; إلى أين وصلت المعارضة في سوريا؟ | مجلة المجتمع

العنوان إلى أين وصلت المعارضة في سوريا؟

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 15-أكتوبر-1985

مشاهدات 23

نشر في العدد 737

نشر في الصفحة 28

الثلاثاء 15-أكتوبر-1985

• السفارات السورية إيضاحًا عن بيان وزير الداخلية يثبت أن قدرة العفو التي أثارتها وزارة الداخلية هي استدراج فقط

 

عندما أعلنت قوى الأمن المختلفة في سورية في فبراير ۱۹۸۲ بعد أن ضربت مدينة حماة تلك الضربة المعروفة أنها قضت نهائيًّا على الإسلاميين في سورية.. فهل حقًّا تم القضاء على الإسلاميين هناك؟

 

لقد شككت آنذاك بعض الجهات التي كانت تراقب الأوضاع الداخلية السورية بقدرة أجهزة الأمن المختلفة في القضاء على الإسلاميين وعلى رأسهم الإخوان المسلمون، ولم يمر حين من الزمن قصير إلا وفاجأ وزير الداخلية السوري العالم بدعوة الإخوان المسلمين للعودة إلى سورية.. وهنا تم طرح السؤال التالي:

 

لماذا يدعو الوزير السوري الإخوان المسلمين للعودة إلى سورية ويمنيهم بعفو عام؟

 

وتم وضع احتمالات عديدة من قبل المراقبين منها:

 

1- رغبة النظام في إجهاض حركة الإخوان المسلمين وتذويبها داخل سورية وسط تناقضات المجتمع المادي القائم.

 

2- رغبة النظام في بث الفرقة في صفوف الإسلاميين السوريين جميعًا أمام مثل هذه الدعوة.

 

3- رغبة النظام في التخلص من عمليات سرية كان يقوم بها الإسلاميون داخل سورية دون أن يعلن عنها النظام أبدًا.

 

وقد ذهب بعض المراقبين إلى أن هذه الاحتمالات جميعًا هي من مقاصد الداخلية السورية، ولم يغب عن ذهن المراقبين أن هذه الدعوة جاءت في وقت اشتد فيه الصراع على السلطة داخل سورية، فضلًا عن العزلة العربية عن نظام دمشق لأسباب كثيرة أهمها تأييده المطلق للنظام الإيراني ضد العراق والخليج.

 

العفو المزعوم:

 

ولم تمر أيام قليلة على دعوة وزير الداخلية السوري حتى عممت السلطات السورية على سفاراتها إيضاحًا بينت فيه مقاصدها من مسألة عودة الإخوان والعفو عنهم.. وقد حصلت «المجتمع» على نص العفو المزعوم المعمم على السفارات، والذي أصدرته وزارة الداخلية السورية يوم 25/ 1/ 85 وهذا نصه:

 

إيضاح عن بيان وزارة الداخلية السورية 25/ 1/ 1985م

 

1- أن البيان المذاع لا يعني عفوًا عامًّا عن الإخوان المسلمين، بل مشروع عفو خاص عن الذين نشعر أنهم كانوا قد تورطوا بطريقة ما مع هؤلاء الإرهابيين ولم يرتكبوا عملیات إجرامية «قتل أو مشاركة فيه» ممن تبدلت قناعاتهم بالإخوان المسلمين وأفكارهم المشبوهة وعقليتهم.

 

2- في المرحلة الثانية يشمل أولئك الذين التزموا جانب هؤلاء الحمقى وتورطوا في خدمتهم بطريقة ما.. وشعروا بالخطأ وتبدلت قناعاتهم تبديلًا جذريًّا، على أن يكونوا مستعدين للوقوف إلى جانب بلدهم ضد هؤلاء بصورة علنية لا تستر فيها.

 

3- إن المرحلتين لا تنفصلان، ولكن المعالجة والقبول من قبلنا لهاتين الفئتين تختلف، وهذا الأمر يتوقف على قناعتنا بمدى صدق طالب العفو وحسب المعلومات التي تتوفر لدينا عنه، والتي يجب أن يعلم أنها تصلنا وبدقة كافية، وعلى ضوء ذلك سيصله القرار بالقبول أو التريث.

 

4- إن الأمر الهام الذي يجب أن يعرفه كل ملاحق أن الأعمال السابقة مهما كانت لا يمكن أن تقف حائلًا دون العفو، شريطة أن تتشكل لدى الجهات المختصة القناعة الكافية بصدق النية وتصحيح التفكير المشبوه، إلا أن حالات الدرجة الثالثة «أعمال العنف» لها كفارة خاصة تعالج أفراديًّا بالمراسلة بيننا وبينكم.

 

5- يترتب على كل شخص يطلب العفو أن يتقدم بتقرير شامل يشرح فيه ظروف تنظيمه منذ البدايات وحتى اللحظة الراهنة، يضع فيه الأمر بمسمياتها، ولا يهمل أي شيء بحجة أن هذا غير مفيد، وعليه أن يذكر مراحل حياته كاملة مع ذكر أسماء الأشخاص الذين أثروا أو شاركوا في تلك السيرة، ثم يسرد الأسباب التي ساهمت بتبديل قناعاته وأن يعلن استعداده لتصحيح الخطأ وإمكانياته في ذلك، وعلى ضوء قناعتنا بصدق التوجه نبلغكم بالموافقة أو سواها.

 

6- على ضوء قناعتنا قد نبلغ طالب العفو حصوله عليه دون أن يحضر إلى القطر مباشرة فيما إذا كان مرتبطًا بعمل أو سواه، على أن يحدد موعدًا للقدوم ولو بإجازة لحل الإشكالات بصورة نهائية.

 

7- إننا حريصون على أن نهيئ لكل المخطئين فرصة للتصحيح على أن يكون صدق النية متوفرًا، وإذا ما أخل العائد بوعده في المستقبل فلا شفاعة له، وسيطبق بحقه المرسوم «٤٩» الذي سيبقى ساريًا؛ لأنه لا مكان للإخوان المسلمين في حياة القطر.

 

8- إن تقرير طالب العفو سيعتبر في حال قبول طلبه بمثابة انسحاب متأخر من الجماعة، ولن يحاسب على شيء حتى تاريخه، على أن يكون صدق العهد لا سبيل إلى زعزعته.

 

يرجى تعميم ذلك، وموافاة شعبة المخابرات عن طريقكم بالطلبات المقدمة والأسئلة التي يمكن أن تطرح، ليصار إلى إبلاغكم الجواب من قبلنا، أو توضيح ما يلزم لیبلغ به صاحب العلاقة.

 

اللواء رئيس شعبة المخابرات

 

موقف الإخوان:

 

كان موقف الإخوان واضحًا من دعوة النظام عبر بيان وزارة الداخلية، وعبر الرسل والوسطاء الذين كانوا ينقلون رغبة النظام بمصالحة الإخوان المسلمين.. فقد طلب الإخوان دون أن تغيب عن أذهانهم مقاصد النظام.. طلبوا أن يبدي النظام حسن النية عمليًّا فيطلق سراح جميع المعتقلين الإسلاميين من سجونه دون أي شرط، ولما لم يؤد النظام هذا المطلب كان الرد الإخواني رفض دعوة النظام ولا سيما أن مقاصد تلك الدعوة كانت معروفة، وقد كشف عنها الإيضاح المعمم على السفارات السورية في الخارج.

 

ومن ناحية أخرى فإن أفرادًا قلائل ممن ينتسبون إلى تنظيم الطليعة استجابوا لدعوة النظام، إلا أن السجن كان مصيرهم، وقد كشفت بيانات الإخوان ونشراتهم حالة أولئك النفر القليل مع النظام.

 

ماذا يفعل الإخوان؟

 

بالرجوع إلى الوثائق والنشرات الصادرة عن جماعة الإخوان في سورية يقف المرء على حقيقة مفادها أن نشاط المعارضة في سورية لم ينقطع أية لحظة، حتى إن النشاط العسكري ما زال قائمًا، ولكن مؤسسات الحكم في سوريا تتكتم على ذلك أشد تكتم. ومن العمليات التي أفرزها النشاط العسكري خلال الشهور القليلة الماضية:

 

تفجير بناء ملحق لحزب السلطة في دمشق ما بين ملعب العباسيين وسوق الخضرة، وقد استخدم في التفجير عبوة ناسفة زنتها عشرون كغم من مادة «ت.ن. ت».

تفجير مكاتب وكالة الأنباء السورية «سانا»، وكانت وكالة أنباء نظام ايران هي أول من نقل الخبر.

تفجير تجمع عسكري كبير كان قد تم حشده من الفئات المقربة للنظام بمناسبة عيد الجيش، وقد زاد عدد قتلى هذا التفجير عن «١٥٠» قتيلًا.

وهنالك أنشطة عسكرية أخرى يضيق مجال نشرها في هذا الحيز الضيق.

- أما النشاط الإعلامي للإخوان المسلمين في سورية فيبدو أنه منظم بشكل جيد، حيث تصدر الجماعة عدة نشرات منها:

 

1- النذير، وقد صدر منها العدد الأخير تحت رقم «٨٤».

 

2- المجاهد، وهي نشرة تصدر عن جهاز التربية، وقد صدر منها العدد «٣٤».

 

3- سورية في الصحافة، وهي نشرة إخبارية شهرية، وقد صدر منها مؤخرًا العدد رقم «۱۸».

 

4- نشرة الصحافة اليومية.. وهي نشرة تتقصى ما ينشر في أجهزة الإعلام العربية والعالمية عن سوريا.

 

5- كما تصدر عن دار النذير سلسلة من الكتب عن أعلام الدعاة الإسلاميين من مختلف الأقطار كالإمام حسن البنا والدكتور مصطفى السباعي وغيرهما. كما تصدر دار النذير كتبًا كتبها الدعاة، ومن آخر ما صدر عن الدار كتاب «الجنة وصفة أهل الجنة» للشهيد الشيخ موفق سيرجية، ورقم الكتاب «27» وقد تم إصداره في شهر رمضان ١٤٠٥هـ.

 

احتياطات النظام:

 

إن أكثر الحقائق تفسيرًا لدعوات النظام المتكررة لمصالحة الإخوان هي حقيقة الخوف، والخوف هو الذي جعل النظام يؤسس أجهزة عديدة للمخابرات، وقد زادت هذه الأجهزة عن عشر مؤسسات ضخمة تستهلك نسبة عالية من ميزانية الدولة، ومن هذه الأجهزة:

 

1- جهاز أمن الدولة أو المخابرات العامة.

 

2- جهاز المخابرات العسكرية.

 

3- جهاز الأمن السياسي.

 

4- جهاز الأمن القومي.

 

5- جهاز المخابرات الخارجية.

 

6- إدارة أمن القوى الجوية.

 

7- جهاز مخابرات القصر الجمهوري.

 

8- جهاز مخابرات سرايا الدفاع.

 

وما زالت هذه الأجهزة مجتمعة تقوم بمهام الإعدام، وقد ارتكبت مؤخرًا مجزرة جديدة في سجن شيخ مسكين بمنطقة حوران حيث تم إعدام خمسين معتقلًا كانوا قد احتجوا على سوء أحوالهم الصحية في السجن المذكور، وبين هؤلاء بعض ضباط الجيش المعتقلين.

 

نشاط متجدد:

 

وإذا كانت مواجهات قوى الأمن وأجهزتها ما زالت هي التي عرفها العالم بدءًا من عام ١٩٧٩.. فهل فت هذا في عضد المعارضة الإسلامية وأشكال المعارضة الأخرى التي يبدو أنها تنسق مع الإسلاميين داخل سورية؟

 

المطلعون على الأوضاع المتكتم عليها داخل سورية يقولون: إن ذروة هذه الأعمال وصلت قبل خمسة شهور تقريبًا في محاولة لاغتيال ابن رئيس الجمهورية المدعو ماهر الأسد. وقد نقل إن مجموعة من مجموعات المعارضة وضعت سيارة ملغومة بـ«٢٠٠» كغ «ت. ن. ت» في مكان بمنطقة شتورا كان ماهر أسد على موعد فيه. وفعلًا فقد انفجرت السيارة وقتلت ثلاثة عشر عنصرًا مقربًا من الشخص المستهدف، ونجا هو بسبب تأخره عن موعده حيث تمت العملية قبل وصوله.

 

مظاهرات:

 

ووسط هذا الجو الذي لا يشير إلى أي انفراج في موقف السلطة من الرهائن والمعتقلين داخل السجون لم تشأ نساء دمشق من أمهات المعتقلين وأزواجهن إلا أن نظمن مظاهرة تناقلتها بعض وكالات الأنباء في أوربا ووصفها راديو لندن يوم 30/7/1985، وقد رددت النسوة هتافات تطالب بإطلاق سراح أبنائهن وأزواجهن، هذا وقد حاول أحد المسئولين تهدئة النسوة فوعد بإطلاق سراح أزواج النسوة خلال أسبوع لكن شيئًا من ذلك لم يحدث، فكررت النسوة مظاهرتهن باتجاه قصر رئيس الجمهورية، إلا أن أجهزة المخابرات قمعت المظاهرة واعتقلت كثيرًا من هؤلاء النسوة .

 

ومن ناحية أخرى أقامت المواطنة سامية أحمد كيال من أهالي مدينة حمص محاضرة في إحدى المدارس الثانوية تضمنت إدانة صريحة لسلوك النظام مع الشعب، إلا أن أجهزة المخابرات اعتقلت المواطنة وتم إعدامها بسبب المحاضرة.

 

وماذا بعد؟

 

هذا هو الجو المشحون الذي تعيشه سورية، وقد بان موقف المعارضة الإسلامية وحلفائها، فماذا يتوقع للبلد الشقيق ونظامه يعيش وسط معادلة لا يحسد عليها.. فعلاقاته مع سائر جيرانه يغلب عليها الجانب السلبي. وإذا كانت العلاقة بين سورية وكل من العراق والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية معروفة، فإن علاقاته مع تركيا لا تقل سوءًا ولا سيما وأنه ثبت لدى الأتراك أن دمشق دأبت على تدريب مجموعات من الجيش الأرمني الإرهابي الذي يقوم بالاعتداء على المؤسسات التركية والدبلوماسيين الأتراك، وقد نقلت الأنباء المؤكدة أن حالة الحشود المتبادلة على الحدود السورية التركية ما كانت لتحدث لولا مساعدة السوريين للأرمن، ثم لتهجير النصيريين الأتراك بمساعدة سورية من لواء إسكندرون وأنطاكية إلى البقاع اللبناني، الأمر الذي استنفر السياسيين الأتراك ضد الحكومة السورية، وما زال الأمر في تفاعله المستمر.

 

إن أي مراقب لا يستطيع أن يتكهن تمامًا بالمستقبل الذي يمكن أن تكون عليه سورية.. إلا أن كثيرًا من المراقبين يسألون: في حضن من ستقع سورية؟

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل