قوافل كسر الحصار عن غزة تبعث الأمل في نفوس الغزيين

غزة، ذلك الشريط الضيق من الأرض، الذي عاش وما يزال يعيش تحت حصار خانق منذ ما يزيد على عقد ونصف عقد، ورغم الحروب المتكررة والمآسي الإنسانية، فإن شعلة الأمل لا تنطفئ في قلوب أهل غزة، وتُعد قوافل كسر الحصار من أبرز المظاهر التي تعيد الحياة والأمل إلى أهل هذه الأرض الصابرة، فهذه القوافل، التي تأتي من مختلف بقاع العالم، تحمل معها ليس فقط الغذاء والدواء، بل تحمل معها رسالة حب وتضامن، وتُجدد الإيمان بأن الأمة الإسلامية لا تنسى أبناءها.

«قافلة الصمود» المغاربية.. من تونس إلى غزة في وجه الحصار |  Mugtama
«قافلة الصمود» المغاربية.. من تونس إلى غزة في وجه الحصار | Mugtama
بعد أيام من اعتراض قوات الاحتلال الصهيوني لسفينة «مادلين» في عرض البحر واعتقال من كانوا على متنها من نشطاء أحرار، انطلقت الإثنين 10 يونيو الجاري قافلة الصمود المغاربية، في أضخم تحرك بري شعبي يشهده العالم العربي دعمًا لغزة منذ بدء حرب الإبادة.
mugtama.com
×

أولًا: البعد الشرعي في دعم المحاصرين:

لقد حثّ الإسلام على نصرة المظلومين وإغاثة الملهوفين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في طليعة من يُبادر إلى العون والبذل، قال صلى الله عليه وسلم: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة» (رواه مسلم).

وهل هناك كربة أشد من الجوع، والحصار، وفقدان الأدوية، وانقطاع الماء والكهرباء؟

وإن إيصال المساعدات إلى أهل غزة لا يُعدّ عملاً تطوعيًا فقط، بل هو من فروض الكفاية، التي إن لم يقم بها أحد، أثم الجميع، قال الله تعالى: (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) (الأنفال: 72).

فمَن يخذلهم ويُعرض عن معاناتهم، فقد خالف توجيهات الإسلام في التراحم والتكافل.

ثانيًا: كسر الحصار كإحدى صور الجهاد المدني:

إن دعم قوافل كسر الحصار يُعدّ من صور الجهاد المدني الذي يتكامل مع الجهاد العسكري والسياسي والإعلامي، وهذه القوافل ترسل رسائل سياسية قوية، مفادها أن غزة ليست وحدها، وأن العدو مهما حاصر وقتل ودمّر، فإن صوت الحق سيصل، وسيبقى هناك من يكسر القيود، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه» (رواه البخاري، ومسلم).

و«لا يُسلمه» تعني: لا يتركه للعدو أو للمصير البائس دون نصر أو دعم.

اقرأ أيضاً: واجب المسلمين تجاه إخوانهم الجائعين

ثالثًا: الأثر النفسي لقوافل كسر الحصار:

من الناحية النفسية، فإن وصول قافلة إغاثية واحدة إلى غزة، يحمل لأهلها رسالة معنوية كبيرة: أن هناك من يفكر بهم، أن هناك من يرفض الظلم الواقع عليهم، أن هناك من يتحرّك ويضحّي من أجلهم.

والمتأمل في مشاهد استقبال القوافل يجد فرحة الأطفال، ودموع الكبار، وارتياح الأمهات، حيث يشعرون بأن تضحياتهم ليست عبثية، وأنهم ما زالوا في قلب الأمة، وأن هذا الحصار، مهما طال، لن يصمد أمام إصرار الشعوب الحرة.

رابعًا: نماذج مشرّفة من القوافل:

شهدت السنوات الماضية قوافل عظيمة مثل «أسطول الحرية» و«قافلة شريان الحياة»، و«قافلة أميال من الابتسامات»، وغيرها من المبادرات الشعبية والرسمية التي وصلت إلى غزة أو حاولت الوصول.

وقد ضحّى كثير من المتطوعين بأرواحهم من أجل هذه القوافل، كما حصل في مجزرة أسطول الحرية عام 2010م، حيث ارتقى شهداء من تركيا ودول أخرى، مُجسّدين أعلى صور الإيثار والتضامن مع الشعب الفلسطيني.

زحف شعبي من 32 دولة لكسر الحصار عن غزة |  Mugtama
زحف شعبي من 32 دولة لكسر الحصار عن غزة | Mugtama
في وقت يقف فيه العالم متفرجًا على واحدة من أكثر ا...
mugtama.com
×

خامسًا: أثر هذه القوافل على الصمود الفلسطيني:

القوافل ليست طعامًا ودواء فقط، وإنما هي دعم مباشر لثبات الشعب الفلسطيني، الذي يواجه آلة احتلال لا تعرف للرحمة طريقًا، فعندما تصل هذه القوافل، يتمكّن الجرحى من تلقي العلاج، وتُفتح المدارس، وتُنار البيوت، وتُرمَّم المساجد، ويُغاث اللاجئون؛ وقد قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة: 2).

وهذا التعاون يتجلى بأبهى صوره في هذه القوافل، التي تُعدّ ترجمة حقيقية للآية الكريمة.

 سادسًا: واجب الأمة تجاه غزة:

لا يكفي أن نُعجب بهذه القوافل أو نُثني على من يرسلها، بل الواجب أن نكون جزءًا منها؛ دعمًا أو تمويلًا أو دعاءً أو مشاركة، فالحصار لا يُكسر بالشعارات، بل بالتحرك الفعلي، وبتحمّل المسؤوليات.

ولقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «لو أن بغلة عثرت في العراق، لسألني الله عنها لِمَ لم تمهد لها الطريق؟»، فكيف إذا كان الأمر متعلقًا بمليونَي إنسان محاصرين يُذبحون جوعًا وبردًا وقصفًا؟

إن قوافل كسر الحصار عن غزة ليست مجرد شاحنات تعبر الحدود، بل هي قوافل نور، تنير درب الأمل، وتؤكد أن أمتنا بخير ما دامت تنبض بالرحمة والنجدة، هي قوافل تُحيي سُنة التراحم، وتبعث فينا قيم الأخوة الإيمانية التي علّمنا إياها نبينا صلى الله عليه وسلم.

فلنكن عونًا لأهل غزة، ولنُجدّد دعمنا لهم؛ ماديًا ومعنويًا، حتى يزول الحصار، وتتحرّر الأرض، ويعمّ الخير والسلام.


الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة