هل أصبح الحرم الإبراهيمي «إسرائيلياً» بالكامل وبروفة لـ«الأقصى»؟

عقب تقسيم
الاحتلال الصهيوني الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل بالضفة الغربية، بين المسلمين
واليهود للصلاة فيه، عقب مجزرة عام 1994م ضد المصلين المسلمين، كان الصهاينة
يضطرون للسماح للمسلمين بالصلاة وحدهم في المسجد في شهر رمضان وتسليمه للأوقاف
الفلسطينية وإبعاد المستوطنين اليهود.
وذلك منعاً
للاحتكاكات والمصادمات خاصة أنهم يمنعون المسلمين من دخوله في المناسبات اليهودية
ويعطلون الصلاة ورفع الأذان.
لكن في رمضان
2025م، رفض الاحتلال تسليم الحرم الإبراهيمي في الخليل، بكامل مرافقه وساحاته
وأبوابه للأوقاف، واحتفظ لنفسه بمنطقة «صحن المسجد» وأغلق البوابة الشرقية المؤدية
له، لأن مستوطنين احتلوها وبدؤوا يضعون فيها سقفاً ويحولونها لمعبد منفصل داخل
المسجد!
هذا التصرف من
جانب الاحتلال جاء استغلالاً للحرب مع غزة، وسعي المتطرفين الصهاينة في حكومة
الاحتلال لفرض ما يسمونه السيادة «الإسرائيلية» على كل فلسطين التاريخية بما فيها
القدس والضفة وكافة المقدسات الإسلامية بهما ونزعها إدارتها من دائرة الأوقاف
الإسلامية لتهويدها.
حيث فوجئ
المسلمون هذا العام بفرض سيطرة الصهاينة بالكامل على المقدسات الإسلامية في الأرض
المحتلة، وسحب الاحتلال «الإسرائيلي» اختصاص الإشراف على الحرم الإبراهيمي في
مدينة الخليل بالضفة الغربية، من الأوقاف الفلسطينية وأسنده إلى ما تسمى هيئة
التخطيط المدني «الإسرائيلي».
هذه الخطوة
الخطيرة هي استكمال للسيطرة التدريجية على الحرم التي بدأت عام 1994م بتقسيم
الصلاة فيه زمانياً ومكانياً، بين المسلمين (أصحاب المسجد) واليهود، وإعطاء اليهود
الحق في 63% منه، و37 % فقط للمسلمين، التي بدأت مرحلتها الأخيرة بالبدء في قضم
بقية الـ37% من المسلمين وإعطائها لليهود؛ ما سيجعل الحرم الإبراهيمي «إسرائيلياً»
بالكامل.
خطة
الاستيلاء الثاني
قبل 31 عاماً،
ارتكب الصهيوني القاتل باروخ غولدشتاين مذبحة في الحرم الإبراهيمي، يوم 25 فبراير
1994م، وأطلق النار فقتل 51 من المصلين وأصاب 200، وحينها بدأت خطة الاستيلاء
الأولي على المسجد بتقسيمه بين المسلمين واليهود.
وعام 2024م،
ورغم أنهم يسيطرون على 63% من المسجد ويدنسونه بالرقص والصلاة التلمودية
والاحتفالات الصاخبة، بدأت خطة الاستيلاء الثانية بقيام مستوطنين بالبقاء في صحن
المسجد ووضع خيمة للصلاة.
ثم بدؤوا
-بالتزامن مع رمضان- في تسقيف المكان ووضع سقالات ومواد بناء استغلها الاحتلال
لقضم جزء جديد من المسجد وعدم إعادته للأوقاف في رمضان.
وقد أصدرت «أوقاف
الخليل» بياناً، في 11 يوليو 2024م، تحذر فيه أن جماعات استيطانية شرعت بأعمال
بناء سقف لصحن الحرم الإبراهيمي، ورفعوا أعمدة حديد ثقيلة وألواح صاج، ثم شرعوا
بسقف الجزء المكشوف من صحن الحرم.
ومع أن بناء سقف
الصحن توقف في 9 يوليو 2024م، إثر هبة شعبية في الخليل، ووقفات واحتجاجات نظمتها
وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ثم أزال الاحتلال في 12 يوليو 2024م سقفاً شيده
على صحن المسجد الإبراهيمي، فقد عاد العمل متعمداً في رمضان؛ إذ عاد الاحتلال في
رمضان الحالي 2025م، ليحاول بناء السقف بحيلة هي فرض إشرافه على الإبراهيمي بدل
الأوقاف.
إزاحة
الأوقاف
ولضمان تنفيذ
الخطة، نزع الاحتلال سلطة الإدارة والإشراف على المسجد بالكامل من الأوقاف للسماح
لليهود ببناء السقف دون اعتراض وبموافقة «إسرائيلية» رسمية.
وقد ردت «الأوقاف»،
في بيان، مؤكدة أن الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية ملكية
وقفية خالصة للمسلمين، مشيرة إلى مخططات «إسرائيلية» لتحويله إلى كنيس يهودي، وقالت:
إن رفض الاحتلال فتح الباب الشرقي في الحرم للجمعة الثانية أدى إلى رفضها استلام
الحرم منقوصاً من أحد أجزائه المهمة، لما في ذلك من اعتراف ضمني بهذا الانتقاص،
الذي يعني استيطان المسجد تدريجياً.
وأكدت أنها هي صاحبة
السيادة على الحرم الإبراهيمي الشريف، وأن أي محاولة لتغيير هذا المعلم الديني
والتاريخي تعد انتهاكاً واعتداءً على هذه السيادة والولاية القانونية والدينية
والسياسية على مقدس من المقدسات الإسلامية، وعلى معلم تراثي مهم وحساس، يمس كل
المسلمين ما يتعرض له من اعتداءات.
وقالت: إنها تعي
مخططات هذا الاحتلال تجاه الحرم الإبراهيمي، ومنهجيته الحثيثة في بسط سيطرته عليه
وتحويله لكنيس يهودي خالص تمارس فيه تعاليمه التلمودية.
https://www.facebook.com/palestine.wakf/posts/pfbid02LRhfMr12SBCKNctzoea3ncDajrAjVPncJWAwxs5drPwNmNGcPHARK4LXLQQ6jdq7l
وقد وصف وزير
الأوقاف والشؤون الدينية في السلطة الفلسطينية محمد نجم محاولات الاحتلال وضع سقف
لصحن الحرم الإبراهيمي الشريف بأنه يأتي ضمن سعيهم لتحويل الحرم إلى كنيس يهودي
خالص.
وقال: إن سحب
صلاحيات وزارة الأوقاف الفلسطينية هدفه السيطرة على الحرم بشكل كامل، وطمس معالمه
الدينية والتاريخية والتراثية والإسلامية، وتجاوز تقسيمه الزماني والمكاني ومن ثم
تغيير المكانة التاريخية والتراثية للمسجد.
خنق
المصلين وحصارهم
وتقول دائرة
الأوقاف: إن بناء هذا السقف سيكون له أضرار أخرى بخلاف قضم اليهود جزءاً جديداً من
المسجد، إذ إن صحن المسجد هو مكان تهوية المسجد المحاط بأسوار ويستمد الأكسجين
للمصلين داخله من السماء، وغلق هذا السقف معناه خنق المصلين المسلمين.
https://x.com/palestinian_the/status/1894458895701090324
أيضاً قيام
الاحتلال بغلق الباب الشرقي للحرم المؤدي للصحن ورفض تسليمه للأوقاف الإسلامية يضر
المصلين المسلمين، ففي هذه المنطقة بئر للمياه، كما تصلي النساء هناك، ويستخدم
الباب الشرقي عموماً كمخرج للطوارئ.
ولكن الاحتلال
رفض تسليم الحرم بالكامل واقتطع هذه المساحة، فرفضت «الأوقاف» تسلمه لرفض التفريط
في أي شبر فيه، خاصة أن الاحتلال يسيطر على 63% من الإبراهيمي مخصصة للمستوطنين.
تهويد
كامل
ويقول علماء
الحرم الإبراهيمي: إن الخطوة الحالية المتمثلة في السيطرة على الإشراف وإدارة
المسجد من قبل الاحتلال وانتزاع هذا الحق من الأوقاف، ثم فرض أمر واقع بتحويل صحن
المسجد لمعبد يهودي، ليس سوى جزء من المخطط الأكبر الذي بدأ عقب احتلال القدس
والضفة.
ويوجد المسجد
الإبراهيمي في البلدة القديمة من الخليل، التي تقع تحت السيطرة «الإسرائيلية»،
ويسكن بها نحو 400 مستوطن يحرسهم حوالي 1500 جندي «إسرائيلي».
ولا يسمح
الاحتلال بفتح المسجد بشكل كامل أمام المسلمين سوى 10 أيام فقط في العام، وهي أيام
الجمعة من شهر رمضان، وليلة القدر، وعيدي الفطر والأضحى، وليلة الإسراء والمعراج،
والمولد النبوي، ورأس السنة الهجرية، وباقي الأيام تقسم الصلاة مع اليهود، ولا
يُسمح في كثير من الأحيان للمسلمين حتى بالقيام ببث أذان الصلاة، فضلاً عن منع
دخول مصلين، وتصدر «الأوقاف» شهرياً إحصاءات بمرات منع الصلاة والأذان؛ ما ينعكس
على قلة أعداد المصلين.
«القدسي»
على طريق «الإبراهيمي»
بالتزامن، مع
خطط الاستيلاء بالكامل على الإبراهيمي وجعله «إسرائيلياً»، استمر فرض أمر واقع في
الحرم القدسي خلال رمضان، والانتقال لمرحلة تقسيم المسجد مكانياً، أي تخصيص أماكن
لصلاة اليهود داخله.
وذلك بعدما تم
تقسيمه زمانياً بفرض أوقات لدخول المستوطنين له والصلاة فيه وبقي بناء «الهيكل» بعد
تقسيمه زمانياً بتخصيص أوقات لدخول المستوطنين له، حيث خرق الاحتلال اتفاق «الوضع
القائم» الذي تم الاتفاق عليه عقب احتلال القدس عام 1967م، الذي كان يسمح فقط
لليهود بزيارة الحرم القدسي، دون الصلاة داخله، وشجع ذلك رفض حاخامات دخول اليهود
له بحجة أنهم غير أطهار وخشية أن يطؤوا بأقدامهم من يزعم الحاخامات أنه مكان «الهيكل».
لكن منذ تولي
حكومة نتنياهو بدأ التيار الديني الصهيوني المتطرف الحاكم معه في تشجيع الصلاة لا
مجرد الزيارة داخل الحرم القدسي، ووصل التحدي لحد قيام اليهود بما يسمى «الصلاة
الملحمية» اليهودية التي تُمارس ضمن طقس «الهيكل»، بل وارتداء ملابس كهنة المعبد
داخل صحن المسجد الأقصى، وأصبح هذا طقساً مفروضاً في كل أعيادهم، في محاولة لتكرار
ما فعلوه في الحرم الإبراهيمي.