المرأة.. بين داعي الهدى وناعي الردى!
من رياض القرآن النضرة وأزاهيره العطرة قول الله تعالى: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك: 14)؛ آية جليلة حوت نهراً من ماء البيان، ونسيماً عاطراً نستروح منه عبير الجنان، وتتساقط منها الحكم والفوائد تساقط الدموع من الأجفان، والندى من الأغصان، نعم.. إنها معان عالية في أجواء الحقيقة تتردد، وألفاظ عظيمة وإعجاز في سماء الحقيقة يتجدد، فالخالق هو الأعلم بما خلق، والصانع هو الأدرى بما صنع، وبالمثال يتضح المقال:
هب أنك اشتريت سيارة فارهة عالية الجودة معقدة الصنع وعجز المختصون والخبراء عن تشغيلها واستخدامها، سيتفق الجميع أن صانعها هو الأعلم بما يصلحها ويفسدها، وهو الأدرى باستخدامها وتفعليها، وهو الأحذق بحقائقها ودقائقها، هذا في عالم البشر ومنه إلى مالك القوى والقدر، الإنسان من خلقه؟ ومن صوره فأحسن صوره؟ وبسط له الكون عظة وعبرة؟ إنه الله لا إله إلا هو، ثم أليس الذي خلق هذا المخلوق هو الأعلم بما يصلحه ويفسده؟ وهو أعلم بطبائعه وطبيعته وطباعه؟ وهو أعلم بالنظام والقانون الذي يتماشى مع طبيعة هذا المخلوق؟ فلماذا نستجلب القانون من المخلوق وننسى الخالق؟
أدعياء وعملاء
كثيرة هي الأبحاث الملوثة التي تزاحم بطون الكتب على أيدى أدعياء تحرير المرأة -أقصد تدمير المرأة- يبثون فيها سمومهم العفنة، وأفكارهم النتنة، زاعمين أن المرأة في ظل الإسلام وفي مجتمعاتنا العفيفة مظلومة مقهورة مسلوبة الإرادة والحرية، (وهي حركة علمانية نشأت في مصر في بادئ الأمر ثم انتشرت في أرجاء البلاد العربية والإسلامية تدعو إلى تحرير المرأة من الآداب الإسلامية والأحكام الشرعية الخاصة بها، مثل الحجاب وتقييد الطلاق ومنع تعدد الزوجات والمساواة في الميراث وتقليد المرأة الغربية في كل أمر، ونشرت دعوتها من خلال الجمعيات والاتحادات النسائية في العالم الغربي)(1).
وهي مغالطة مكشوفة القناع عارية عن الحقيقة حتى النخاع، وإن تعجب فعجب أمر هؤلاء الذين وقفوا على مزبلة التاريخ يجمعون قمامة كل زاعق وناعق لينشروها في مجتمع الطهر والفضيلة والعفاف! والأعجب أنه وبنفس المستوى من الرداءة الفكرية خرجت أبواق من أقزام الفكر عندنا تنادي بهذه الأفكار وهم يعلمون -أو لا يعلمون- أن البيئة غير البيئة، والثقافة غير الثقافة، والهوية غير الهوية! ولا غرابة فهو رجع الصدى وترديد الببغاوات، وإذ نعق الأسياد اشتد صياح الأذناب.
آنية الخير وأوعية الشر
المرأة عندنا ملكة متوّجة ودرة مصونة ولؤلؤة مكنونة لا يريد الإسلام أن تعبث بها الأيدي العابثة ولا النظرات الآثمة، فهي إما أُمٌّ مكرمة، أو أخت محترمة، أو زوجة وبنت وخالة وعمة معظَّمة، قدوتها أم المؤمنين عائشة وصويحباتها، وهي جوهرة يحيط بها الصدف لا ينالها إلا من غاص البحار وضحى بنفسه للظفر بها، ومع ذلك فإنه يجدها محكمة في محارة لا يستطيع أن ينظر إليها ولا أن يتمتع بها إلا كرماء الرجال، والجوهرة إذا كانت مغلفة ومستورة نظر إليها الجميع بعين التوقير والاحترام.
ثم لماذا شرع الحجاب؟ إنه شرع صيانة للمرأة، فهو حصن حصين، وسياج منيع يمنع المرأة من الذئاب البشرية والأسود الكلابية والأعين الجائعة والنظرات الجارحة؛ (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) (الأحزاب: 59).
أما المرأة عندهم فتعيش في دناءة وسفالة غير محترمة ولا موقرة، يتاجرون فيها كالسلعة المعروضة، تعبث بها الأيدي العابثة كعبث الصبيان في الرمال على شواطئ البحار، وهي أرخص من المتاع، يتلاعب بها التجار، ويضحك عليها السُّمّار، فكل ما يريدونه منها إشباع نزواتهم، وإرواء شهواتهم؛ فخدعوها وأغروها وأظهروا مفاتنها.
والدليل أنهم يريدونها سافرة مغنية أو راقصة أو سكرتيرة حتى يقول أحدهم: إني أريد أن أتمتع بالوجه الصبيح كل صباح، لا زوج تشعر معه بالأمان، ولا ولد تشعره بدفْ الحنان، حتى إنهم يقولون: إن المرأة ينبغي أن تكون منفصلة عن الزوج ليس لها علاقة بالبشر إلا بما تفعله البهائم والبقر! وما أمر قضية «الجندر» عن الناس ببعيد، إنها القضية التي يعيشها العالم اليوم ويسعى في شأنها أرباب الخنا والرذائل، وهي تعني فصل وإلغاء العلاقة الأسرية نهائياً، وقل لي بربك: إذا انقطع الميثاق الغليظ؛ فماذا يبقى في دنيانا؟! وما الحصاد الذي تجنيه البشرية في مستقبل الأيام بين القريب والبعيد؟!
ميزان السماء
نحن ندعو المرأة لكل ما فيه العفة والتعظيم والتقدير والاحترام، وهم يدعونها إلى التبرج والسفور والحرية، فماذا يعنون بالحرية؟! أن تتخلى المرأة عن زوجها وأبيها وأخيها وأمها وذي رحمها، وأن تعيش بعيداً عن هذا الدفء الأسري الحاني الذي يشبه العقد المنظوم، أن تظل الليل والنهار متزينة لغير زوجها ليلهو بها سكير، ويعبث بعفتها عربيد!
إن الحرية التي يتنادى بها الغربيون حرية جوفاء لا مضمون لها ولا محتوى، طريقها سراب، ونهايتها ضياع وخراب، وهذا ما حدا بالمنصفات من الغربيات أن يطالبن بأن تمشي المرأة في زقاق ضيق بعيداً عن الرجال، بل إن هناك جمعية مشهورة تقام في أمريكا تسمى «جمعية العذارى»، تحرص على الحفاظ على المرأة بشكل عام والتعاليم التي درستها وبحثت عنها هي تعاليم الإسلام، إنهم عادوا ولو نسبياً إلى منابع الفضيلة، ومواطن العفة والاحتشام -من حيث لا يشعرون- إنهم وصلوا إلى باب مغلق فعادوا إلى الطريق السوي.
وهذا يجعلنا نؤكد إنصافاً للحق أن الصورة الغربية ليست معتمة في جميع الجوانب، فهناك نساء برعن في مجال الفكر، وسطعن في شمس المعرفة، وأشرقن في مجال التهذيب والتربية، أما نحن فندعو نساءنا إلى ميزان السماء، إلى شريعتنا الغراء؛ ليكون الإسلام منهج حياة، إننا ندعوهن إلى هذه النصائح الغالية التي خرجت من بين فرث ودم لتكون مورداً رواء وبلسماً شافياً.
وأخيراً.. متى استأسدت الضباع؟
إلى هؤلاء الذين يتاجرون بقضايانا ليجعلوا من نسائنا مسخاً ودمى للغربيات، أقول: مهلاً، فالحق صخرة عاتية لا تحركها العواصف، ولا تعبث بها عاديات الأيام، ووالله إن سعيكم ضلال، وأقوالكم سراب، وأفكاركم أضغاث أحلام، فالمرأة عندنا يحيط بها سياج من العفة والطهارة إحاطة السوار بالمعصم، لها نهجها المتفرد وطريقها المعبد، ولن ترضخ لنداءات هؤلاء وأولئك، وستظل طوداً شامخاً لا تؤثر فيه العوادي السريعة ولا الرياح الهوج.
___________________
(1) الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (1/ 53).