صوم اللسان والجوارح

الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
إن الصوم يقتضي أن يصون الإنسان لسانه وجوارحه عن كل ما حرم
الله، كما صام عن الطعام والشراب والمفطرات، يجب عليه أن يصوم عما حرم الله دائمًا
في رمضان وفي غيره من قول الزور، من سائر المعاصي، من العقوق وقطيعة الرحم، من
الغيبة والنميمة إلى غير هذا مما حرم الله، بل يجب أن يكون حذره منها في رمضان أشد
وأكثر.
فالصيام يقتضي أن يصون جوارحه عما حرم الله كما صان جوفه عن
الأكل والشرب، يصون جوارحه عما حرم الله، ولهذا يقول ﷺ: «الصيام جنة» يعني سترة من
النار، حصن من النار لمن صانه وحفظه، «فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق،
وفي لفظ: ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم»، يعني يكون يومه
متميزا، كما قال جابر رضي الله عنه: "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن
الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة، ولا تجعل يوم صومك ويوم
فطرك سواء".
اقرأ أيضا: عبادة الأحرار
وفي الحديث: «ما صام من ظل يأكل لحوم الناس»، فالصائم يصون
صومه، يصون بصره، يصون لسانه، يصون جوارحه عن كل ما حرم الله، ولهذا يقول ﷺ: «من
لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»، يعني
لا قيمة لصومه ولا يصلح أن يقدم إلى الله هذا الصوم المجروح بالرفث والفسوق
والمعاصي وظلم العباد، يجب أن يكون المؤمن محترما لصومه، يقدم لله صوما سليما
بعيدا عما حرم الله، فهو سبحانه أهل لأن يتقرب إليه بكل خير.
اقرأ أيضا: سفينة النجاة للمجتمع
والمقصود من العبادات الخضوع لله وأداؤها كما شرع رغبة فيما
عنده وحذرا من عقابه وشوقا إليه وطلبا لمرضاته، ليس المقصود مجرد الصورة فقط، لا،
لا بد من الحقيقة، تكون العبادة حقيقية يصونها ويحفظها، يقصد بها وجه الله عز وجل
والدار الآخرة من صلاة وصوم وحج وعمرة وغير هذا، كل هذه العبادات يجب أن يصونها
وأن يؤديها كما شرع الله بإخلاص وصدق ورغبة ورهبة وخشوع لله تعالى، وأن يحذر ما
ينقصها من المعاصي والسيئات.
وفي الحديث يقول ﷺ: «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه
فإنما أطعمه الله وسقاه»، الصائم بشر يعتريه النسيان كما يعتري بقية البشر، فإذا
أكل ناسيًا أو شرب ناسيًا أو أتى بمفطر آخر ناسيًا فلا شيء عليه، صومه صحيح، وفي
اللفظ الآخر: "من أفطر في رمضان ناسيًا فلا قضاء عليه ولا كفارة".
والله يقول: (رَبَّنَا
لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (البقرة:286). قال النبي ﷺ: «يقول الله: قد فعلت»، يعني قد أجبت الدعوة،
وأنه لا يؤاخذ عباده بالنسيان والخطأ الذي لم يتعمدوه، فالصوم عبادة عظيمة كما قال
جل وعلا في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى
سبعمائة ضعف إلا الصوم فإنه لي".
يقول الرب جل وعلا: «إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، ترك
شهوته وطعامه وشرابه من أجلي»، هذا الصوم الذي هو اختص به جل وعلا؛ لأنه سر بينه
وبين العبد ينبغي بل يجب أن يصان عن الظلم والمعاصي كلها، وأن تكون حال الصائم
متميزة في خشوعه وخضوعه لله وابتعاده عما حرم الله والتزامه بما شرع الله.
*********************
المصدر: الموقع الرسمي لسماحة الشيخ ابن باز
اقرأ أيضا: عن التبرج والسفور