ما تعلم، وبذلك يساهم في تربية جيل مسلم متدين متخلق بالأخلاق الحسنة.
والفتاة التي تقرأ القرآن بإحكام وتتدبر معانيه تكون في المستقبل ربة بيت صالحة في تربية الأجيال المسلمة، ولقد سألوا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خلقه القرآن.
فنسأل الله سبحانه أن يؤدبنا بأدب القرآن، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والله ولي التوفيق.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل