التنشئة الاجتماعية الرقمية.. بين الرقي والانحراف

التنشئة
الاجتماعية عبارة عن عملية اجتماعية مستمرة وشاملة تستهدف بناء الشخصية، ونقل
التراث الثقافي من جيل إلى آخر، حيث يكتسب الفرد شخصيته الاجتماعية ويتحول إلى
كائن اجتماعي، هذه العملية قديمًا كانت محدودة التدخل بأطراف بعينهم كالأسرة،
والمدرسة، والأصدقاء..
أما اليوم، ومع
بروز الإنترنت، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي؛ تقلصت أدوار هذه الأطراف،
وانتقلت التنشئة من أيدي الأسرة إلى صفحات ومواقع التواصل، الأمر الذي جعل التنشئة
الاجتماعية تتأرجح بين الرقي تارة، والانحراف مرات.
التنشئة الاجتماعية وانتشار وسائل التواصل بين الأطفال والمراهقين
تشير العديد من
الدراسات إلى أن 90% من المراهقين في الفئة العمرية 13-17 سنة قد استخدموا وسائل
التواصل الاجتماعي، و75% منهم لديهم بالفعل حساب واحد نشط على الأقل، بينما 51%
يزورون هذه المواقع بشكل يومي.
وفيما يتعلق
بمدة الاستخدام، أظهرت دراسات أخرى أن 51% من المراهقين يستخدمون وسائل التواصل
لمدة لا تقل عن 4 ساعات يوميًا، وفي عام 2023م تبين أن 93% من مستخدمي «يوتيوب»، و63%
من مستخدمي «تيك توك»، و60% من مستخدمي «سناب شات»، و59% من مستخدمي «إنستغرام»
جميعهم من المراهقين؛ الأمر الذي يؤكد تأثر التنشئة الاجتماعية بوسائل التواصل.
التنشئة الاجتماعية الرقمية والسلوك
إن التنشئة الرقمية لها العديد من التأثيرات -الإيجابية والسلبية- على السلوك، فمن جهة تعزز
وسائل التواصل الانفتاح الاجتماعي، وتساعد على الإلمام بالثقافات الأخرى، وتزيد
المعرفة، ومن جهة أخرى، تؤثر سلبًا على قدرة الشخص على التواصل مع أفراد بيئته
الحقيقية، وتزعزع ثقته بنفسه، وتدفعه إلى تقليد أعمى لسلوكيات غير مناسبة لبيئته
وهويته الإسلامية، إضافة إلى كونها وسيلة أساسية لنشر التنمر الإلكتروني، وتأجيل
المهام الدراسة، وإضاعة الوقت.
التنشئة الاجتماعية الرقمية والمهارات
إذا ما تم النظر
إلى تأثيرات الوسائل الرقمية على التنشئة الاجتماعية فيما يتعلق بالمهارات
لوجدناها متعددة، فعلى الجانب الإيجابي نجد هذه الوسائل تعمل على تحسين مهارات
البحث والاطلاع السريع، وتطور مهارات التفاعل الافتراضي والتواصل الرقمي، إضافةً
إلى خلق فرص للتعلم الإبداعي.
وعلى الصعيد
الآخر، نجد التأثير السلبي لوسائل التواصل على التركيز والتفكير، وضعف مهارات
التواصل المباشر الناتجة عن التخفي وراء الشاشات، إلى جانب الاستهلاك السلبي الذي
يؤثر على القوة البدنية والعقلية للأطفال والمراهقين وحتى الشباب والكبار الذين
يسيئون استخدام هذه الوسائل.
العوامل المتحكمة في التنشئة الاجتماعية الرقمية
يتبين مما سبق
أن وسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص، والوسائل الرقمية بشكل عام، تؤثر سلبًا
وإيجابًا على التنشئة الاجتماعية، ويتوقف نوع التأثير على عدة عوامل تتمثل في
العمر الذي يستخدم فيه الطفل أو المراهق هذه الأدوات، ومستوى النضج العقلي الذي
يمكنه من التميز بين ما هو نافع وضار، إلى جانب دور الأسرة والمدرسة في المراقبة
والتوجيه والإشراف، والمدة اليومية للتعرض لهذه الوسائل، وأخيرًا تأثير الأصدقاء
والمجتمع الرقمي المحيط.
أسس التنشئة الاجتماعية الرقمية الصحيحة
إن تنشئة الجيل
الحالي أو الأجيال القادمة بعيدًا عن وسائل التواصل الاجتماعي من الأمور الصعبة
وربما المستحيلة؛ لذا يجب على الآباء والقائمين على التنشئة أن يأخذوا في الحسبان
عدة أمور ليتمكنوا من تنشئة أجيال سوية بعيدة عن التأثيرات السلبية لوسائل
التواصل، وتكمن هذه الأمور في:
- توعية الأطفال
والمراهقين بخطورة هذه الوسائل.
- تحديد أوقات
معينة للاستخدام لتجنب الإدمان.
- تعليم مهارات
التفكير النقدي في التعامل مع المحتوى والمعلومات التي يتعرضون لها.
- العمل على دعم
الأطفال وتعزيز تفاعلهم الواقع مع الأسرة والأصدقاء خارج الشبكة الرقمية.
- التوظيف
الإيجابي للوسائل الرقمية في التعليم وتنمية المهارات واكتساب المعرفة.
من هنا، يتبين
أن وسائل التواصل لها تأثير قوي على التنشئة الاجتماعية وسلوكيات ومهارات الأطفال
والمراهقين، هذا التأثير قد يبعث على الرقي وقد يؤدي إلى الانحراف، ويرجع ذلك إلى
دور الأسرة والمدرسة والمجتمع، فيجب الامتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم حينما
قال: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».
يمكنك الاطلاع على:
استغلال الأطفال سلعة رخيصة على مواقع التواصل.. وتربويون يحذرون
5 خطوات تجنبك أضرار مواقع التواصل
________ المصادر __________
1- رعد زبيدي،
التنشئة الاجتماعية والسياسية في مجتمعات الخليج العربية، ص29.