; «حكم إتيان الكهان ونحوهم وسؤالهم وتصديقهم» | مجلة المجتمع

العنوان «حكم إتيان الكهان ونحوهم وسؤالهم وتصديقهم»

الكاتب الشيخ عبد العزيز بن باز

تاريخ النشر الثلاثاء 02-يوليو-1985

مشاهدات 14

نشر في العدد 723

نشر في الصفحة 38

الثلاثاء 02-يوليو-1985

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

 فقد شاع بين الناس أن هناك من يتعلق بالكهان والنجمين والسحرة والعرافين وأشباههم المعرفة المستقبل والحظ وطلب الزوج والنجاح في الامتحان وغير ذلك من الأمور التي اختص الله سبحانه وتعالى بعلمها كما قال تعالى ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾ (الجن:27،26) وقال سبحانه ﴿قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ (النمل:65).

فالكهان والعرافون والسحرة وأمثالهم قد بيَّن الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ضلالهم وسوء عاقبتهم في الآخرة وأنهم لا يعلمون الغيب وإنما يكذبون على الناس ويقولون على الله غير الحق وهم يعلمون، قال تعالى: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ (البقرة:102) وقال سبحانه: ﴿إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ﴾ (طه:69) وقال تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إلىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ  فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (الأعراف:117-118). فهذه الآيات وأمثالها تبيِّن خسارة الساحر وماله في الدنيا والآخرة وأنه لا يأتي بخير، وأن ما يتعلمه أو يعلمه يضرُّ صاحبه ولا ينفعه كما نبَّه سبحانه أن عملهم باطل وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «اجتنبوا السبع الموبقات قالوا وما من يا رسول الله قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتول يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» (متفق على صحته).

وهذا يدل على عظم جريمة السحر؛ لأن الله قرنه بالشرك وأخبر أنه من الموبقات وهي المهلكات والسحر كفر لأنه لا يتوصل إليه إلا بالكفر كما قال تعالى ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾ (البقرة:102) وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حد الساحر ضربه بالسيف، وصح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أمر بقتل السحرة من الرجال والنساء وهكذا صح عن جندب الخير الأزدي أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وعن حفصة أم المؤمنين رضي الله عن الجميع وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناس عن الكهان فقال ليسوا بشيء فقالوا يا رسول الله إنهم يحدثونا أحيانًا بشيء فيكون حقًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الكلمة من الحق يخطفها الجنِّي فيقرها في أذن وليِّه فيخلطون معها مائة كذبة» (رواه البخاري).

وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ابن عباس رضي الله عنهما «من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد» رواه أبو داود وإسناده صحيح. والنسائي عن ابن هريرة رضي الله عنه «من عقد عقدة ثم نفت فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك ومن تعلق شيئًا وكل إليه» 

وهذا يدل على أن السحر شرك بالله تعالى كما تقدم وذلك لأنه لا يتوصل إليه إلا بعبادة الجن وعبادتهم شرك بالله عز وجل.

فالكاهن من يزعم أنه يعلم بعض المغيبات وأكثر ما يكون ذلك ممن ينظرون في النجوم المعرفة الحوادث، أو يستخدمون من يسترقون السمع من شياطين الجن كما ورد بالحديث الذي من ذكره ومثل هؤلاء من يخط في الرمل أو ينظر في الفنجان أو في الكف ونحو ذلك وكذا من يفتح الكتاب زعمًا منهم أنهم يعرفون بذلك علم الغيب وهم كفار بهذا الاعتقاد؛ لأنهم بهذا الزعم يدَّعون مشاركة الله في صفة من صفاته الخاصة به وهي علم الغيب ولتكذيبهم بقوله ﴿قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ (النمل:65) وقوله ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾ (الأنعام:59) وقوله لنبيه صلى الله عليه وسلم ﴿قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ﴾ (الأنعام:50) ومن أتاهم وصدقهم بما يقولون من علم الغيب فهو كافر.

لما رواه أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صل الله عليه وسلم قال «من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم» ولما رواه أصحاب السنن والحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أتى عرافًا أو كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم» وروى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يومًا».

وعن عمر بن حصين رفضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم «ليس منا من تطيَّر أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له ومن أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم». رواه البزار بإسناد جيد، وبما ذكرنا من الأحاديث يتبين لطالب الحق أن علم النجوم. وما يسمى بالطالع وقراءة الكف وقراءة الفنجان ومعرفة الحظ وما أشبه ذلك مما يدعيه الكهنة والعرافون والسحرة كلها من علوم الجاهلية التي حرمها الله ورسوله ومن أعمالهم التي جاء الإسلام بأبطالها والتحذير من فعلها أو إتيان من يتعاطاها وسؤاله عن شيء منها أو تصديقه فيما يخبر به من ذلك لأنه من علم الغيب الذي استأثر الله به ونصيحتي لكل من يتعلق بهذه الأمور أن يتوب إلى الله ويستغفره وأن يعتمد على الله وحده ويتوكل عليه في كل الأمور مع أخذه بالأسباب الشرعية والحسية المباحة وأن يدع هذه الأمور الجاهلية ويبتعد عنها.

ويحذر سؤال أهلها أو تصديقهم طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وحفاظًا على دينه وعقيدته وحذرًا من غضب الله وابتعادًا عن أسباب الشرك والكفر التي من مات عليها خسر الدنيا والآخرة- نسأل الله العافية من ذلك ونعوذ به سبحانه من كل ما يخالف شرعه أو يوقع في غضبه كما نسأله سبحانه أن يوفقنا وجميع المسلمين للفقه في دينه، والثبات عليه، وأن يعيننا جميعًا من مضلات الفتن، ومن شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا أنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصبحه.38

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل