العنوان (لا نفر من الزحف)
الكاتب محمد أمين المصري
تاريخ النشر الثلاثاء 08-أبريل-1975
مشاهدات 19
نشر في العدد 244
نشر في الصفحة 24
الثلاثاء 08-أبريل-1975
تربية بيع النفس لدى أصحاب رسول الله رضوان الله عليهم:
كان الأصحاب في مكه رضوان الله عليهم يمثلون الجماعة التي أخذت على نفسها حماية الحق الذي آمنت به وإن كان من وراء ذلك جفوة الأهل وسخط العشيرة وإن كان من وراء ذلك العذاب والنكال،
وكانت آيات الكتاب الحكيم تقص عليهم نبأ الذين كانوا من قبلهم تنفتح قلوبهم لدعوة الحق والإيمان بالله فيفتنهم الذين كفروا فلا يصرفهم العذاب عن إيمانهم، كان الأصحاب يتلون تلك الآيات و يعاهدون على الثبات كما ثبت المؤمنون من قبلهم.
ولم يكن ليؤذن لهم أن يواجهوا يومئذ البطش بالبطش ولا الأذى بالأذى، ولم تكن نفوسهم تلك النفوس التي ترضى بأن تحتمل ضيمًا، ولكنها التربية الحكيمة الكاملة، الطاعة لله ولرسوله والضبط والإحكام، قيل لهم كفوا أيديهم وأخذوا يروضون أنفسهم على الصبر والأناة واحتمال جهل الجاهلين وبغي الطاغين.
ولم يكن المؤمنون ذاك اليوم في ذل ولا استخذاء ولا يأس ولا وهن ولكنهم كانوا يحتملون الأذى والموت في سبيل الله وعيونهم قريرة وقلوبهم مطمئنة إلى نصر الله ونفوس سهم مستعلية على شرك المشركين وضلالهم وفتنتهم.
ثلاثة عشر عامًا تمر في تربية الضبط والإحكام وتمهد للأعوام العشرة المدنية التي تلتها التي تم فيها فتح الجزيرة العربية وهذه تمهد للأعوام تلتها أيضًا التي امتد فيها الإسلام إلى أقصى المشرق وأقصى المغرب، انتهت المرحلة ببيعة العقبة الكبرى حين بايع أصحاب العقبة رسول الله عليه صلوات الله وسلامه عليه على السمع والطاعة في المنشط والمكره والعسر واليسر وأترة عليهم وأن يقولوا بالحق أينما كانوا لا يخشون في الحق لومة لائم.
وهنالك أذن للذين يقاتلون، وانتهت المرحلة الأولى وكان الإذن من عند الله العلي القدير.
وإنه لأمر عظيم أن يضع مخطط المعركة الحكيم الخبير وذلك لتظل تلك الفئة المؤمنة نموذجًا في الحياة الإنسانية يتطلع المؤمنون إليه كلما أرادوا العود إلى الحياة الحقيقية.
أذن للذين يقاتلون بسبب أنهم ظلموا ولو أنهم لم يظلموا ولم يفتنوا عن دينهم ولم يخرجوا من ديارهم كانت هنالك حاجة لقتال ولكنها سنة الله في خلقه، ما وجد دعاة الحق في قطر من الأقطار أو عصر من الأعصار إلا صب عليهم العذاب والطرد والإيذاء والاستهزاء وفي حديث عائشة عند البخاري، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام لورقة بن نوفل«أو مخرجي هم؟ قال: نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي».
وفي مدينة رسول الله عليه صلوات الله وسلامه تربية ثانية يؤخذ بها المؤمنون تختلف عن التربية الأولى قليلًا في مظهرها واتجاهها لا في روحها وحقيقتها.
كانت التربية الأولى ضبطًا للنفس وصبروا على الأذى وتبليغًا للدعوة وإعدادًا للعدة مع حبس دواعي الانطلاق وكف حدة الإقدام أما التربية الثانية فهي تبنى على الأسس السابقة ثم تدفع المؤمنين دفعًا قويًا إلى الانطلاق في سبيل الله للضرب على أيدي أعداء الله بقوة لا تعرف الضعف وعزيمة لا تعرف الوهن.
كان طابع التربية في المدينة طابع الإقدام والموت في سبيل الله وبيع النفس ابتغاء مرضاة الله ليطمئن المؤمنون في ديارهم وليقضي على الشر والشرك والباطل والطواغيت وكل هذا يحتاج إلى سهر دائم وتحفز مستمر ودفع قوي وفي كل هذا يجب أن يكون لدى المؤمنين منعة في نفوسهم وقوة في أرواحهم نربأ بهم أن يخلدوا إلى الأرض أو يضعفوا أو يستكينوا.
كان أول ما قرع أسماعهم في المرحلة الثانية الأذن﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ﴾(الحج:39) وقبل أن يؤذن لهم أعلموا في الأية نفسها تثبيتًا لقلوبهم بأن الله يدافع عن الذين آمنوا وبعد أن أذن لهم بشروا ﴿وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾(الحج :39).
وبعد أن أذن لهم وبعد أن بشروا بنصر الله ذكرت لهم أسباب مقاتلة هؤلاء قيل لهم أن تركتم الآثمين فستهدم بيوت الله التي يذكر فيها اسم الله﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا﴾(الحج:40) ثم تعود الآيات الكريمة ثانية وثالثة فتطمئن المؤمنين وتقر في قلوبهم السكينة﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾(الحج:40)
والله تباركت أسماؤه خلق هذا الإنسان وهو أعلم به يهدئ روعه ويسكن فؤاده ويعده جل شأنه ويوثق موعده بأنه معه وبأنه ناصره يشير ذلك إلى أن ما ركب فيه من ضعف و هلع وجزع بحاجة شديدة إلى التثبيت والتأييد والعون الدائم والتطمين.
أذن بالقتال ثم أمر به وفرض على المسلمين فرضًا؛ كما فرضت الفرائض وشرعت الأركان ولكن الله الخبير بالنفوس يقول ﴿وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ﴾(سورة البقرة:216) ويبين جل شأنه أن هذا المكروه هو خير.
﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾(البقرة :216). الجهاد بيع للنفس في سبيل الله قال تعالى:
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ (البقرة:207) وهو وسيلة دخول الجنة بل لا بد للمؤمن من أن تمسه البأساء والضراء ولا بد من أن يزلزل زلزالًا شديدًا في سبيل الله ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ (البقرة: 214)
وضرب الله للمؤمنين مثلًا في الأمم التي خلت، خرج أناس وهم ألوف من ديارهم فارين من الموت فأدركهم الموت جميعًا في خروجها وفي فرارهم ثم أحياهم جل شأنه ليروا معنى الحياة ويدركون معنى الموت ويتبين لهم وللناس من بعدهم أن الموت ليس بذلك الشبح الذي يخافه المؤمن ويجزع للقياه.
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾ (البقرة: 243) وتلا هذه الآية الأمر بالقتال والأمر بالاتفاق:﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: 244) ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ (البقرة: 244)
أذن جل شأنه بالقتال ثم أمر به وفرضه على مؤمني المدينة ثم أمر بالإنفاق في سبيل الله وسمى تبارکت أسماؤه ترك الإنفاق إلقاء باليد إلى التهلكة قال تعالى:﴿وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (البقرة:195)
وهذا المفهوم أعني تسمية ترك الإنفاق إلقاء باليد إلى التهلكة هو الذي تعطيه الآية الكريمة وهو التفسير الذي ذهب إليه أبو أيوب الأنصاري صحابي رسول الله في حديث يرويه عنه أبو داود في سننه قال فيه: إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لما نصر الله نبيه وأظهر الإسلام قلنا هلم نقيم في أموالنا ونصلحها فأنزل الله تعالى:﴿وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ (البقرة:195)
فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد قال أبو عمران وهو الراوي عن أبي أيوب: فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية.
أخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح.
كل هذه الآيات الكريمة التي تلوناها في سورة البقرة. وقد جاء في الجزء الأخير من السورة الكريمة دعوة إلى الإنفاق حازمة نتلوا من بعض آياتها قوله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (البقرة:254) ونتلو أيضًا ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (البقرة:274) وكان محور السورة الكريمة الجهاد والإنفاق في سبيل الله.
وقد ابتدئ نزول السورة الكريمة في السنة الأولى من الهجرة تمهيدًا للأيام المقبلة، وكانت آيات الله تتنزل على المؤمنين فتبلغ قرارة نفوسهم وتستقر في أعماق أفئدتهم حتى إذا كانت السنة الثانية جنى المسلمون ثمرات تلك التربية وكان يوم الفرقان وكان النصر الأكبر.
ولم تنته المهمة ههنا ولكنها بدأت يوم بدر وكان يوم الفرقان أول السبيل التي تشرف على فتح مشارق الأرض ومغاربها ولقد استقر الإيمان في قلوب المؤمنين بعد الموقعة ورأوا بأعينهم نصر الله وأيقنوا أن الله معهم وأن الملائكة تثبنهم وتؤيدهم فماذا بعد هذا؟ ليس بعد الإيمان بنصر الله إلا الإقدام وليس للمؤمنين بعد رؤية النصر أن يفروا من موقعة أو يخشوا عدوا، وها هو حكم الله من علياء سمائه حازمًا صارمًا ينادي المسلمين ويحكم عليهم أبدا الدهر بأن من يفر من الزحف فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير. ولم يوضع الحكم بصيغة الأحكام ولكن صور الكافرون و هم زاحفون کموج البحر والمؤمنون في لقائهم وفي هذه الصورة التي تضع المشهد أمام أعين المؤمنين يأتي الأمر من عند الله بأنه من يولهم دبره في هذه الحال فقد باء بغضب من الله.
وأنه لحكم صارم وأمر شديد ولكن المؤمن يمتثل أمر الله ويسلم نفسه إلى الله وهنالك تتغير المقاييس ويصبح الصعب سهلًا والعسير يسيرًا وليس الفعل فعل المؤمنين ولكنه فعل الله ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ﴾ (الأنفال:17)
ولكن هناك أناسًا يسمعون وهم لا يسمعون وينظرون ولكنهم لا ينظرون والله جل ثناؤه يصف هؤلاء ويعيذنا أن نكون منهم أن هؤلاء هم شر الدواب
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾ (الأنفال:21)
ولا يكفى في الأمر الطاعة فحسب أو دعوى الطاعة، إن الطاعة الحقيقية لا بد أن تثمر تلبية واستجابة والاستجابة أبلغ من الإجابة فهي طاعة والتزام وامتثال وتعجيل بالتنفيذ، وهذه الاستجابة فيها الحياة وفي تركها الموت وهذا الحكم ينطبق على كل أمر يأمرنا به الله وكل دعاء يدعونا إليه.
والأمر هنا عدم الفرار من الزحف وهذا هو النداء الثاني بعد الأول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ (الأنفال:24)
ويجب أن يعلم المؤمن أن حق الله على عباده المؤمنين أن يطيعوه والعهد إليهم أن يمتثلوا أمره فإن لم يفعلوا فقد خانوا الله ورسوله. بمجانبة أمر الله خيانة وأمره ههنا جهاد وموت في سبيله الجهاد في الآيات الكريمة محور الموضوع وعليه مدار الحديث وتركه خيانة الله ورسوله.
قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (الأنفال:27). وثمرة الطاعة والاستجابة التقوى وثمرة التقوى نور في وجه المؤمن وفي سلوكه وفي قلبه وبصيرته نور يفرق به بين الحق والباطل ويفترق به من غير أمثاله من المتقين، وهذا النور سماه الله تعالى فرقانًا قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ (الأنفال:29)
وهكذا أتبع النداء الذي يحذر من الفرار يوم الزحف بأربعة نداءات متلاحقة تؤيده وتؤكده تدعو إلى الطاعة والاستجابة وعدم الخيانة والتقوى.
وفي السياق الكريم يؤمر المؤمنون ثانية بعد آيات أن يثبتوا عند لقاء الكافرين ثم يؤمرون أن يعدوا العدة للقائهم ثم يؤمرون بأن يقابل الواحد منهم عشرة من الأعداء ويخفف الحكم فيجعل للواحد اثنين.
قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (الأنفال:45).
وقال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ﴾ (الأنفال:60) وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (الأنفال:65)
هذه الآيات الكريمة هي بعض من تنزل في كتاب الله أثر غزوة بدر.
ولما جاءت السنة الثالثة كان ثمرة هذه التربية ثبات المؤمنين حول رسول الله عليه صلوات الله وسلامه بعد أن أصابهم القرح وبعد أن تصدع بناء جيش المسلمين في أحد وكانت تلك التربية كفيلة بلم الشعث وإعادة البناء ولولا فضل الله وثبات رسوله عليه صلوات الله وسلامه وثبات النفر اليسير حوله يبيعون أرواحهم في سبيل الله ويتساقطون عند قدمي رسول الله لما قامت للمؤمنين قائمة، ونزلت الآيات الكريمة بعد الموقعة هادية ومرشدة نهيب بالمؤمنين ألا يهنوا ولا يحزنوا.
وبعد سورة الأحزاب نزلت سورة الممتحنة وبعدها سورة النساء وفي سورة النساء دعوة للمؤمنين لإنفاذ إخوانهم المستضعفين المعذبين في مكة قال تعالى ﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ۚ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا﴾ (النساء:75)
وفي السنة السادسة بدأت خطة الإنقاذ وكان صلح الحديبية وكان فتحًا مبينًا وكان تمهيدًا لدخول الناس في دين الله أفواجًا.
قال تعالى: ﴿لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا﴾ (الفتح:2)
وفي السنة الثامنة توجه المسلمون من المدينة إلى مشارف الشام لغزو الروم.
وفي السنة الثامنة دخل محمد عليه الصلاة والسلام مكة مع عشرة آلاف من أصحابه خاشعًا لله مطأطأ رأسه ليرى الذين أخرجوه وقاتلوه نابذوه ويقول لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء.
وفي السنة التاسعة يعاود الكرة عليه صلوات الله وسلامه في جيش عظيم يقوده بنفسه إلى بلاد الروم ويرسل في ذلك العام أبا بكر ليحج بالناس ويعقبه بعلي يتلو صدرًا من سورة براءة ويخبر المشركين بأنه يدخل المسجد الحرام بعد اليوم مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ومن كان له عهد عند رسول الله وعهده إلى أجله وتتم الغلبة للمسلمين ويعلي الله كلمته ويتبرأ الله من المشركين ويعطون مهلة مقدارها أربعة أشهر يسيحون فيها في الأرض كما يشاؤون فإذا انتهت الأشهر الأربعة أخذ المشركون وحاصروا وقتلوا وقعد المسلمون لهم كل مرصد.
قال تعالى: ﴿بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ ۙ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ۙ وَرَسُولُهُ ۚ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (التوبة: 1: 5)
وهكذا ارتفع لواء الإسلام وأعلى الله منارته وما كان الإسلام دين عبادة وصلاة وصيام وحج وزكاة فحسب ولكنه، قبل هذه الفرائض وإلى جانب هذه الأركان، كان حركة دائمة منظمة ترمي إلى جمع قوى الخير في الدنيا وتنظيمها لضرب قوى الشر ودفعها وتحطيمها.
وهذا المعنى فقده المسلمون بكل أسف وأضاعوا واستناموا واستكانوا وكفوا أيديهم ورضوا بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وما هي الصلاة التي أمر بها الله ولا بالزكاة التي يحبها الله وعدو الله رابض بالقرب منهم يراوغه مراوغة الثعلب ويأخذ في كل يوم جزءًا من دينهم و يقتطع قطعة من عقيدتهم ويمنيالجهادهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورَا.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل