عمل خيري مستدام بعد رمضان

أحمد جمال

25 مارس 2025

76

يشهد العمل الخيري طفرة كبيرة خلال شهر رمضان، لكنه في المقابل قد يتعرض لانتكاسة أو فتور بعد انتهاء الشهر الفضيل، الأمر الذي يفرض تحديا جسيما على العاملين في هذا المجال، والقائمين على الجمعيات الأهلية والخيرية في الوطن العربي، بشكل يحتم الوصول إلى صناعة عمل خيري مستدام.

«المجتمع» طرحت القضية للنقاش على مائدة عدد من العلماء والمختصين، في محاولة لوضع معالم خارطة طريق لبث الحيوية في العمل الخيري طوال العام

يقول الدكتور عبدالفتاح العواري، العميد السابق لكلية أصول الدين- جامعة الأزهر: إن هناك ضرورة حياتية لتحقيق الاستمرارية والحيوية في العمل الخيري، وبأساليب غير تقليدية وطويلة المدى، المسلم من أهل الخير يجب أن يكون ذكيا فطنا كما وصفه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأنه ليس (إمعة) يسهل خداعه أو التلاعب بمشاعره من المتسولين، بل إنه يبحث عن أفضل وسيلة للنفع العام لتعم الفائدة.

ويضيف لـ«المجتمع»: إن الأفضل أن يتم توظيف العمل الخيري الرمضاني وخاصة في دول الخليج لإنشاء مشروعات إنتاجية لتوظيف الفئات المحتاجة حتى يكسبوا أرزاقهم من الحلال، ومن عرقهم ليشعروا بقيمته، وفي الوقت نفسه على المؤسسات الخيرية التحري الكافي عن المستحقين وتوفير فرص عمل لهم

صفحة العمل الخيري الإسلامي بيضاء مشرقة.. والإضرار به جريمة

إنتاج لا عشوائية

وتؤكد الدكتورة زينب الأشوح، أستاذ الاقتصاد الإسلامي– جامعة الأزهر، على أن العمل الخيري يعد من أهم مظاهر الحضارة الإسلامية، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يَقْصُر ثواب العمل الخيري على المسلمين فيما بينهم فقط، بل يمتد إلى كل البشر، فقال صلى الله عليه وسلم: «أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وأحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ تدْخِلُهُ على مسلمٍ، أوْ تكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً، أوْ تقْضِي عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا، ولأنْ أَمْشِيَ مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ أعْتَكِفَ في هذا المسجدِ- يعني: مسجدَ المدينةِ- شهرًا، ومَنْ كَفَّ غضبَهُ سترَ اللهُ عَوْرَتَهُ، ومَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ ولَوْ شاءَ أنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللهُ قلبَهُ رَجَاءً يومَ القيامةِ، ومَنْ مَشَى مع أَخِيهِ في حاجَةٍ حتى تتَهَيَّأَ لهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يومَ تَزُولُ الأَقْدَامِ، وإِنَّ سُوءَ الخُلُقِ يُفْسِدُ العَمَلَ، كما يُفْسِدُ الخَلُّ العَسَلَ».

قاعدة بيانات ومنظومة متكاملة للحد من معدلات التسول والفقر 

وتطالب الأشوح القائمين على العمل الخيري الرمضاني، بالاستمرارية، والتطوير، لتكون منظومة الخير وسيلة إنتاجية تربي في المستحق لها عزة النفس ليكفل نفسه وغيره، ثم يتحول بعد ذلك إلى منتج صاحب مشروع صغير ينمو بمزيد من الجهد والعرق.

وتحذر الأشوح من سيطرة العشوائية والاستهلاكية على العمل الخيري، الأمر الذي لا يجعله مؤثرا على المدى الطويل، بل إنه قد يربي في نفس المستحق السلبية والاتكالية، قال صلى الله عليه وسلم: «لأنْ يأخذَ أحدُكم حبلَهُ على ظهْرِهِ فيأتي بحزمةٍ منَ الحطبِ فيبيعُها فيكُفَّ اللهُ بها وجهَهُ خيرٌ مِنْ أنْ يسألَ الناسَ أعطوْهُ أوْ منعوهُ».

ويؤكد الدكتور أشرف عبدالعزيز، الأمين العام للاتحاد العربي للتنمية المستدامة والبيئة، على أن منظومة العمل الخيري العربي عامة والخليجي خاصة شهدت تطورا كبيرا، من خلال التنسيق منعا لتكرار الجهود، فضلا عن استخدام أحدث ما وصل إليه العالم في مجال الإعلام والاتصال ووسائل التواصل الاجتماعي؛ لتشجيع أهل الفضل على توصيل العمل الخيري لمستحقيه، ليس في داخل دولهم فقط، بل خارجها أيضا من خلال الاستفادة بما لدى الجمعيات الخيرية في تلك الدول من قواعد البيانات، وآليات توزيع للمساعدات، ووسائل تحري للحالة الاجتماعية.

إقامة مشروعات للمحتاجين وليس مجرد مساعدات استهلاكية

يتابع خلال حديثه لـ«المجتمع»: لدينا طموح أن يكون للاتحاد مكاتب في كل الدول العربية ليشكل منظومة متكاملة لتشجيع العمل الخيري كأحد أهم روافد التنمية المستدامة، مما يقل معدلات الفقر في بعض الدول من خلال التوظيف الإيجابي للعمل الخيري الخليجي من خلال مشروعات وليس مجرد مساعدات استهلاكية سرعان ما تنتهي وتظل حاجة المحتاجين مستمرة، ولهذا نحاول التطبيق العملي للمثل الصيني الشهير: لا تعطني سمكة، بل علمني كيف أصطاد.

تنسيق وتعاون

ويرى الدكتور مصطفى الشيمي، مدير عام المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، أن العمل الخيري الخليجي في حالة تطور مستمرة حيث يستعين بأحدث ما توصلت إليه التقنيات وتكنولوجيا الحديثة التي يتم توظيفها لتيسير جمع المال (المادي والعيني) وتوزيعه على مستحقيه بعد أن يتم عمل الأبحاث وإجراء التحريات اللازمة، وهناك تنسيق وتعاون بين هذه المنظمات الخليجية من خلال المجلس العالمي للدعوة والإغاثة باعتبارها أعضاء فيه، أو بالتواصل المباشر فيما بينها لتلبية احتياجات المناطق الأكثر احتياجا في مختلف قارات العالم، وخاصة في مناطق الصراعات والحروب والكوارث الطبيعية، فضلا عن تبادل الخبرات بين المنظمات العربية والإسلامية العاملة في المجال الخيري والإغاثي.

تبادل الخبرات بين المنظمات العربية والإسلامية العاملة في المجال

ويضيف: إن الإحصائيات تؤكد النمو المتزايد للعمل الخيري الخليجي وامتداده لمختلف الدول العربية وفي القلب منها أشقاؤنا في الأراضي الفلسطينية في غزة والضفة الغربية، مشيرا إلى أن المجلس يعقد اجتماعات دورية سواء على مستوى رؤساء اللجان، ومنها بالطبع المنظمات الدعوية والخيرية الإغاثية والتمويل والاستثمار؛ لبحث الجهود المبذولة، ووضع الخطط التعاونية المستقبلية حتى تكون أكثر قدرة على تلبية احتياجات المستحقين، خاصة أن الإحصائيات الرسمية منذ فترة طويلة تؤكد على أن قرابة 90 في المئة من الفقراء وضحايا الحروب والصراعات العرقية والكوارث الطبيعية يدينون بالإسلام، وهو الأمر الذي يلقي مسؤولية كبيرة على المنظمات الخيرية الخليجية والعربية والإسلامية.

اقرأ أيضا: إتقان العمل الخيري.. التفاصيل تصنع الفرق



الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة