قمة الفرصة الأخيرة!

هل ستكون المشاركة في قمة الغد مشاركة فاعلة وعلى أعلى المستويات، بحيث تكون قمة رؤساء وليس قمة مندوبين ووزراء؟ غداً ستتاح لنا فرصة الحكم على القمة، أو لنقل: فرصة التوقعات والاحتمالات من لحظاتها الأولى، من مستوى التمثيل للدول في حضورها.

والحقيقة أنه لا يوجد عذر لأي رئيس في عدم الحضور والمشاركة الفاعلة، في هذه القمة، التي جاءت عقب حدث بالغ الأهمية، وينذر بخطر داهم، كشف اللثام عن حقائق صادمة للدول والأنظمة، ولا أقول: للشعوب المغلوب على أمرها، التي سلمت قيادها لهذه الأنظمة طوعاً أو كرهاً،

فقد أفرغت هذه الأنظمة دولها من أحزاب فاعلة، ومن مؤسسات ومنظمات مجتمعية قوية؛ بتغييب القادرين على التأثير والفعل من نخب وكفاءات؛ إما بالإهمال والإبعاد، أو بالتضييق والمحاصرة، أو بالاعتقال والسجن، بتلفيق الاتهامات جاهزة التعليب، وبمحاكمات صورية شكلية ممجوجة، أو بالهجرة الطوعية لمن فقد الفرصة عندهم أو القسرية لمن خافهم.

القيمة الحقيقية لقمة الدوحة

هل ستكون المشاركة على مستوى الرؤساء وأعلى المستويات في الدول العربية والإسلامية؟ سؤال مهم لأنه سيكشف عن القيمة الحقيقية لهذه القمة، وللمدى الذي تفاعلت به هذه الدول مع هذا الحدث الخطير، الذي تعرضت له دولة قطر، التي تعتبر الحليف الأهم دبلوماسياً، والأقوى مادياً، لأمريكا، وبالرغم من ذلك سكتت أمريكا صاحبة أكبر قاعدة عسكرية في قطر، سكتت أو سمحت لأن تُضرب قطر؟ فكيف سيكون الأمر مع غيرها؟ فهل التقطت الدول الرسالة؟ وهل تفاعل الرؤساء مع معطيات الحدث؟

شخصياً لا أستبعد أن تمارس أمريكا ضغوطاً على كثير من الدول العربية والإسلامية في سبيل التقليل من أهمية القمة، وإخراجها في صورة باهتة، ودون الحدث بكثير، وذلك من خلال خفض مستوى التمثيل من ناحية، ومن ناحية أخرى مستوى الخطاب وقوته، وأيضاً خفض سقف القرارات، وألا تخرج عن النمط السائد في سابقاتها، من تنديد واستنكار ولا شيء غير ذلك.

فهل ستنجح أمريكا في ممارسة هذا الدور؟ وهل سترضخ الدول لهذه المطالب المتوقعة؟ فأمريكا قلقة إلى حد ما، فقد كشف الغطاء عن هذا القلق، حرصُهم على لقاء رئيس وزراء قطر ووزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني وعلى جميع مستوياتها الرسمية نائب الرئيس ووزير الخارجية ووزير الدفاع وحتى الرئيس نفسه.

قمة الفرصة الأخيرة؛ لأن الأجواء متاحة أمامها، والأسباب الموجبة لرفع سقف قراراتها، حاضرة بقوة، ولا أظن أن أسباباً موجبة لرفع مستوى خطابهم وقراراتهم فيها ستتاح لهم كما هي اليوم.

فرصة تاريخية للقادة العرب والمسلمين

فالغطرسة «الإسرائيلية» والأخطاء التي ترتكبها والتصريحات العدوانية التي تصدر عنهم صباح مساء، تهدد المنطقة برمتها، وتتجاوز حدودها مع دول تربطها بهم معاهدات وتحالفات واتفاقيات، فهي دولة مارقة، وليست حكومة مارقة، كما قال عنها وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي.

بالإضافة للمزاج العالمي الغاضب الذي بدأ يتشكل في إدانة هذا الكيان المارق، الذي يرتكب أكبر وأشنع جريمة إبادة وتجويع على مرأى ومسمع العالم كله، دون تورع أو خوف أو خجل أو مراعاة للمجتمع الدولي، ومنظماته وقوانينه الرسمية، هذا المزاج العالمي يهيئ الفرصة للقمة أن ترفع سقفها في كل أمرها، بل إن القوى الحية في العالم كله تنتظر من هذه القمة أن تكون في مستوى الحدث.

فهي فرصة لأن تجدد الأنظمة العربية والإسلامية صورتها أمام شعوبها والعالم الحي، الذي ضاق ذرعاً بممارسات هذا الكيان المسخ، المتمرد على كل الأعراف والقوانين الدولية والإنسانية، نعم هذه فرصتها حتى تحظى بالاحترام والتقدير، وأن تخرج من دائرة الذم والتحقير، الذي مكثت فيها سِني دهرها، فقد حان الوقت الذي يحتم عليها أن تغادره، أو أنها ستتعرض لمن يجبرها ذات يوم ليس بالبعيد على مغادرة المشهد كله، غير مأسوف على غيابها، كما غاب من قبلها، ممن أرخص نفسه، وأهان أمته، وقزم تطلعاتها وغاياتها، ولم ينتصر لكرامتها المستباحة، ولم يذُد عن حياضها المهددة!

قمة الفرصة الأخيرة، لا نقول لهم ما يتوجب عليهم فعله فيها، فهم يعرفون جيداً ما يجب عليهم فعله، ويعرفون جيداً ما تنتظره شعوبهم منهم، وما يرجوه العالم الحي المتحضر منهم، يعرفون كل ذلك جيداً، فنأمل أن نسمع خطاباً جريئاً رزيناً، وقرارات قوية ومفاجئة وفوق المتوقع، وألا نبقى في دائرة القول، بل نغادرها إلى دائرة الفعل، فنكون بحق قولاً وفعلاً.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة