ما سر مشاركة وزير الخارجية الأمريكي في افتتاح نفق استيطاني أسفل «الأقصى»؟

في خطوة أثارت
جدلًا واسعًا، شارك وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو خلال زيارته إلى الكيان
الصهيوني، الأحد الماضي، في افتتاح نفق استيطاني جديد أسفل البلدة القديمة في
القدس المحتلة، بطول 600 متر، وصولًا إلى محيط المسجد الأقصى المبارك.
وخلال الزيارة،
ظهر روبيو مرتديًا «الكيباه» وهو يؤدي صلوات تلمودية عند حائط البراق برفقة رئيس
حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، في مشهد اعتبره مراقبون رسالة سياسية واضحة حول
طبيعة الدعم الأمريكي لسياسات الاحتلال.
الاحتفال جرى في
موقع «مدينة داود» الذي تديره جمعية «إلعاد» الاستيطانية، حيث جرى تدشين ما يُسمى
بـ«مسار الحجاج» المارّ أسفل بلدة سلوان، على مقربة أمتار من المسجد الأقصى، وهو
النفق ذاته الذي ظهر فيه نتنياهو قبل أشهر مُطلقًا تصريحات استفزازية تحدث فيها عن
«الحق اليهودي في المسجد الأقصى»، رغم كونه مطلوبًا للمحكمة الجنائية الدولية بتهم
ارتكاب جرائم حرب!
زيارة روبيو.. رسالة أمريكية-«إسرائيلية» للعرب
صحيفة «يسرائيل
هيوم» اليمينية، شبه الناطقة باسم نتنياهو، اعتبرت أن إصرار روبيو على تنفيذ
الزيارة في موعدها رسالة موجهة للعرب، تؤكد أن العلاقات الأمريكية–«الإسرائيلية»
راسخة.
وأضافت أن
الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يسعى من خلال هذه الخطوات إلى إظهار عمق التزام
واشنطن بدعم الاحتلال في أي وقت يحتاج إليه.
ويأتي هذا
المشهد بعد أن كان نتنياهو قد افتتح ذات النفق في 2 يونيو الماضي، بالتزامن مع ذكرى
احتلال القدس.
وقد ظهر حينها
في مقطع مصوّر من داخل الأنفاق قائلًا: «نحن الآن في شارع الصعود بالأقدام بمدينة
داود.. قصة مدهشة! القدس كانت دائمًا بأعيننا، عدنا وحررنا القدس القديمة
والجديدة، وللأبد ستبقى بأيدينا».
أبعاد مشاركة روبيو في افتتاح نفق تهويدي بالقدس
وقال الخبير في
شؤون القدس علي إبراهيم: إن مشاركة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في أداء
الطقوس اليهودية عند حائط البراق المحتل، ثم ظهوره في افتتاح نفق «طريق الحجاج»
التهويدي أسفل بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى، لم تكن خطوة مفاجئة في ظل إدارة
الرئيس الأمريكي ترمب، إذ إن فريقه، بمن في ذلك وزير خارجيته، يتبنى النبوءات
التوراتية التي تبرر مشاريع التهويد.
وأوضح إبراهيم،
في حديث لـ«المجتمع»، أن أحد أبرز رموز إدارة ترمب –وزير الدفاع– كان قد أعلن قبل
توليه منصبه إيمانه بفكرة المعبد، بل ووشم على جسده صليبًا يعود إلى رموز الحروب الصليبية؛ وهي شعارات ترجمت عمليًا في الواقع من خلال الدعم الأمريكي غير المحدود
لحكومة الاحتلال، سواء في المجازر المتواصلة بحق الفلسطينيين في غزة، أو في عدم
الضغط عليها لوقف العدوان، فضلًا عن التغطية السياسية لمخططات تهويد القدس
ومحاولات ضم الضفة الغربية.
وأشار إلى أن ما
قام به روبيو ليس حدثًا منفصلًا، وإنما جزء من سياسة أمريكية متكاملة في عهد ترمب،
فالأخير كان أول رئيس أمريكي ينقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة، وافتتحها بحضور
ابنته وصهره، معلنًا اعترافه بالمدينة عاصمة لدولة الاحتلال.
وعلى النسق
ذاته، شارك السفير الأمريكي لدى الاحتلال ومبعوث ترمب إلى الشرق الأوسط في افتتاح
الشق الأول من نفق طريق الحجاج في 30 يونيو 2019م، برفقة سارة زوجة نتنياهو، وقد
أظهرت مقاطع الفيديو حينها فريدمان، وغرينبلات، وهما يتناوبان على استخدام مطرقة
لهدم جدار بُني خصيصًا كجزء من مراسم الافتتاح.
ويرى إبراهيم أن
مشاركة روبيو الأخيرة تكشف عن جملة من الدلالات الخطيرة:
أولًا: الرعاية
الرسمية «الإسرائيلية» لتهويد القدس؛ إذ تُشير مشاركة نتنياهو إلى أن ما تقوم به
أذرع الاحتلال التهويدية يمضي قدمًا، برعاية سلطات الاحتلال، وابتداءً برأس
الحكومة.
ثانيًا، التماهي
الأمريكي مع أطروحات هذه الحكومة اليمينية المتطرفة، الذي وصل حدّ تأمين الغطاء
للمضي في قضم أجزاء من الضفة الغربية، والمشاركة المباشرة في تهويد القدس المحتلة،
إلى جانب أنها تمثل اعترافًا أمريكيًا مباشرًا بسيادة كيان الاحتلال على الشطر
الشرقي من القدس، وخاصة محيط «الأقصى»؛ وهو ما يرفع من خطورة ما يُمكن أن تقوم به
أذرع الاحتلال داخل «الأقصى» بالتزامن مع موسم الأعياد العبرية القادم.
ثالثًا: ما قام
به وزير الخارجية الأمريكي يؤكد التزام الإدارة الأمريكية الحالية بتوجهات اليمين
المسيحي الصهيوني؛ ما يعني أن السياسات الأمريكية في المنطقة ستستمر في دعم
المشاريع الاستيطانية، والسماح للاحتلال بحسم مختلف الملفات والقضايا، ابتداءً من
القدس و«الأقصى» ووصولًا إلى غزة.
رابعًا: محاولات
الاحتلال المضي قدمًا في حسم هوية القدس، ومن المعروف أن الاحتلال يسعى إلى تحويل
القدس إلى عاصمة يهودية المعالم والسكان؛ وهو ما يعني أن المرحلة القادمة ستشهد
مزيدًا من الاستهداف لهذه المدينة وسكانها، وفي القلب منها المسجد الأقصى.
وختم إبراهيم
بأن هذه التطورات تعكس تقاطعًا خطيرًا بين المشروع الاستيطاني «الإسرائيلي» والدعم
العقائدي والسياسي الأمريكي؛ ما يجعل القدس في صدارة الاستهداف خلال المرحلة
المقبلة.
مشاركة روبيو
أثارت ردود فعل غاضبة على شبكات التواصل؛ فقد اعتبر اعتبرها باحثون ومحللون
إعلانًا صارخًا عن الشراكة الأمريكية في مشروع تهويد القدس، ورسالة استفزازية
موجهة للعرب والمسلمين في ذروة اجتماعاتهم الطارئة.
وأكد الباحث في
شؤون القدس زياد ابحيص أن مشاركة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في افتتاح
النفق التهويدي أسفل بلدة سلوان، لم تكن مجرد حضور بروتوكولي، وإنما إعلان مباشر
عن الشراكة الأمريكية في مشروع تهويد القدس، من خلال إحياء ما يُسمى بـ«مدينة داود»؛
وهي الأسطورة التوراتية التي يدّعي الاحتلال قيامها جنوب المسجد الأقصى.
من جانبه، علّق
أستاذ العلوم السياسية د. عبدالله الشايجي بالقول: إن صور روبيو وهو يتوجه فور
وصوله إلى حائط البراق برفقة نتنياهو والسفير الأمريكي هاكبي، المعروف بانتمائه
للتيار الصهيو-إنجيلي، لأداء الطقوس اليهودية، تعكس ما وصفه بالطقوس الإلزامية لكل
زائر رسمي لدولة الاحتلال.
وأضاف أن هذه
الصور تختصر بوضوح حجم الهيمنة الصهيونية على صناعة القرار في واشنطن، تطبيقًا
للمثل الأمريكي الشهير الذي يصف طبيعة العلاقة الخاصة والاستثنائية بين الولايات
المتحدة والكيان الصهيوني.
ما دلالات تزامن زيارة روبيو مع انعقاد «قمة الدوحة»؟
فبينما اجتمع
القادة العرب والمسلمون للرد على العدوان «الإسرائيلي»، ظهر روبيو عند حائط البراق
مرتديًا «الكيباه» اليهودية برفقة نتنياهو، في خطوة قرأها محللون على أنها رسالة
متعمدة مفادها: بياناتكم لا تساوي شيئًا أمام الممارسات العملية لتحالف واشنطن و«تل
أبيب».
وقال الكاتب
والمحلل في الشؤون الأوروبية والدولية حسام شاكر: زيارة وزير الخارجية الأمريكي
روبيو إلى فلسطين ليست مخصصة للعتاب أو اللوم بعد الهجوم الغادر على دولة قطر.
وأضاف شاكر أن
روبيو قدّم للجميع، بمن فيهم القادة في القمة العربية الإسلامية في الدوحة رسائل
مرئية مسددة بعناية: علاقات واشنطن بالاحتلال ليست تحالفية وإستراتيجية وحسب، بل
عقائدية أيضاً!
وقال الناشط
السياسي الفلسطيني فايز أبو شمالة: وزير خارجية أمريكا روبيو يضع «الكيباه»
اليهودية على رأسه، ويزور «حائط المبكي» (البراق) بصحبة نتنياهو، في رسالة إلى
المسلمين المجتمعين في الدوحة، بأن بياناتكم الكلامية، لا تساوي شيئاً أمام
ممارسات الصهيونية العملية!
أما الباحث
العراقي لقاء مكي، فقد اعتبر أن صورة روبيو وهو يرتدي «الكيباه» اليهودية أمام
حائط البراق، تمثل مشهدًا دعائيًا بامتياز، صُمم بعناية لإظهار مدى التزام واشنطن
بدعم «إسرائيل».
وأكد أن الرسالة
الأهم في هذا التوقيت تكمن في تزامنها مع انعقاد اجتماع القمة العربية والإسلامية
في الدوحة، وكأنها موجّهة خصيصًا لتحدي مخرجات القمة والتقليل من جدوى بياناتها.