الاعتراف بالذنب.. طريقك إلى التوبة النصوح

من طبيعة
الإنسان أنه يخطئ ويقع في الذنوب والمعاصي، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» (رواه
الترمذي)، لكن الفرق بين عبدٍ وآخر يكمن في موقفه من هذا الخطأ: هل يتكبر ويبرر
ويصرّ عليه، أم يعترف بذنبه ويقرّ بخطئه ويطرق باب التوبة النصوح؟ إن الاعتراف
بالذنب ليس علامة ضعف، بل هو أول خطوات القوة الروحية، ومفتاح باب المغفرة، وسبب
لعلوّ المنزلة عند الله تعالى.
وفي هذا التقرير
نسلط الضوء على مكانة الاعتراف بالذنب في الإسلام وأثره في تحقيق التوبة النصوح.
الاعتراف بالذنب في القرآن والسُّنة
القرآن الكريم
أرسى قاعدة واضحة في أن الاعتراف بالذنب هو بداية التوبة الصادقة، قال تعالى في
دعاء آدم وحواء عليهما السلام: (رَبَّنَا
ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ
مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الأعراف: 23).
فقد اعترفا
بخطئهما، وأقرا بذنبهما، فكان ذلك سببًا في قبول توبتهما واصطفائهما مرة أخرى.
وكذلك قصَّ الله
علينا دعاء نبيّه يونس عليه السلام حين قال وهو في بطن الحوت: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ
سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (الأنبياء: 87)؛ هذا
الإقرار بالذنب كان مفتاح النجاة، فجاء الجواب الإلهي: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ) (الأنبياء:
88).
إذن، فالاعتراف
بالذنب ليس مجرد شعور داخلي، بل عبادة قلبية ولسانية، يُقرّ بها العبد بين يدي
ربه، فينال بها الفضل والرحمة.
ولقد علمنا النبي
صلى الله عليه وسلم أن الاعتراف بالذنب باب من أبواب القرب إلى الله تعالى، فقال:
«اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا
عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ
شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ
بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي..» (رواه البخاري).
كما أن النبي صلى
الله عليه وسلم لم يُنكر على من جاءه معترفًا بذنبه مريدًا للتوبة، بل وجهه لما
فيه الخير، كما في قصة ماعز، والغامدية التي أقرت بالزنى، فبعد إقامة الحد قال صلى
الله عليه وسلم: «لقد تابا توبة لو قُسّمت على أهل المدينة لوسعتهم» (رواه مسلم).
أثر الاعتراف بالذنب في النفس
الاعتراف بالذنب
يحرر الإنسان من ثقل الوهم والكبر، ويمنحه صدقًا مع نفسه، وهو شرط أساس للتوبة
النصوح التي تقوم على ثلاثة أركان؛ الإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على
عدم العودة إليه، فلا توبة صادقة بلا اعتراف داخلي وخارجي بالذنب.
كما أن الاعتراف
يورث الانكسار بين يدي الله، والانكسار من أحبّ أحوال العبد عند ربه، فقد ورد في
الحديث القدسي: «يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا
أبالي..» (رواه الترمذي).
نماذج من اعتراف الصالحين
كان الصحابة
والتابعون يرون أن الاعتراف بالذنب علامة حياة القلب، فقد رُوي عن أبي الدرداء أنه
كان يقول: ويلٌ لمن لم يكن له في قلبه واعظ من نفسه يقرّ بذنبه.
وكان عمر بن
الخطاب رضي الله عنه يكثر من قول: اللهم اغفر لي ظلمي وكفري، فسُئل عن الكفر فقال:
إن العبد ليكفر النعمة بترك شكرها.
هذه الروح جعلت
الأمة في توبة دائمة، لأنهم لا يبررون الأخطاء بل يعترفون بها ويصلحونها.
خطورة إنكار الذنوب وتبريرها
في المقابل،
إنكار الذنب أو تبريره يحجب عن صاحبه باب التوبة، ويجعله يستمر في المعصية بلا
رادع، قال تعالى: (بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ
{14} وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) (القيامة).
فكل المعاذير
والتبريرات لا تنفع عند الله، وإنما ينفع صدق الاعتراف والرجوع إليه سبحانه.
إن الاعتراف
بالذنب ليس عيبًا يقدح في مكانة المسلم، بل هو علامة صدق وإيمان، وسبيل لفتح أبواب
التوبة النصوح التي تمحو الذنوب وتبدلها حسنات، وعلى المسلم أن يجعل هذا الخلق
عادة له في دعائه وصلاته واستغفاره، فلا يكابر ولا يبرر، بل يقف بين يدي ربه
منكسراً قائلاً: «اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي»، فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له،
ومن عرف حقيقة الاعتراف، فقد وضع قدمه على طريق المغفرة والجنة.