رمضان في الجزائر.. نفحات ودروس

إن المسلمين في
جميع أنحاء العالم، ومنهم الشعب الجزائري، ينتظرون رمضان من العام إلى العام؛
ليوثِّقوا عهدهم مع ربهم، وليجدِّدوا إيمانهم، وليطهِّروا نفوسهم، وليحطُّوا من
أوزارهم، وليستزيدوا من حسناتهم.
وإنه وإن كانت
السمات العامة لرمضان تشترك فيها كل الشعوب المسلمة، لكن يبقى لكل شعب نفَس خاص،
وطريقة مميزة يتعاطى معها مع هذا الشهر الكريم الفضيل، خاصة في دولة الجزائر.
وسنحاول هنا في
هذا المقال أن نُبرز بعضًا مما عليه حال الجزائريين مع رمضان:
1- أوراد
قرآنية:
إذا كان رمضان
مما يميز به أن القرآن الكريم نزل فيه؛ فإن علاقة المسلمين بالقرآن تتوطد أكثر في
هذا الشهر قراءة وتدبُّرًا، فيتنافس المسلمون في عدد ختمات القرآن في هذا الشهر،
وهناك ختمات فردية يقوم بها المسلم بينه وبين نفسه في بيته أو في مسجده.
وهناك ختمة
جماعية يقوم بها ما يسمَّون بـ«الطُّلْبة»؛ إذ يقرؤون القرآن يوميًّا بالمسجد في
حلقة، وتسمى تلك الحلقة بالسِّلْكة أو الرَّاتِب أو الحِزب، ويقرؤون حزبين كل يوم،
ويكون الختم والدعاء في آخر الشهر.
والقراءة
الجماعية يلتزم فيها القارئون بوقَفَات الإمام الهبطي؛ حتى تنضبط القراءة، فلا يشذ
أحد، وهناك طُرق في الأداء فيقال: شَرْقي، وشدّي مدّي، مسيَّح.. إلخ.
وتُختم التلاوة
اليومية بالأدعية والأذكار، وبعض الأشعار، ثم التصويبات لبعض الأخطاء إن وقعت.
2- قراءات
حديثية:
يحافظ أهل
المغرب العربي على قراءة بعض كتب السُّنة النبوية في رمضان، وخصوصًا كتاب «الموطأ»
للإمام مالك إمام دار الهجرة، و«صحيح» البخاري، وهي قراءة سردية مضبوطة لا لحن
فيها دون شرح للمعاني أو الأحكام، والغرض منها: التبرُّك، وكثرة الصلاة على النبي صلى
الله عليه وسلم، وتقويم اللسان، ومعرفة غير مُعمَّقة لبعض الأحكام والتشريعات
والتفسيرات والأحداث.
وهناك دروس يكون
فيها اختيار بعض الأحاديث من كتب بعينها كـ«الأربعين النووية»، ويتم شرحها
والتعريف برواتها وذكر بعض فوائدها.
3- مدارسات
فقهية:
يجتهد الأئمة
والأساتذة والمشايخ في إعادة قراءة وشرح أبواب الصيام وأحكامه من كتب الفقه
المالكية المعتبرة؛ لتذكير المسلمين، ولتعليم الجاهلين، ولفتح باب الأسئلة لمن
يحتاج الاستفسار عن مسألة بعينها.
4- حلقات
وعظية:
تُقبل القلوب على الله في هذا الشهر، وتحتاج في هذا الإقبال والسَّيْر إلى الله أن تكون على نور وبصيرة؛ لذا يختار المشايخ بعضًا من كُتب التزكية، وخصوصًا: «الحِكَم العطائية» لابن عطاء الله السكندري، ويتم شرحها، وتقريبها للمستمعين.
اقرأ أيضاً: سيدنا رمضان في الجزائر.. زينة وإيمان وأسرار أخرى!
5-
جلسات مسجدية:
يحاول كثير من
المسلمين تفريغ أنفسهم في هذا الشهر الكريم من الأعباء التي تُثقل كواهلهم طوال
العام، فيتركون الدنيا خلف ظهورهم، ويَلزمون مساجدهم للتلاوة والذكر وحضور مجالس
العلم، ويحاولون المكوث في الأوقات الفضيلة، كأن يجلسوا بعد صلاة الصبح إلى بعد
شروق الشمس وصلاة الضحى عملاً يقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ
فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ
صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ
تَامَّةٍ»(1).
أو بعد صلاة
العصر حتى وقت المغرب امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «أَلاَ
أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ
الدَّرَجَاتِ؟»، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «إِسْبَاغُ
الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَى إِلَى الْمَسَاجِدِ،
وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ»(2).
أو يسرعون بعد
فطورهم للذهاب للمسجد ليكونوا في الصفوف الأولى، وليحضروا الدروس التي تكون قبيل
صلاة العشاء، وليصفوا أقدامهم بعد ذلك لصلاة التراويح.
وصلاة القيام
تكون في بعض المساجد 13 ركعة، وفي أخرى 11 ركعة، ويقرأ الأئمة في الغالب بقراءة
الإمام ورش، وبعضهم يقرأ حزبًا، وآخرون خمسة أرباع، والمساجد الكبرى تقرأ بحزبين.
ويحافظ كثير من
النساء والفتيات على صلاة الجمعة والتراويح في المساجد، رغم انشغالهن بأعمال
بيوتهن، لكنهن يجدن المتعة في تلك الأجواء الروحانية التي يفتقدونها طوال العام.
6- التهجُّد:
لا يكتفي البعض
بصلاة الفرائض والتراويح، بل يجتهد في اللحاق بصلاة التهجد التي تُقام في الثلث
الأخير من الليل، وحتى قبيل صلاة الصبح بقليل.
ويبدأ الأئمة في الجزائر صلاة التهجد في بداية الثلث الثاني من رمضان، ويحاول مَن لا يقرأ حزبين في التراويح، أن يُكمل الباقي في التهجد؛ حتى يتمكنوا من ختم القرآن في ليلة السابع والعشرين، التي يكون لها أجواء روحانية أكبر من مثيلاتها من الليالي الرمضانية.
اقرأ أيضاً: أطول وأقصر ساعات الصيام حول العالم
7-
مسامرات ليلية:
بعد أداء
التراويح قد يجتمع الأصحاب على المقاهي للتسامر والحديث في كل المجالات الثقافية
والدينية والسياسية والاجتماعية مع الفكاهة وطرافة الحديث، والبعد عن المنغصات
الحياتية، ويكون ذلك مصحوبًا بمشروبات ساخنة أو غازية مع بعض الحلويات التقليدية كالشامية،
والمكسرات.
والنساء قد
يجتمعن بأطفالهن مع أهلهن في هيئة زيارات عائلية للاطمئنان على الأقارب والأرحام،
مع بعض الحلويات كذلك.
8- الزينات
الرمضانية:
مشهور عن أهل
المشرق العربي أنهم يقومون بتزيين الشوارع بشتى أنواع الزينة والأنوار والفوانيس..
إلخ، وهذا غير منتشر في الجزائر، لكن يوجد اهتمام بإعادة طلاء المساجد وتجديدها
للشهر الفضيل، وكذا البيوت حيث تجديد الطلاء والمواعين احتفالاً وفرحًا وسرورًا
بقدوم هذا الشهر.
ولا يوجد بالجزائر
من يوقظ الناس للسحور (المسحراتي)؛ فتلك المهنة ليست موجودة من الأساس، ويعتمد
الناس على أنفسهم للاستيقاظ.
كل ما سبق يُظهر
السعادة والفرح بقدوم هذا الشهر الكريم الذي يتعرَّض فيه الناس لنفحات ربهم، ويجدون
فيه ملاذهم الروحي والنفسي، ويأخذون منه الطاقة لعام جديد قادم.
____________________
(1) أخرجه
الترمذي في الصلاة، باب: ذِكْرِ مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ
بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ح(586) من حديث أنس بن مالك،
وقَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وقال الشيخ الألباني في صحيح
سنن الترمذي: حسن.
(2) أخرجه مسلم
في الطهارة، باب: فَضْلِ إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، ح(251) من حديث
أبي هريرة.